الأمّية الإلكترونية معضلةٌ عالميةٌ جديدة

860

رفاه حسن /

الأمية هي افتقار الإنسان الى المهارات الأساسية التي يجب أن يمتلكها أي شخص ليستطيع أن يتأقلم مع محيطه، وكانت سابقاً مقتصرة في موضوع واحد هو القراءة والكتابة، وكانت تسمى الأمية الألفبائية في إشارة إلى الحروف المستخدمة في القراءة والكتابة. ومن المثير للدهشة أن الأمية واكبت التطور الحاصل في العالم، فمع غزو التكنولوجيا لحياتنا وتطورها السريع، تطور نوع جديد من الأمية يمثل معضلة العصر الحالي وهي الأمية الإلكترونية التي تتمثل في عدم قدرة الفرد على التعامل مع التكنولوجيا أو عدم معرفته بكيفية استخدامها على نحو سليم، وكان هذا سبباً في الكثير من المشكلات، فالفجوة الكبيرة بين الناس وما يقدم لهم من خدمات تساعدهم لتسهيل حياتهم وأعمالهم جعلت تلك الخدمات بلا فائدة للكثيرين، ولا سيما أن نسبة الأشخاص الذين يعانون من الأمية الإلكترونية عالية جداً، فعلى الرغم من أن للأمية الألفبائية تأثيراً واضحاً في الأمية الإلكترونية، لكن الأمر في النهاية لم يقتصر على هذا، فحتى الأشخاص أصحاب الاختصاصات والشهادات العليا تجد كثيرين بينهم يعجزون عن التعامل مع التكنولوجيا، ويرجع ذلك لقلة التوعية والتثقيف في هذا المجال، على الرغم من أن هذه التقنية ليست بجديدة ولكننا ما نزال نتجاهل أهميتها في حياتنا وتأثيرها الإيجابي الكبير لو استطعنا التعامل معها تعاملاً صحيحاً ورشيداً.
لقد سببت الأمية الإلكترونية كثيراً من المشكلات، منها أن عدم إدراك الناس لماهية التكنولوجيا يجعلهم يخافون منها ويترددون في استخدامها حتى لو كانت تختصر عليهم عمل أيام كثيرة في ساعات قليلة، ومن مظاهر خوف الناس والموظفين بشكل خاص من التكنولوجيا اعتقاد بعضهم أنها ستسلبهم وظائفهم ولهذا تجد أن الموظفين الكبار في السن في الغالب يرفضون أية تغييرات في آلية العمل أو أية تقنيات تدخل إلى أعمالهم خوفاً من أن يتم استبدالهم والاستغناء عنهم.
إن عدم وجود توعية أساسية للموظفين بموضوعات التكنولوجيا العامة يجعل من الصعب عليهم التعامل مع التقنيات الكبيرة والحديثة بسبب عدم وجود أسس مرجعية لهم في هذا المجال، وهذا يؤدي الى حدوث تأخير وأخطاء كثيرة في العمل فضلاً عن الحاجة إلى إنفاق أموال كثيرة في تدريب الكادر بالكامل من الصفر، فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين، فإن لم تتعلم الطريقة الصحيحة لاستخدامها ستنقلب الخدمات الرائعة التي تقدمها لك إلى مشكلات كبيرة تقع فيها دون أن تدرك ذلك، وعليه فمن المهم أن تكون مُلمّاً ولو بالأساسيات المتعلقة بالتكنولوجيا المتوفرة بين يديك لتتجنب سلبياتها وتتمتع بإيجابياتها إلى أقصى حد، وهذا للمثال لا الحصر، ومن الجدير بالذكر أن بعض المجتمعات ظهرت فيها جماعات مناهضة للتكنولوجيا وتدعو لمقاطعتها بسبب إدمان الكثيرين عليها وابتعادهم عن الآخرين وانطوائهم عليها.
لقد أضاف وباء الأمية الإلكترونية حملاً ثقيلاً على كاهل الدول، ولا سيما النامية منها، فلقد عانت زمناً طويلاً من الأمية الألفبائية وها هي تصطدم بجدار كبير يدعى الأمية الإلكترونية، والمشكلة الكبرى هي تعذّر تعليم التكنولوجيا لشخص لا يجيد القراءة والكتابة، وهذا ما عقّد الوضع، والأمر يصبح أكثر تعقيداً مع مرور الوقت وتوغل التكنولوجيا أكثر فأكثر في حياتنا، حتى أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الروتين اليومي لحياتنا لا نستطيع الاستغناء عنها، ليس حباً فيها فقط بل لأنها ارتبطت بكل مفاصل العيش من الحياة الشخصية الى التعليم الى الطب الى الإدارة، فلا تكاد تمر دقيقة علينا في حياتنا دون أن نحتاج التكنولوجيا، لذلك نحن بحاجة لأن نكون أكثر إدراكاً لهذا الدخيل الذي اجتاح حياتنا وخصوصياتنا وأعمالنا حتى النخاع، يجب أن نتعلم كيف نتعامل معه، وكيف نستفيد منه الى أقصى حد، والأهم من ذلك كله يجب أن نتعلم كيف نحمي أنفسنا منه، وكيف نتجنب الجزء المظلم من هذه الطوفان التكنولوجي الذي جعل العالم قرية صغيرة كما يقولون، وفتح للبشرية آفاقاً جديدة للتعلم والتطور والتواصل والعمل، ولكنها بالمقابل سلبتنا علاقاتنا الاجتماعية وخصوصياتنا والكثير من الوقت الذي نستغرقه في تصفح هذه المنصة أو تلك.
لذلك من الواجب أن يتم تدريس مناهج الحاسوب وكيفية التعامل مع التكنولوجيا من المراحل الأولى في حياة الإنسان، لأن الوضع الآن يختلف تماماً عمّا كان عليه قبل نصف قرن، ونحن نعيش اليوم في عالم السرعة، فإن لم ننشئ جيلاً قادراً على مواكبة سرعة هذا العالم فسوف نبقى في الدرك الأسفل من هذا العالم. إن قوة الدولة اليوم تقاس بما توصلت إليه من إمكانات علمية في مجالات التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات، وبكمية البيانات التي تملكها هذه الدولة، وإلى أي مدى تستطيع تحليل هذا البيانات والاستفادة منها باستخراج معلومات ذات قيمة عالية يمكنها أن تقلب موازين السلم والحرب في العالم. إن التكنولوجيا اليوم تعد السلاح الأكثر خطورة على الإطلاق وإن الحرب المقبلة لن تكون حرب سلاح وذخيرة، بل ستكون حرب تقنية بحتة، وسلاحك وذخيرتك هي كم البيانات والمعلومات التي تمتلكها، فإن لم تكن قادراً على التعامل مع أساسيات هذه التقنية فكيف لك أن تصمد في هذه الحرب؟