اختلفت الآراء في زمن تشييده حصن الأخيضر.. من روائع الآثار الإسلاميّة في العراق
عامر جليل ابراهيم – تصوير: حسين طالب /
في سياق سعيها للتعريف بالآثار العراقية، تواصل “مجلة الشبكة العراقية” جولاتها في أنحاء العراق لتسليط الضوء على المعالم الدينية والآثرية والشواخص التاريخية، واليوم نقف على أبواب حصن الأخيضر أحد أهم الآثار الإسلامية في بلادنا العامرة بتاريخ مجيد في كل بقعة منها.
في طريق صحراوي صعب لا يخلو من المتاعب، شددنا الرحال إلى هذا الصرح الأثري، برفقة السيد أحمد حسن جابر مفتش آثار وتراث كربلاء، الذي حدثنا عن هذا المعلم الأثري قائلا: يقع الحصن في الصحراء الغربية على بعد 35 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء المقدسة وعلى بعد 150 كم من العاصمة بغداد. مضيفاً: يتألف القصر من حصن كبير وضخم، برع بناؤوه في هندسته، وهو مشيَّد بالحجر والجص وبعض أجزائه مبنية بالطابوق والجص، وداخله قصر فخم؛ أبعاده 112× 86م يحيطه سور محصن على غرار القلاع الحربية، وهو مستطيل الشكل، يبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب 176م وعرضه من الشرق إلى الغرب 169م وارتفاع السور الخارجي 21 م بعرض 4،5 م إلى ارتفاع 10،5 م.
هندسة معمارية فريدة
يمضي السيد جابر بالقول: إن الحصن مقسم إلى الجزء المركزي الذي يحتوي على الرواق الكبير والبيوت الأربعة والحمام والمطبخ، أما في الواجهة الشمالية الشرقية في داخل الحصن فيقع بيت الأمير، والجزء الشمالي المركزي منه، يتكون من ثلاثة طوابق وهو محاط برواق كبير مقبَّب فيه عناصر معمارية مختلفة تدل على معرفة وذوق الفنان المعماري العراقي منذ القدم. والجزء العلوي من الحصن محاط من الأعلى بقبة، وفي القصر مجاري مياه سرية داخلية تحت الأرض تجري إلى مسافات بعيدة إلى الخارج، وكذلك توجد أنفاق سرية داخلية تحت الأرض تمتد إلى مسافات بعيدة خارج الحصن. وهناك أيضاً أنفاق سرية داخلية من قاعات الجزء المركزي في البيوت الأربعة التي تحيط بالجزء المركزي باتجاه المساحة المحصورة بين الجزء المركزي والحصن الخارجي.
ذهنية عسكرية خارقة
ويردف جابر قائلاً: إن السور مدعم بـ 48 برجاً، أربعة منها كبيرة تحتل الأركان الأربعة، قطر كل منها 5،10 م وتوزعت الأبراج الأخرى على عشرة أبراج في الضلع الواحد، خمسة على يمين كل مدخل، وخمسة على شماله. قطر كل منها 3،3م ويصل كل برج من الأبراج الأربعة سلم خاص من الداخل يديمها بالتقوية والمعدات والمؤن، لأنها تمثل نقاط الإسناد الرئيسة في الحصن أكثر من غيرها من الأبراج الأخرى، وتبرز الأبراج عن محيط السور نسبياً، ما يساعد على الرصد 360 درجة. وبذلك يحصل على تقاطع للرصد على جميع المناطق المحيطة بالحصن خلال المزاغل العمودية والمستعرضة. وهذه المزاغل يمكن أن تستوعب عشرات من الجنود، فضلاً عن احتواء السور الدفاعي على شقوق مائلة وظيفتها صب الزيت من الأعلى في حالة اقتحام العدو إحدى البوابات الأربع من القصر المنيع، وهذه التقنية العالية تؤكد أن مصمم القصر ذو ذهنية عسكرية خارقة.
أصل التسمية
وفي ما يخص تسمية هذا القصر بالأخيضر يؤكد جابر: هناك آراء متضاربة عدة أدلى بها كثير من الباحثين والمؤرخين في أصل التسمية، منها رأي محمود شكري الآلوسي الذي يؤكد أن كلمة الأخيضر محرّفة من الاسم الأكيدر وهو اسم أمير من أمراء كندة أسلم في صدر الإسلام، أما الباحثة الإنكليزية غيرترود بيل التي زارت الموقع سنة 1909 فتقول: إنه من الأبنية الإسلامية التي شيدت في عصر الدولة الأموية وعرفته بموقع دولة الحيرة، ويتفق معها كل من أوسكار ورويتر وهرتسفيلد وموزيل وكريسويل بأنه من الأبنية الإسلامية، لكن يخالفونها الرأي في نسبته إلى العصر الأموي. أما الرأي الأخير والأصوب فهو الذي ذهب إليه كريسويل إلى احتمال أن مَن شيّد هذا الحصن هو الأمير عيسى بن موسى عم الخليفة العباسي المنصور.
الأخيضر وولي العهد المخلوع
ويختتم جابر حديثه بالقول:ـ إن المرحلة التاريخية التي ينتمي اليها الحصن كما ذكرت هي في زمن العصر العباسي وقد أنشأه ولي العهد المخلوع عن ولايته عيسى بن موسى بن علي أثناء خلافة أبي جعفر المنصور 158هـ ـ 775م في صدر الدولة العباسية الأول، وهذا ما أكده المستشرقون، ومنهم مس بيل أثناء رحلتها إلى العراق عام 1912، إذ أشاروا إلى أنه أثر عباسي بناء على اكتشاف الجامع الموجود داخل الحصن.