“التحشيش”..تنمُّر لا خفَّة دم!
آية منصور/
“بروباغندا ميدياويَّة” مرعبة تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، و(قايش) ذكوري حاد يلف في داخله كل من تقع عليها العين بالصدفة، إذ (تطشّ) بالتعليقات والمنشورات، كونها قد تحمل عيباً خلقياً في الوجه، أو تشوّهاً معيناً في الجسد، فتتحول المسكينة إلى حفلة من التنمر والسخرية تحت عباءة التحشيش وخفّة الدم، علماً بأن التنمّر أكاديمياً ليس (تحشيشة) واستظرافاً
وإنما هو عقد ومكبوتاتٍ نفسية لا تجد لها علاجاً غير التنفيس المؤذي، أو الاختباء خلف مسمياتٍ الكوميديا الكاذبة!
عقدة انسحاق ومازوخية
“الكارثة حينما تكون حفلات السخرية والتنمر والإساءة من جيش نسوي فيه المثقفة، وفيه المحدودة، وفيه البسيطة”..
بهذا الرأي المؤلم إنسانياً، عاتبت الطالبة في كلية الهندسة (علياء) بنات جنسها، مكملة:
“للأسف فإن من يعين الرجال ويروّج ويسند ما يتنمرون به علينا، اعتبره (نحن)، باعتبارنا الذراع والحطب، لذلك أصبحت ظاهرة استهداف النساء (تنمرياً) تندرج ضمن ثقافات الانسحاق وتغييب الحقوق الإنسانية عن هذا الكائن النسوي المستضعف، والكارثة أننا نادراً ما نجد اصواتاً يفترض أنها مثقفة ونخبوية رجالية تتصدى لتلك الظاهرة، بدلاً من المشاركة الفعالة في تعزيزها.”
غياب الأبوين كارثة
بينما ترى الباحثة (سارا البصراوي) أن “التنمر الإلكتروني أصبح مشكلة يعاني منها الكثير، وبالأخص في مجتمعاتنا التي تنظر إلى الفرد من خلال الكلام المتعارف عنه بين الجميع، لذلك بات من السهل جداً تسقيط أحدهم أو رفع آخر من خلال الإنترنت، وهنا فإن من المهم جداً الانتباه للتنمر الإلكتروني الذي يهاجم فئة المراهقين أكثر، وله ضرر على الشباب والشابات، كما أن على الأبوين -هنا تحديدا- أن ينتبهوا جيداً لأطفالهم الذين قد يكونون ضحايا لهذا التنمر، ما يؤدي إلى أذية النفس أو الانتحار، أو سوء الأداء في الدراسة أو الشارع، وغير ذلك كثير.”
عقوبة قانونية غائبة
الناشطة الاجتماعية (ريا الخفاجي) ترى أن التنمر يستحق عقوبة قانونية، لذلك عبّرت بامتعاض:
“لقد لفت انتباهي قبل فترة مشهد قاسٍ جداً بنشر صورة للفنانة (أساور عزت) في فترة المراهقة، طبعاً ذُهلت بكمية التعليقات الجارحة وكأنها قاتلة، وسؤالي هنا لكل شخص تنمر عليها من خلف الكيبورد أن يعود إلى صورته في المراهقة، أقسم أنه كان أقبح وأفظع.”
فيما يوضح المهندس (عامر زنكنة) أن التنمر لا يستثني أحداً ولا يخص النساء فقط، وإنما يحكمه (الترند)، قائلاً: “أرفض الانضمام إلى قائمة مؤيدي اتساع ظاهرة التنمر ضد النساء حصراً في مجتمعنا، ولا أرى ذلك إطلاقاً، بل في غالب الأحيان تجدين أن المرأة تقف إلى جانب المرأة، حتى عند حدوث الأخطاء أراها تدافع عنها، والغالب أنها تدافع ليس من مبدأ رد التنمر، وإنما من باب مبدأ مهاجمة المجتمع الذكوري، علماً بأن التنمر أصبح حالة عامة تستهدف الجميع.”
تاريخ بروح شريرة
“فكرة العنف الرمزي الملاصق للمرأة ليست وليدة اليوم، إذ أن الاستهداف كان تاريخياً، هي نفسها التي كانت ومازالت الحكايا تصفها بالشيطان أو الأفعى أو الروح الشريرة، الاختلاف ليس في الفكرة وإنما بالآلية الحداثوية!”
هذا ما يعتقده المدون العراقي الشاب (علي أحمد) في رده على ظاهرة الإساءة إلى النساء بالتنمر، قائلاً: “أقرّ بوجود التنمر المضاعف ضد السيدات وبكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومسؤوليته تقع على الطرفين، لأننا نرى بعض الرجال يتنمرون على النساء، وأحيانا أخرى النساء هنّ من يتنمرن على النساء بشكل أكثر ضراوة، المضاربة يحكمها موضوع الساعة المطروق في وسائل التواصل، السبب في اعتقادي لا يعود فقط لما تكتنزه عقول الرجال من عنف رمزي، لأن مظلمة النساء تاريخية، ولها جذور بالموروثات القديمة التي كانت تصفها رمزياً بالأفعى والروح الشريرة، وكلما تقدم بها الزمن تجدينهم يتمادون بالسخرية منها وتشبيهها بالشيطان، حتى مع عصور الأنظمة الحديثة التي ساوتها مع الرجل، بقيت تلك النظرة الجسدية بما تمثله من غريزة، ذلك في نظري أسوأ أنواع التنمر، أما مسلسلات الاعتداء عليها من قبل السلطة الذكورية المطلقة فهذا لا يمكن إخفاؤه بتضعيفها وتحجيمِ مكانتها الإنسانية وسط المجتمع.”