الآشوريون.. بين السبي اليهودي واحتلال مصر الفراعنة
محمد علي جواد/
في زمن الملوك الآشوريين، خصوصاً في العهد الآشوري الأخير، جرى سبي آشوري لليهود بسبب مساندتهم للثورات والعصيان ونكث العهد الذي يعطوه للملوك الآشوريين بتحريض مستمر من فراعنة مصر.
المسلة السوداء
وفيما يلي أهم ما جرى لليهود على أيدي الملوك الآشوريين في العراق القديم:
-في زمن الملك الآشوري شلمانصر الثالث ( 858-824 ق.م): عثر في مدينة النمرود (كالخ) أثناء التنقيبات القديمة التي اجراها (لايرد) على مسلة حجرية مهمة تعود الى الملك الآشوري شلمانصر الثالث، وقد سميت باسم المسلة السوداء لأنها من حجر المرمر الأسود وهي الآن من آثار المتحف البريطاني، ويبلغ ارتفاعها ستة أقدام وقد نحتت على هيئة البرج المدرج ونقشت بكتابة مطولة خلاصة حملات الملك شلمانصر الحربية منذ اعتلائه العرش الى عام حكمه الواحد والثلاثين.
وقد زينت بخمسة أنطقة من المنحوتات البارزة في كل جانب من جوانبها تمثل مشاهد تقديم الخضوع والجزية من جانب الملوك والحكام والأمراء من مختلف الأنحاء وقد صور البعض منهم وهو يسجد ويخضع أمام صورة الملك العظيم شلمانصر وبضمنهم ملك إسرائيل ( ياهو).
جزية كبيرة
-في زمن الملك الآشوري سنحاريب (704-681 ق.م): في عام 701 ق.م ضيق الخناق على مملكة يهوذا وحاصر عاصمتها اورشليم، وتروي التوراة أن الجيش الآشوري حل فيه الوباء وفتك به، ولكن المرجح أن الجيش الآشوري رفع الحصار عن اورشليم مقابل دفع جزية كبيرة من الفضة والذهب والنساء من بينهن بنات الملك كما جاء في حوليات سنحاريب.
الاحتلال الآشوري لمصر
من المعروف أن مصر هبة النيل والعراق هبة الرافدين دجلة والفرات وفيهما نشأت حضارات أصيلة وراقية وقد اثرت حضارة البلدين على البلدان والأقاليم التي حولها وحتى البعيدة عنها بسبب الاشعاع الفكري والحضاري القوي لمصر والعراق. وحين نتكلم عن العراق القديم ومصر القديمة… وأقصد بذلك عصور ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام، تتبادر إلى أذهاننا فترات السلم بينهما خلال العهد الكشي أو الكاشي (سلالة بابل الثالثة 1595-1162 ق.م) في سبيل المثال وفترات الحروب العديدة (العهد السرجوني الآشوري) في سبيل المثال أيضاً.
والمعروف عبر التاريخ أن ميدان الصراع الأساس بين الامبراطورية في بلاد وادي الرافدين وبين الامبراطورية الفرعونية وغيرها الحاكمة في مصر، كانت بلاد الشام. وكانت مصر غالباً ما تؤلب الأمراء والملوك في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين على الثورة وتزودهم بالرجال والأموال والسلاح للتخلص من هيمنة الجيوش الجرارة من بلاد وادي الرافدين.
احتلال مصر
وتاريخياً لم يذكر أن الجيوش المصرية قد وصلت أو احتلت بلاد وادي الرافدين في عصور ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام، بينما الجيوش في العراق القديم، وصلت واحتلت بلاد مصر الفراعنة في عهد بعض الملوك الآشوريين من العائلة السرجونية.
لقد حاول الملك الآشوري اسرحدون غزو مصر بعد أن ضمن ولاء القبائل العربية في بوادي الشام لسلامة مرور جيوشه الضخمة إلى سوريا ومنها إلى مصر، وسار بجيوشه الجرارة في عام 679 ق.م واستولى على منطقة وادي العريش، وبلغ رفح جنوب غزة ودخل مصر التي كان يحكمها طهراقا الحبشي الذي لم يستطع صد الغزو الآشوري فهرب إلى جنوبي البلاد.
وبعد عامين استطاع طهراقا أن يستعيد (منفس) فأسرع اسرحدون للقضاء عليه ، لكن وافته المنية وهو في حران في عام 669 ق.م فخلفه على عرش الامبراطورية الآشورية ابنه آشور بانيبال ( 668-627 ق.م) والذي كان أول عمل انجزه هو إعادة فتح مصر، فسار بجيش كبير إلى حدود مصر واوقع الهزيمة بجيش الفرعون (طهراقا) فهرب من العاصمة (منفس) إلى (طيبة) فلاحقه الجيش الآشوري وفتح هذه المدينة.
وهكذا حقق الآشوريون في عهد الملك اشور بانيبال عملاً عسكرياً يعد فريداً من نوعه بالنسبة إلى ذلك العصر، اذ أنهم فتحوا بلاداً نائية تبعد أكثر من 1300 ميل عن موطنهم. وقد استمر الاحتلال الآشوري لمصر حوالي خمسة عشر عاماً ( 670-655 ق.م).
تماثيل الفرعون في الموصل
ومن الجدير بالذكر أن مديرية الآثار العراقية كانت قد عثرت في نينوى عام 1955م في تل النبي يونس حيث بقايا قصر الملك الآشوري أسرحدون، كسراً كثيرة من تماثيل الفرعون طهراقا كما تدل على ذلك الكتابة الهيروغليفية المنقوشة على بعض تلك الأجزاء. ووجدت كذلك كسراً من تمثال الالهة المصرية (أنوقيت). هذه البقايا وغيرها كانت من بين الغنائم الحربية التي جلبها أسرحدون من مصر.
لقد أشارت بعض الكتب والمصادر العربية والأجنبية إلى التقليل من أهمية الحضارة الآشورية والتركيز على دمويتها أو عنفها المفرط في القتل وحب الحرب.
لا شك أن الامبراطوريات كلها في التاريخ تنتمي إلى دورة الكائنات الحية، فهي تبدأ تكون نفسها كالطفل ثم تقوى في فترة الشباب ثم تنضج في فترة الرجولة لتصل إلى أبعد نقطة ممكنة في الأرض لتسيطر عليها ثم تتراجع وتضعف وتنفصل عنها أجزاؤها الواسعة وعند حكم ملوكها الضعفاء، تبدأ قوى إقليمية أخرى لتتسلم مهام القيادة وتنتهي الامبراطورية الأولى بالسقوط المحتوم والموت الذي يقضي عليها وهكذا هو حال الامبراطوريات في التاريخ. وأغلب الامبراطوريات لا تنمو الا بالقوة واستخدام العنف أمام الآخرين فهل الامبراطورية الآشورية تختلف عن باقي الامبراطوريات عبر التاريخ البشري بصورة عامة.
إن ذلك يجري للنكاية بحضارات العراق الأصيلة والقديمة والنيل منها بحجج واهية فعلينا أن ندرك خطر مثل هذه الاشارات والمفاهيم التي تريد منا التخلي ونبذ ماضينا وحضاراتنا.