التحول الرقمي في القطاع الزراعي

480

رفاه حسن /

أصبح من المسَلَّمات اليوم أن دخول تكنولوجيا المعلومات، في أي مجال أو قطاع، يساهم بطبيعة الحال في زيادة الانتاج، وتقليل الأخطاء، وتقليل الجهد البشري. ينجم عن ذلك كله تقليل التكلفة المالية، يقابله تحسن ملحوظ في الخدمات المقدمة، فضلاً عن زيادة ملحوظة في الأرباح من خلال تحليل احتياجات السوقين الداخلية والخارجية ومتطلباتهما والعمل على توفيرها بطرق مدروسة وعملية، فيسهم في سد الحاجة الداخلية وتصدير الفائض إلى الخارج، وهذا يؤدي إلى تحسُّن كبير في الاقتصاد الوطني.
إن قطاعاً مثل القطاع الزراعي يعدّ في بعض الدول المصدر الوحيد لدعم اقتصاد تلك البلدان، وهو واحد من أكبر القطاعات في العالم والأكثر تأثيراً. فبغض النظر عن توفيره للمخزون الغذائي، فهو يوفر وظائف أو دخلاً مالياً لعدد كبير من سكان العالم، فضلاً عن دعم الاقتصاد الوطني والعالمي. لذلك من المهم جداً الاعتناء بهذا القطاع، ولاسيما بعد الأضرار التي تعرض لها جرّاء انحسار الأراضي الصالحة للزراعة، فضلاً عن تراجع أعداد الفلاحين واليد العاملة في هذا القطاع في بعض البلدان. لذلك بدأ التوجه إلى (رقمنة) القطاع الزراعي لحل كل هذه المشكلات. فعبر جمع البيانات ومعالجتها وتحليلها يمكننا أن نحدد المشكلات التي يعاني منها القطاع الزراعي في منطقة ما، من مشاكل المياه والتربة والآفات وأوقات البذار والحصاد المثلى، فضلاً عن التنبؤ بالمواسم المطرية ومتابعة الأرصاد الجوية بنحو عام. لذلك فإن أفضل خدمة يمكن أن تقدمها التكنولوجيا لهذا القطاع هي إنشاء قاعدة بيانات شاملة تضم كل المعلومات والتفاصيل التي تساعد الفلاحين وأصحاب القرار في اتخاذ قرارات سليمة ومحسوبة، وهذا سيؤدي الى تقليل الخسائر التي تحدث بسبب الظروف البيئية والجوية، إذ يمكننا تحديد طبيعة الأراضي وصلاحيتها وقابليتها للزراعة وتحديد أنواع المعادن الموجودة فيها ونسبها، وذلك بدمج الخرائط الجغرافية للدولة الواحدة داخل نظام موحد يربط المزارعين وأصحاب المصلحة بعضهم مع البعض الآخر. فضلاً عن ذلك ستضم قاعدة البيانات هذه إحصائيات آنية عن المخزون الغذائي يشمل أنواع المحاصيل، والحبوب الزراعية، والثروة الشجرية، والنسب المطلوبة لمياه الري، وأنواع التربة ودرجات الحرارة الملائمة، ولا تنطبق هذه البيانات على الثروة النباتية فقط، بل تشمل الثروة الحيوانية واحتياجاتها أيضاً.
وللحصول على هذا الكم الهائل من البيانات فنحن بحاجة إلى خبرة الفلاحين أصحاب التجربة الطويلة في هذا المجال، فضلاً عن بعض التقنيات التي وجدت لمراقبة الأراضي الزراعية وجمع البيانات وتحليلها، وفي حال حدوث أية مشاكل فإنها تعمل في اقتراح الحلول المناسبة على الفلاحين للخروج منها بأقل الخسائر. واحدة من هذه التقنيات هي المستشعرات، أو الحساسات، التي تعمل على مراقبة التربة وقياس نسبة المعادن والنيتروجين الموجودة فيها، فضلاً عن قياس حاجتها إلى المياه ومراقبة صحة النبات إجمالاً، وبذلك يستطيع المزارع مراقبة أرضه عن بُعد وقراءة التغيرات الحاصلة فيها واتخاذ القرارات بالاعتماد على هذه القراءات.
وللروبوتات دور مهم في هذا القطاع، فهي تتولى الإشراف العام على الأراضي الزراعية وتساعد في عمليات الحصاد لبعض المحاصيل ونقلها إلى عربات النقل، ما يقلل من المجهود الذي يبذله المزارعون ويسمح لهم بالتركيز على توسيع النمو الاقتصادي لأراضيهم. كما ساعدت تقنيات أخرى مثل تقنية تحديد الموقع الجغرافي GPS في تحديد الأراضي الزراعية عبر الأقمار الصناعية ومراقبتها وتحديد المساحة المخصصة للروبوتات للعمل بها، وعند تجاوز هذه الحدود يجري إيقاف هذه الروبوتات على وفق ما بُرمجت عليه. أما فيما يتعلق بالحيوانات والمواشي، فقد استُخدِمت الآلات في حلب المواشي وغيرها، واليوم توفرت تقنيات جديدة وأجهزة صغيرة يمكن تركيبها على المواشي لمراقبة حالتها الصحية ونشاطها الحيوي عن كثب. ولعل أغلبنا لاحظ هذه التقنية في التقارير التي تُعرض عن عالم الحيوان حتى في الغابات والبراري، حيث يعمد الباحثون إلى تركيب هذه الأجهزة المزودة بكاميرات لمراقبة حياة الحيوانات في البر والبحر ودراسة سلوكها وتحديد احتياجاتها، وبذلك يمكن حماية الحيوانات، ولاسيما المهددة بالانقراض.
وقد تمكنت التكنولوجيا من التوغل في هذا القطاع حتى أنها تعاملت مع جينات النباتات والحيوانات، فالتعاون الذي نشأ بين التكنولوجيا وعلم الوراثة ساعد في تحسين الصفات العامة للنباتات من خلال التركيز على العينات ذات الصفات الجيدة والمقاومة للظروف، وتنحية ما دون ذلك، ولقد ساعدت هذه العملية في انتاج أجيال جديدة تحمل صفات وراثية تجعل الطلب التجاري عليها في السوق هو الأكثر.