الأطفال الذين يعانون التوحد
هبة الزيدي /
غالباً ما لا نجد معلومات عما يبدو عليه الأشخاص المصابون بالتوحد وما يفصلهم عن الآخرين، مع أنهم قد يتواصلون ويتفاعلون ويتصرفون ويتعلمون بطرق تختلف عن معظم الأشخاص. ويمكن أن تتراوح قدرات التعلم والتفكير وحل المشكلات لدى المصابين بالتوحد من الموهوبين إلى ذوي التحديات الشديدة.
التوحد هو إعاقة في النمو ناتجة عمّا يسمى بالـ(ASD)، ويعني وجود اختلافات في الدماغ، ولا يعرف العلماء بعد بالضبط ما الذي يسبب هذه الإصابات عند معظم الأشخاص المصابين بالتوحد.
وكان لـ”مجلة الشبكة العراقية” حوار مع سيدة تحلم أن تفتح مركزاً لعلاج التوحد لأن لديها اثنين من أولادها مصابين بهذا المرض، وأوضحت لنا معاناتها وكيفية التعامل معهما:
كانت (آية) فرحتنا الكبيرة، فهي أول بنت في عائلة مكونة من ثلاثة إخوة وأول حفيدة في العائلة، كان والدها سعيداً جداً بها، وفي الوقت نفسه كان عنده خوف من أن ولادتها قد تكون صعبة مثل أخيها الأكبر منها بثلاث سنوات، والحمد لله هو سليم ومعافى وعمره الآن سبع عشرة سنة وهو في الصف الخامس العلمي. لكن مع مرور الأيام لاحظتُ على ابنتي شيئاً غريباً، فحين كنت أتكلم معها لم تكن تنظر إلي، كانت تسمع صوتي فقط، وكنت قد قرأت أنه من المفروض، بعد الأربعين يوماً الأولى، أن يبدأ الطفل بتمييز لون ضوء الوجه، لذا بدأت أقلق وتدهورت حالتي النفسية. وبعد ثلاثة أشهر صرتُ أشعر بالإرهاق النفسي حين أتكلم وألعب معها، إذ كانت فقط تحرك يديها وقدميها. قررت أن آخذها إلى طبيب متخصص، قال لي انتظري فيمكن أن تكون شبكية العين غير مكتملة، وعندما صار عمرها ستة أشهر، أصبحت عيناها لا تثبتان (رأرأة)، ذهبت بها إلى أطباء أسماؤهم رنانة، وكان الفحص يجري تحت تأثير البنج العام، فيخرج الطفل شبه ميت وغير قادر على تحريك أي عضو من أعضائه، وقالوا لي انتظري حتى تُتم سنة من عمرها، كان الفحص في أحد المستشفيات الحكومية، وكان منظر الأطفال يدمي القلب، بقيت ثلاث سنوات على هذا الحال، أجري لها فحوصات كل ستة أشهر، وقد أظهرت تلك الفحوصات أن نظرها +8 مع استكماتزم، وكنّا أنا وأبوها نخاف عليها عندما تأكل أو تمشي وحدها، وصار عمر (آية) ثلاث سنوات، تمشي لكن كلامها قليل. حاولت أن أرى أطفالاً مثل حالة ابنتي، وكان يوجد حوار بينهم، وكلما كانت تصرخ أقول أنها قد تكون جائعة تريد طعاماً أو أن شيئاً يؤلمها.
قبل عشر سنوات ما كنت أعرف معنى كلمة توحد، حاولنا أن نسجلها في الروضة لكنهم لم يستقبلوها لأنها لا ترى. بعد خمس سنوات صارت آية لا تتكلم ولا ترد علينا إذا حدثناها، بل كانت تردد كلاماً غير مفهوم، وكانت تدور حول نفسها وتخاف من الصوت العالي. بعدها ذهبنا بها إلى معهد متخصص في مثل هذه الحالات، وقالت لي مديرة المعهد إن البنت لديها متلازمة (اسبرجر)، وهو اضطراب ونوع من أنواع التوحد، ما كنت أعرف معنى هذا المرض، تدهورت حالتي النفسية، بعدها تمالكت نفسي وتقبلت الموضوع، وسجلتها في أكثر من معهد، لكن مع الأسف وجدت معاهدنا تفتقر للإمكانيات المتطورة من ناحية التجهيزات والمدربين، بعدها قررت أن اعتمد على نفسي، وبدأت أقرأ واستعنت بطبيب نفسي ساعدني كثيراً.
وبعدما اكتملت رحلتي مع ابنتي بدأتُ برحلة جديدة مع ابني (محمد)، ضرير عمره 10 سنوات، وبسبب الخبرة التي اكتسبتها من تعاملي مع أخته، كان نجاحي معه أسرع وأفضل. نحن في بلد غني بالموارد الاقتصادية، لكنه للأسف يفتقر للإنسانية، أطفالنا مهمشون لا توجد لديهم أية حقوق، لديهم إمكانيات وقدرات، لكننا نحتاج دعماً عسى أن نستطيع النهوض بأولادنا.
رسالة إلى كل أم وأب أن استعينوا بالله فهو خير ناصر ولا تقنطوا من رحمة الله…
وقد تم ربط حالات بين مرضى مصابين بـ(الاسبرجر) وآخرين تعرضوا لـ(الماسخات)، وهي عوامل مسببة لعيوب خلقية في الأسابيع الثمانية الأولى من الحمل، وعلى الرغم من أن ذلك لا يستبعد احتمال الإصابة بهذا المرض في وقت لاحق، لكنه دليل قوي على أن هذه الإصابة قد تنشأ في وقت مبكر جداً من مرحلة النمو، وهناك كثير من العوامل البيئية التي يفترض أنها تؤثر في الطفل المريض بعد الولادة.