افكار في العمل الفولكلوري.. دعوة للاحتفاء الأكاديمي بالتراث الشعبي
باسم عبد الحميد حمودي /
قدم الباحثون العراقيون كثيراً من بحوث البيئة الشعبية ودرسوا تفاصيلها، من دورة حياة وأعياد ومناسبات اجتماعية متعددة، فضلاً عن دراسة الصناعات البيئية الشعبية.
نحن هنا لا نتحدث عن بداية الدراسات الفولكلورية في النصف الثاني من القرن العشرين من بحوث ودراسات حتى صدرت مجلة (التراث الشعبي) في أيلول 1963 وبجهد مجموعة من الرواد، لكننا نتحدث عن البدء الميداني بالعمل عبر مجلة (لغة العرب) التي كان يصدرها الأب انستاس ماري الكرملي مطلع القرن العشرين وجهد زملائه الذين كانوا يوثقون تفاصيل الجسم الفولكلوري بالوصول الى أماكنه ودراستها، مثل دراسات كاظم الدجيلي عن أنواع الصيد.
ونشير أيضاً الى جهود الكرملي ذاته بالكشف عن مضامين اللهجات العراقية وجهد العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي في دراسة اللهجة العامية العراقية، وبحوث الصحفي سليمان الدخيل الميدانية في تأصيل تسميات المدن والقصبات العراقية الحاضرة منها والمندرسة، وهي بحوث تأصيلية درست التسميات وأسباب نشوء هذه القصبة وتلك المدينة وتاريخ الظهور والتطور أو الضعف والاندثار، مثل اندثار الرماحية والعرجاء وأم عين وسواهن
ولابد لنا أيضاً من الإشارة الى جهد الأستاذ الباحث كاظم الدجيلي في دراسة الصناعات العراقية مثل صناعة السفن والقوارب وبحوث الأستاذ يوسف غنيمة في الآثار وعلم النميات (تاريخ النقود) وجهد الدكتور مصطفى جواد في علوم التراث الشعبي الجديدة وارتباطها بالتراث التقليدي العام، وقد كان آنذاك باحثاً شاباً يدرس الأدب واللغة قبيل ذهابه دارساً الى باريس.
كان جهد كتاب هذه المجلة المهمة لا يعدله جهد آخر حتى غيابها برحيل منشئها في أربعينات القرن العشرين، لكن جهود الأستاذ معروف الرصافي في كتابه (الآلة والأداة) يعد جهد استثنائيا لم يتعامل معه الباحثون بجدية.
وقد كان جهد جعفر الخليلي في مجلة الهاتف النجفية جهداً معرفياً مهماً في العادات والتقاليد واللهجة العامية والحكي الشعبي، هو ومن ساهم معه في الدرس والكتابة أمثال فؤاد عباس وناجي جواد ومصطفى جواد وعشرات سواهم.
وكان جهد الشيخ علي الخاقاني صاحب مجلة (البيان) وموسوعة (فنون الأدب الشعبي) وسواها جهداً استثنائياً في الجمع والإضافة.
وينبغي هنا أن ننبه الباحثين الشباب الى ضرورة دراسة مجلة (الهاتف) كوثيقة فولكلورية فضلاً عن دراسة مجلة (الاعتدال) لمحمد علي البلاغي، وغيرها من اصدارات مهمة اخرى.
يتبع ذلك متابعة تآليف عبد اللطيف الدليشي في ألعاب أطفال البصرة والمثل الشعبي فيها وجهود عبد الحميد العلوجي المتعددة الجوانب وأعمال محمود العبطة عن الفولكلور في بغداد ولطفي الخوري في قيادته الطويلة للعمل البحثي الميداني في العادات والتقاليد وإشرافه على المجلة حتى تقاعده.
ويهمنا ايضا ذكر الجهد الحيوي للدكتور أكرم فاضل بالترجمة عن الفرنسية لمضامين الفولكلور العالمي واكتشافه الرائع لموهبة الفنان الفطري (منعم فرات) وترجماته لأجزاء من كتاب دوزي عن الملابس الإسلامية، فضلاً عن جهد شقيقه الأكبر الدكتور عبدالحق فاضل في تأصيل اللغة وفي البحث الاستثنائي عن تسمية عراقية لمصطلح (فولكلور) أهو (الخلقيات) كما اقترح أم هو (التراث الشعبي) كما هو موجود؟ ما أثار نقاشات واسعة حول معنى هذا المصطلح وأثباته، وكذلك جهد عبد الباري النجم في أدب الرحلات والمحامي حسين علي في التمائم والرسائل والعقود الشعبية وكاظم سعد الدين في العادات والتقاليد والقص الشعبي وناجية المراني في علاقة اللغات وتأثيرات حكايات الف ليلة في الأدب الانكليزي فضلاً عن اهتمامها والشاعرة لميعة عباس عمارة بالتقاليد والعادات المندائية، ولا سبيل لنا الا ذكر تأثير الأستاذ خليل رشيد في كتابه (الأدب المهني) وكتابات الباحث الرائد عزيز جاسم الحجية في أجزاء موسوعته (بغداديات) وبحوث حسين علي الجبوري وسواهم من رواد الكتابة في الفولكلور العراقي، على وفق النسق التاريخي للإنتاج.
هي دعوة للباحثين الشباب لمراجعة بحوث هؤلاء فضلاً عن الدراسات الحديثة في الثقافة الشعبية وبحوث الفولكلور العراقي من الباحثين الذين تابعوا العمل و تميزوا بعطائهم في المجلة مثل الاساتذة ياسين النصير وجميل الجبوري وخضير عبد الامير وأدمون صبري وليث الخفاف ومثري العاني وحمود الحمادي وناجح المعموري وشكر حاجم الصالحي وسواهم.
إن ظهور جيل جديد من الباحثين الأكاديميين أمثال الدكتور داود سلوم والدكتور صبري مسلم حمادي والأستاذ قاسم خضير عباس والدكتور لؤي حمزة عباس والدكتور صالح زامل والدكتور قيس كاظم الجنابي قد فتح الدرب عريضا على التوجهات الحديثة في دراسة الفولكلور العراقي والثقافة الشعبية، ولابد هنا من التفكير ملياً في تأسيس فروع وأقسام في الجامعات العراقية لدراسة العادات والتقاليد والازياء واللهجات العراقية فضلاً عن دورة الحياة وسواها، مما يقيم الدليل على حيوية الإنسان العراقي وفرادته الحضارية المثلى.