الحب و الزواج في مصادر التراث

720

خضير الزيدي /

تشكل هذه الكلمات الثلاث (الحب والجنس والزواج) هاجساً وجدانياً وعلمياً مع ما يحتمل منه في النصوص الدينية من تشريعات ووصايا، فكيف صاغ الإنسان المثقف نصوصه الروائية والشعرية وهو يقترب من عاصفة الحب ولذة الجنس، وكيف أشار لكل واحدة منها، ولماذا تطرق الفقهاء كثيراً للشروط الواجبة اتجاه الزواج المنقطع أو الدائم فاختلفت المذاهب وتشددت الآراء، وما قيمة التراث الذي تركته العرب في تأليف الروايات الشفاهية والمدونة حيال الجنس والحب وطرق الجماع،كل هذه الأسئلة تثير قراءتنا وتجعلنا نبحث في ثنايا ومصادر المكتبات لنجد ما يوضحه لنا الموضوع من تنوع وغزارة في التأليف

قبس الشعر والتراث العربي

لا يمكن أن ندخل لمفاصل الحب عند الرجل العربي وعاطفته الجياشة من دون الإشارة إلى شعراء ما قبل الإسلام وما بعده، فقد كان للنص الشعري فيض من الهواجس الملتهبة في الوصف والإثارة والإيحاء وأحيانا وصل الأمر إلى التصريح الفاحش مثلما حفظنا لامرئ القيس في معلقته ما أتى في هذين البيتين:

ومثلك حبلى قد طرقتُ ومُرضعٍ فألهيتُها عن ذي تمائم محول

إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شِقها لم يحوّل

وطبعا الأمر لم يتوقف عند هذا الشاعر، فقد لحق به شعراء عرفوا بهذا الضرب من الفن الشعري أمثال أبو نؤاس والأعشى وجرير وآخرين مع أننا لا نعدم تلك اللغة الشعرية العذبة التي تحتمل الوصف الجميل في مدرسة الحب العذري الذي تبناها جميل بثينة وقيس بن الملوح فقد كانت تعبيراً وجدانياً صادقاً ومخلصاً، وأصبحت فيما بعد مضرب أمثال إنسانية عالقة في الذاكرة، ولكن خزائن التراث العربي لا تتوقف عند كتابة القصيدة لوحدها فهناك الذي تثيره فينا وهو ألذ من الشعر حينما نجد مؤلفات عربية لم تزل تتداول بين أيدي القراء للاستمتاع بما ورد فيها من حكايات وقصص كالتي جاءت في كتاب رجوع الشيخ إلى صباه لابن كمال باشا، وكتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للنفزاوي الذي يبحث في مدار العلاقات الجنسية وطرق الأوضاع ومصطلحاتها وينوه لمشاكل تحدث عند الرجل والمرأة كالعجز الجنسي والإجهاض، وكتاب نزهة الألباب للتيفاشي الذي قضى شطراً من حياته قاضيا في مصر وتونس، ونستدل بعمق أكثر من خلال اطلاعنا على كتاب تحفة العروس للتيجاني، أما في الحب فخير كتاب نستدل به ونحن نلج هذا الموضوع ما ألفه ابن حزم وأقصد كتاب طوق الحمامة والكتاب الأكثر شهرة منه على مدار ما تم توظيفه يكمن في مضامين ألف ليلة وليلة ورسالة القيان للجاحظ وكلها احتوت على إعطاء غريزة الحب أهمية تذكر، ولكن الأهم بين كل ذلك أننا وجدنا من العرب من درس الحب بشكل ملفت وتصور غريب يبدي لنا هذا الهاجس وفقاً لحقائق النفس ونقاء الروح الإنسانية ونكتشف ذلك بما عمل عليه الرازي في كتابه الحاوي وابن سينا في الحكم المشرقية

نكهة الكتابة المعاصرة

إذا كان التراث العربي مليئا بمصادر تبحث في الحب والجنس وتحمل مدونات التاريخ مئات النصوص الشعرية في ذلك، فلا ريب أن نجد في النص الروائي والقصة والشعر اليوم ما يدعونا للتذكير به في هذه الورقة فليس ببعيد عن مخيلتنا تلك النصوص الروائية التي أثارها نجيب محفوظ في (اللص والكلاب.. وبداية ونهاية وروايته زقاق المدق) فقد حملت لنا في طرائق سردها الواقعي إثارة صريحة جعلت المخرجين في ستينات القرن المنصرم وما بعده يحولونها إلى أفلام، وجميعنا يتذكر نص يحيى حقي (خليها على الله) وعبد الرحمن الشرقاوي في (الأرض) ولطالما بقيت في ذاكرة العراقيين الرواية الأكثر تعريفاً بهذا النمط وهي النخلة والجيران لغائب طعمة فرمان حينما نذهب لهذا التوصيف، ولكن الجرأة بدت أوسع في طبيعة الكتابة المدهشة في التحرر من تبعيات الرقيب وصيغة التحول البنائي والأسلوبي الذي تبناه الروائيون الجزائريون والمغربة أمثال (محمد رشدي في يومياته الخبز الحافي ورشيد بوجدرة والطاهر وطار والطاهر بن جلون وخاصة في روايته حرودة التي يستهلها بهذا المقطع (كانت رؤية فرج امرأة هوس طفولتنا) ويبدو أن النص الروائي العربي حمل من تداعيات الجنس والحب أكثر من الشعر لأن الحكاية وطريقة السرد تحتمل التوصيف في إثارة شيقة كما في نصوص حنان الشيخ (مسك الغزال ) وغالب هلسا في (السؤال) وعلاء الأسواني في (عمارة يعقوبيان) التي تعرفنا عليها بدقة من خلال فيلم عادل إمام، أما رواية حيدر حيدر (وليمة أعشاب البحر) فلها الصدى الواسع والمؤثر في هذا السياق

مفهوم الزواج ونظرة النص الديني

كل الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) ينظرون للزواج كرابط مقدس يسعى لانتظام الأسرة والمجتمع، وقد شدد الإسلام على مسائل الزنا والطلاق والإجهاض المتعمد وموانع الحمل كي يتم الحفاظ على روابط البيت الأسري وتعزز القيم الإنسانية الداعية لاحترام النفس، ومن هذا المنطلق بدت الآية القرآنية صريحة (وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وبينت أغلب النصوص الدينية على حقوق الزوجين سواء في الميراث أو حقها الشرعي ضمن حدود البيت، ولابد لنا أن نعرج لموضوعة زواج المتعة وشروطه والمدة الواجبة فيما يتفق بين الاثنين فقد نصت الآية القرآنية بشكل واضح وصريح على ذلك (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة أن الله كان عليما حكيما) ومثلما معروف اختلفت المذاهب الإسلامية في هذا النص وعملت الأمامية في زواج المتعة ولا يقتصر الأمر عند هذا الزواج فهناك حسب ما معمول فيه في الدول العربة زواج المسيار وزواج الهبة. أن تهب المرأة لرجل وزواج السياحة وهو سري لا يدون في السجلات المدنية والزواج العرفي الذي انتشر في مصر بين الطلاب، هذه التوصيفات جعلت للزواج ركائز مهمة وروابط تذكر ولكن يبقى الدافع الحقيقي لها الحب والحاجة الجنسية، وسيكون لامرئ القيس النصيب الأكبر من التذكير حينما تنصرف عشيقته إلى تقسيم جسدها، نهدها لابنها في رضاعته وما تحته لشاعرنا الجاهلي.