الإعلام والتكنولوجيا
#خليك_بالبيت
رفاه حسن /
ترتبط التكنولوجيا بالإعلام في علاقة وثيقة، إذ يؤثر أحدهما على الآخر بشكل أو بآخر، لكن تأثير التكنولوجيا على الإعلام هو الأكبر والأوضح. فبعد أن أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ في كل مفاصل الحياة، لم يكن الإعلام استثناء من ذلك. ودخلت التكنولوجيا بقوة إلى مجال الإعلام وغيرت كثيراً من المفاهيم والأفكار الإعلامية، وأضافت مفاهيم جديدة مكنت الإعلام من الوصول إلى حيث لم يكن – من قبل- قادراً على الوصول والعودة على قيد الحياة، وأصبح المشاهد يحصل على الصورة الكاملة وربما أكثر من ذلك بقليل.
من ضمن التقنيات، التي أضافت إلى الإعلام آفاقاً جديدة، الروبوتات والذكاء الاصطناعي والطائرات المسيَّرة التي خرجت بمسار جديد سُمي بإعلام الطائرات المسيَّرة التي ساعدت الإعلام الحربي بشكل كبير، ولا ننكر دورها المؤثر في الإعلام بشكل عام.
غيرت التكنولوجيا الكثير من تفاصيل الإعلام، وهذا ما أثار حفيظة خبرائه الذين لا يمانعون الاندماج الحاصل بين التكنولوجيا والإعلام، لكنهم يحذرون من اندثار المبادئ الأساسية للإعلام وأخلاقيات المهنة التي تكاد تضيع في زحمة وسائط التواصل الاجتماعي والأخبار التي تفتقر إلى الدقة والمصداقية، ناهيك عن كون الكثير منها أخباراً مزيفة، وكل ذلك بفضل التكنولوجيا. فعلى الرغم من إيجابيات التأثير التقني على الإعلام، إلا أن سلبيته حاضرة أيضاً وبقوة، وأبسط مثال، وربما هو الأسوأ، هو نقل الأخبار المزيفة والمفبركة التي وجدت نتيجة لتطوير البرامجيات التي تساعد على تزييف الأخبار.
في السابق كنا لا نثق بالأخبار الموثقة بالصور الثابتة (الفوتوغرافية) ونعتقد أن المادة الفيديوية هي الأكثر واقعية وقرباً للحقيقة، لكننا اليوم لا نستطيع الوثوق بأي منها بعد ظهور الكثير من البرامجيات التي تساعد بمنتهى السهولة على تزييف الحقائق، وذلك دفع بالمقابل إلى ظهور برامجيات تدقق في مصداقية الأخبار وتمييز الحقيقية فيها من الزائفة. وهكذا نكون في حلقة مفرغة لامتناهية، لذلك يسعى المتخصصون لتحديد اندماج الإعلام مع التكنولوجيا ومقدار تداخلهما للحفاظ على المبادئ الأساسية للإعلام ولعدم تحويله إلى واجهة تقنية مفرغة من أساسياته ومبادئه.
جامعات عراقية تعاونت مع مؤسسات إعلامية في عمل دراسات لمعرفة مدى تعمق التكنولوجيا في غرف الأخبار وطواقم المؤسسات الإعلامية، وتبين من هذه الدراسة المسحية، التي تقام لأول مرة في 130 دولة وبـ 12 لغة والتي حملت عنوان “حالة التكنولوجيا في غرف الأخبار العالمية”، أنه على الرغم من وجود التكنولوجيا وانتشارها بشكل واسع، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين غرف الأخبار والتكنولوجيا، وحتى الكادر الإعلامي لا يمتلك العدد الكافي من المتخصصين في مجال التكنولوجيا، وهذه مسؤولية تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية في توفير التدريب اللازم لملاكاتها وتعريفهم بأهم التقنيات التي تساعدهم في رفع المستوى الإعلامي والوصول إلى المتابع بالطريقة الأفضل والأقرب إليه.
في دراسة أخرى أجراها “معهد رويترز لدراسة الصحافة” بالتعاون مع جامعة أوكسفورد وكانت بعنوان “الصحافة ووسائل الإعلام والتكنولوجيا: الاتجاهات والتوقعات 2018″، ثبت أنه على الرغم من وجود التكنولوجيا بوفرة عبر المنصات الإلكترونية، إلا أنها لا تحل المشكلة بالنسبة لتلك المنصات إعلامياً في ظل الانتشار الواسع للأخبار المزيفة والتضليل والدعاية، وهذا تحدٍ كبير يواجهه الإعلام في يومنا هذا.
ولا ننسَ هنا أن نذكر تأثير الإعلام على التكنولوجيا والعلاقة التي تربطهما، فالتكنولوجيا اليوم في حالة ثورة وتأخذ مساحة كبيرة من اهتمام الناس ويتفاعلون معها بشكل كبير لارتباطها الشديد بحياتهم اليومية، لذلك ظهرت جهات مهتمة ومتخصصة كثيرة في نقل الأخبار التقنية حصراً لكثرة الأخبار، ولتسليط الضوء بشكل خاص على هذا النوع من الأخبار.
لقد ساعد الإعلام في نقل التجارب وتشجيع المهتمين في مجالات التكنولوجيا بتطوير أفكارهم ومشاريعهم والعمل عليها لمواكبة آخر ما توصل إليه العالم من تقنيات في شتى المجالات الطبية والحياتية والعلمية والعسكرية والاقتصادية وغيرها.
في النهاية، فقد ساعد الإعلام التكنولوجيا، كما ساعدت التكنولوجيا الإعلام في مواجهة هذا التدفق الكبير للأخبار، وعلى إيجاد طرق جديدة للوصول إلى المتابع، ومواكبة طموحاته وتطلعاته فيما يتابعه، ومحاولة الوصول إليه في زحمة مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل نقل الأخبار السريعة التي أصبح العالم يعتمدها الآن، والتي لا يكاد الحدث أن يحدث حتى تجد الخبر في الدقيقة نفسها قد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم. والمشكلة أنها تنقل بالكثير من اللامبالاة وعدم المصداقية والتضليل لأهداف سياسية أو عقائدية أو اقتصادية أو عسكرية.
النسخة الألكترونية من العدد 357
“أون لآين -2-”