الحجر الصحي بين روما وبيروت وبغداد

687

#خليك_بالبيت

باسم عبد الحميد حمودي /

مثلما يكون المرض تكون الوقاية وعزل المرء لنفسه عن عوارض ومنغصات ذلك المرض، ومن طرق وقاية الناس من تفشي المرض وانتشاره استخدام الحجر الصحي كسلاح وقائي لتطويق المرض وعزله عن الأصحّاء .
من ذلك نشأ مفهوم (العزل) الذي أطلق على مكانه اسم (الكرنتينةQuarantina.).
أول حجز رسمي عالميا
أول عملية حجز رسمي عالميا نفّذتها كرواتيا عام 1377م بحق مدينة (دوبرو فنيك) التي وقع فيها مرض الطاعون الأصفر، فأضطرت سلطات كرواتيا إلى عزل المدينة عن بقية البلاد.
ثم تبعتها مدينة البندقية بعد ذلك عام 1476، إذ منعت السفن القادمة إليها من الرسو للاشتباه بوجود مرض وبيل فيها.
الحجر بين باريس وروما والاسكندرية
تعني كلمة كرنتينة بالفرنسية (المحجر الصحي) وتعني باللغة الايطالية (الأيام الأربعين) وكان ذلك معناها الذي أبعدنا الله عنه، إذ تقوم السلطات الصحية في العراق اليوم وهي تقاوم داء كورونا وتطوّقه بعزل المشتبه به مدة لا تتجاوز الأسبوعين.
وقد تأسَّست في مدينة الاسكندرية دار العزل الصحي المسمّاة “الكرنتينة” عام 1831م، في وقت تأسّست فيه دار المحجر الصحي في مدينة مرسيليا الفرنسية عام 1826م.
عراك بشأن المحجر في تونس
يقول الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه (تلخيص باريز) وهو يروي مذكراته عن حياته في فرنسا إنه رحل اليها عن طريق الكرنتينة التي أنشأها الفرنسيون في تونس، حيث تمّ حجزه هناك قبيل السفر إلى فرنسا، وهو يقول إن الشيخ محمد المناع التونسي قد أصدر كتابا في تحريم إنشاء الكرنتينة في تونس لكن مفتي تونس سارع بوضع رسالة تفيد بضرورة وجود هذه الدار في تونس التي كانت تحت السيطرة الفرنسية آنذاك، لتيسير حماية أرواح الناس وحفظهم.
الجيش الفرنسي على حدود إسبانيا
في منتصف القرن التاسع عشر أرسلت وزارة الدفاع الفرنسية ثلاثة ألوية عسكرية إلى الحدود مع إسبانيا لمنع الوافدين منها من دخول أراضيها لوجود مرض الوباء الأصفر عند الحدود والقرى الجبلية المجاورة.
الكرنتينة.. في بلاد وبلاد
تأسّست الكرنتينة في البصرة في العقد الأول من القرن العشرين، حيث ذكر موقعها تقرير الكولونيل الفرد ماليسون الموجّه لوزارة المستعمرات البريطانية، وكان ذلك عام 1907، بينما تذكر الدراسات أن (الكرنتينة) وجدت في مدينة بيت لحم عام 1905 وفي مدينة الخليل، وذكر تقرير لرئيس بلدية الخليل آنذاك أن من الضروري تأسيس شبكة للصرف الصحي لذلك الموقع في بيت لحم.
ومدينة (جدة) لا تزال تحتفظ بمنشآت الكرنتينة في موقعها الذي كان خارج المدينة سابقا، بينما عرفت (عدن) تأسيسا للكرنتينة في حي كريتر عند وجود الاحتلال البريطاني.
الكرنتينة البغدادية وإبراهيم عرب !
منطقة الكرنتينة البغدادية تقع خارج الباب المعظم مجاورة للمدرسة الغربية ومقابل بناية كلية التمريض، وقد تأسّست عدة منشآت إلى جوارها سابقا ومنها موسيقى الجيش والطبابة العسكرية، وتقع إلى جانبها جمعية المحاربين القدماء.
وقريبا من الكرنتينة كان يقع مقهى (ابراهيم عرب) الشهير بحسن استقباله لزائريه وبأحاديثه الشّيقة ومساعدته لطلبة الكليات المجاورة للمقهى.
مستشفى العزل .. هندي وممرضتان روسيتان
يذكر مؤرخو بغداد أنّ بدء تأسيس العزل الصحي كانت عبارة عن خيام ضربت خارج الباب المعظم خلف ثكنة الخيالة في الكرنتينة سنة 1918، وكان مدير المستشفى طبيبا عسكريا بريطانيا يعاونه موظف صحّي من الهند وممرضتان روسيتان، وكان المقر موحشا وفي مكان منخفض وعندما فكرت سلطات الاحتلال ببناء مكان ثابت ادّعت إدارة السكك الحديد حاجتها للأرض فانصرف الجهد الصحي إلى إنشاء مستشفى العزل خلف مقبرة الشيخ معروف بالكرخ، حيث اكتمل البناء خلال السنة .
مستشفى العزل القديم تحوّل اليوم إلى أبنية حديثة في نفس الموقع وانتقلت عملية الحجز إلى موقع آخر، وصار المكان مركزا لمستشفى الكرامة.
وأذا كان مستشفى الفرات اليوم ببغداد مقرّا لحفظ المشتبه بهم والمخالطين لمرضى الكورونا فإنّنا نشد على أيدي العاملين من أطباء وكادر صحي، متمنين للمرضى الشفاء السريع من هذا المرض الغريب عن حياتنا.. والله هو الشافي وهو الحافظ

النسخة الألكترونية من العدد  356 

“أون لآين -1-”