اغرق المرسيدس في دجلة خوفا من اتهامه بجريمة قتل

619

د.معتز محيي عبد الحميد/

كان شرطي المكافحة مكلفا هو ومجموعة من أفراد مفرزة لمراقبة مواقف السيارات على امتداد شارع أبي نواس بعد أن تزايدت ظاهرة سرقة السيارات التي اخذت تستخدم مؤخرا في التفخيخ والتفجير من قبل قوى الأرهاب في العاصمة، بعد ساعات من المراقبة وفي اليوم السابع لتوليه هذه المهمة شاهد الشرطي شخصا في الظلام يفتح الزجاج الجانبي لاحدى السيارات بآلة حادة وفي بضع دقائق كان قد مد يده ليفتح الباب ويخرج مجموعة من المفاتيح يجربها لتشغيل السيارة

ولكن كانت يد الشرطي اسرع لتقبض على رقبته وتخرجه من السيارة وتقتاده مع بقية أفراد المفرزة الى المديرية متلبسا بجريمته.

الكراج السري

وقف ذلك الحدث الذي لم يتجاوز (16) عاما يرتجف أمام مدير المكافحة وأثناء التحقيق معه اعترف بكل شيء واتضح من خلال التحقيق أنه يشكل مجموعة كبيرة من اللصوص يديرها أحد أرباب السوابق الكبار وهم يقومون بسرقة السيارات الحديثة، ارشد الحدث الصغير الى رئيس العصابة الذي استأجر كراجا قديما للسيارات في منطقة الصليخ واستخدمه لاخفاء السيارات المسروقة فيه، داهمت مفرزة من شرطة مكافحة سرقة السيارات الكراج السري في الليلة نفسها بعد ان اخذت موافقة قاضي التحقيق لتجد –غفور الأعور– رئيس العصابة والمطلوب في قضايا جنائية عديدة وأربعة من الصبيان وقد عكفوا على سيارة نوع بيجو يفكون أجزاءها في سرعة بالغة، فلصوص السيارات يفضلون في كثير من الأحيان فك أجزاء السيارة وبيعها قطعة قطعة لتجار بيع أجزاء السيارات المنتشرين في مناطق مختلفة من بغداد وبقية المحافظات وقد أصبحت في الفترة الأخيرة تجارة رائجة بعد أن منع استيراد أجزاء السيارات المستعملة من دول الجوار وعندما تفكك السيارات الى أجزاء صغيرة تباع بأضعاف سعرها فضلا عن أن ذلك يخفي كل معالمها ويصعب اثبات أي تهم على من يبيعها فوجئ – غفور الاعور – بالشرطة تقتحم هذا الكراج النائي، وفي هذه العملية السريعة استطاعت الشرطة القاء القبض على أخطر رئيس عصابة والعقل المدبر لسرقة السيارات في بغداد، والذي كان يصعب على الشرطة اثبات التهم عليه لانه يستعين بأحداث ضائعين يستخدمهم بعد التدريب على سرقة السيارات وتوصيلها الى الكراج.
لضباط مكافحة سرقة السيارات أساليبهم للحصول على الاعترافات لذا اعترف غفوري الأعور على الفور بسرقة العديد من السيارات، كما ارشد على بعضها كان في مخبأ سري يخفي فيه غفوري السيارات الحديثة جدا والذي ينوي بيعها بعد أن يغير ملامحها ولونها وتزوير أوراقها الرسمية. سجل ضابط التحقيق في دفتر ملاحظاته عددا من القضايا التي كانت مجهولة واعاد أكثر من خمس سيارات حديثة كانت مسروقة لاصحابها، ولكن وجد نفسه يواجه لغزا غامضا عندما سأل الضابط غفوري الاعور عن سيارة مرسيدس حديثة كانت قد سرقت من أمام مستشفى في الكرادة قبل اسبوع فأجابه غفوري بعد مناورة منه ان هذه السيارة قد استقرت في قاع نهر دجلة في منطقة الكريعات!

ولكن لماذا تخلص غفوري الاعور من هذه السيارة باغراقها في دجلة؟
لم يجب غفوري الاعور عن هذا السؤال ولكنه شحب لونه واضطرب بشكل ملحوظ وهو ذلك الحرامي الخطر الذي عرف السجون وقضى عمره في عالم الجريمة، لكنه ظل يحاول التهرب من تقديم اي ايضاح لتصرفه هذا، استعان ضابط التحقيق بوحدة الغوص في النجدة النهرية ليغوص أفرادها في قاع نهر دجلة بحثا عن السيارة في منطقة الكريعات، وارسل في استدعاء صاحب السيارة المرسيدس الذي تبين انه شخصية مهمة ومرموقة والذي كان يتوقع باستدعائه ان يجد سيارته ولكن ازداد غيضه وغضبه عندما عرف بمصير سيارته المجهول! ظل غفوري الأعور يرمق صاحب السيارة بنظرات غريبة ذات معنى ولكنه في الوقت نفسه ادلى بأوصاف تؤكد انها هي فعلا سيارة المسؤول الكبير ولكنه اصر على عدم تفسير ذلك اللغز! لماذا استقرت السيارة المرسيدس في قاع دجلة؟ كاد صبر الضابط ان ينفد حتى بدأ الحوار بين غفوري الاعور وصاحب السيارة عندما سأل غفوري ذلك المسؤول الكبير قائلا:

-الم يكن في سيارتك قميص ملوث بالدماء؟

-اجاب صاحب السيارة نعم ولكن ما علاقة هذا بالقائها في دجلة؟

-قال غفوري هل كنت تتوقع مني ان احتفظ بسيارة بها ملابس قتيل؟ صحيح انا حرامي سيارات ولكن الحياة حلوة ولا اريد ان تنتهي حياتي بحبل المشنقة!

-وقف صاحب السيارة مذهولا لايصدق ما يسمعه ولكن علق قائلا: ماذا تقصد؟

جريمة قتل بدلا من السرقة.

-قال غفوري: القميص الملوث بالدم دليل على القتل ولو ضبطت السيارة معي كان معنى ذلك ادانتي واتهامي بالقتل الذي أنت ارتكبته!!

تدخل ضابط التحقيق ليسأله قائلا: هل هذا هو السبب الذي جعلك تتخلص من السيارة؟

-اجاب غفوري طبعا السيارة احضرها لي احد اعواني ولكن عندما فحصتها وجدت فيها القميص الملوث ففكرت في مصيرنا فاذا تم القبض علي سوف تشاهد الشرطة السيارة والقميص وتوجه لي تهمة جريمة القتل بدلا من السرقة وفي الليلة نفسها قدت السيارة الى منطقة الكريعات واغرقتها في النهر حتى اتخلص منها ومن هذه المصيبة!

-سأله ضابط التحقيق ولماذا لم تتركها في الشارع؟

-ضحك الحرامي غفوري في خبث وقال هل اتركها وبصماتي على كل جزء منها!
التفت ضابط التحقيق الى المسؤول الكبير صاحب السيارة الذي كان يضرب كفا بكف دهشة وعجبا وسأله قائلا: ماسبب وجود هذا القميص الملوث في سيارتك؟

-اجاب الرجل في اليوم السابق لسرقة السيارة كانت هناك حادثة اخرى فقد اصيب شقيقي في حادث تصادم عنيف ونقل الى المستشفى وعندما توجهت لزيارته اخذت ملابسه الملوثة بالدم ووضعتها بالسيارة لاغسلها في بيتي ولكن السيارة سرقت بما فيها. لم يتمالك الضابط نفسه من الضحك لهذه الظروف الغريبة التي جعلت غفوري الأعور يتخلص من السيارة الحديثة باغرقها في نهر دجلة.