الأدب في العراق القديم

1٬261

أحمد جودة كاظم القيسي /

يعد الأدب السومري من أقدم النتاجات الأدبية وأهمها على مر التأريخ، وهو النواة الأولى لكل الآداب الماضية والحاضرة، “إذ أن ثمار المعرفة الفكرية والأدبية في وقتنا الحالي ما هي الّا حصيلة ذلك الغرس الذي نما وترعرع منذ آلاف العصور التي قضتها الإنسانية في مسيرتها الحضارية.”

 تميز الأدب السومري بسرعة تطوره وضخامة إنتاجه وتعدد أشكاله، فمنه (الملاحم والأساطير والتراتيل والمراثي والأمثال والحكم) نقشت على آلاف الألواح الطينية بالخط المسماري منذ أقدم العصور. وهذا ما أثبتته البعثات التنقيبية التي أرسلتها جامعة بنسلفانيا في التلول الموجودة بمدينة (نفر) منذ عام 1889 – 1900 التي كشفت عن آلاف الألواح والكسر الطينية المكتوبة بالخط المسماري التي تعد المصدر الرئيس لإعادة تركيب التآليف السومرية.

تأثر البابليون والآشوريون بهذا النتاج الأدبي فاقتبسوا الكثير منه وترجمه الحثيون الى لغتهم مع المحافظة على أصوله قدر المستطاع، وتعد بعض المبتكرات الأدبية لدى العبرانيين والإغريق القدامى خاضعة للمؤثرات الأدبية السومرية الى حد بعيد .

الأسطورة

قبل الحديث عن الأدب الأسطوري السومري لا بد لنا من تعريف معنى الأسطورة (Myth)، وهي تعني الكلام المنطوق وتكتب في اليونانية (Mythos)ولهذه الكلمة علاقة بكلمة (Mouth) أي الفم، أما علم الأساطير (Mythology) فهو فرع من فروع المعرفة يعنى بدراسة الأساطير وتفسيرها، وهذا المصطلح ذو جزءين؛ الأول يعني الحكاية التقليدية عن الآلهة والأبطال، والثاني معناه العلم، والأسطورة هي أول محاولة في تأريخ الفكر الإنساني لوضع مفاهيم فلسفية تهدف الى إنقاذ الإنسان من متاهات الجهل بأسرار الطبيعة وظواهرها. وتعد الأسطورة السومرية أقدم النماذج الأدبية المكتشفة لحد الآن وهي من أهم المصادر المعمول بها لفهم ودراسة الأساطير السائدة في الشرق الأدنى القديم وتميزت بالبراعة في التصوير ودقة في الصياغة وأصالة في الأسلوب، ويكاد الجانب الفني والأدبي يطغى على الجانب الفكري فيها ويعزى ذلك الى أن المعارف الفكرية الإنسانية في الأزمان القديمة لم تكن متبلورة أو مصنفة بشكل كامل ودقيق.

  ميدوزا

تعد (الميدوزا الإغريقية) من أهم الأساطير المقتبسة أو ذات الجذور التي ترجع الى الأدب السومري، فالميدوزا تعني الفرعونة وهي إحدى الأخوات الثلاث كما ذكرت في الأسطورة الأغريقية، ولعلهنّ آلهة أو ساحرات، ويتميزن برأس مكسو بالأفاعي بدلاً من الشعر وكل من يتبادل النظر معهن يتحول الى تمثال من الحجر، وهذا مشابه جداً لما جاء في أسطورة (هبوط إينانا الى العالم الأسفل) المنقوشة على لوح حجري عثر عليه في مدينة الحضر التأريخية، حين نظر الحكام السبعة الى “إينانا” وحدقوا بعيونهم نحوها.. عيون الموت، فتحولت الى جثة هامدة. هذا التشابه في الأحداث ما هو الا دليل على تأثر حضارات العالم بالأدب السومري لأن الفارق الزمني يقاس بقرون عديدة لصالح السومريين .

أمثال وحكم

يعد التنوع في موروثاتنا الآثارية والحضارية والثقافية والعمل بها حتى وقتنا هذا دليلاً على نضج حضارتنا وعمقها وأصالتها، فالعراق هو مهد الحضارات وبلد الحرف الأول، وهو بلا شك منبع علمٍ لباقي الأمم وعلى مختلف العصور. ومن أهم تلك الموروثات هو الموروث الثقافي، كونه مادة غنية تخبرنا عن الفكر القديم في بلاد وادي الرافدين وعلى كافة الأصعدة، سواء أكان دينياً أم أدبياً أم فنياً. ونختصر الحديث هنا عن الموروثات الأدبية والتي تشمل الأسطورة والقصة والأمثال والحكم والمواعظ وغيرها من المواد الأدبية التي ما يزال بعضها يتداوله الناس، وبالرغم من وجود بعض الفوارق في صياغة الجمل إلا أن المعنى واحد، وعلى سبيل المثال هناك مثل سومري يقول “المدرسة كالبيت المعلقة جذوره في السماء ما إن يدخل اليه المرء مغلق العينين يخرج منه مفتوح العينين”، يُظهر هذا المثل أهمية العلم والدراسة لدى العراقيين القدامى وهو قريب جداً لكثير من الأمثال التي ما زلنا نتداولها والتي تحث على محاربة الجهل والتمسك بالعلم والمعرفة ونذكر منها “العلم نور والجهل ظلام”، وهو مقارب جداً في معناه للمثل السومري الذي ذكرناه .