الذكاء.. في بلاد الرافدين

1٬897

أكرم جواد/

يمتاز العراقيون بمستوى عالٍ من الذكاء على مستوى الوطن العربي او العالم أجمع، وبرغم كل أنواع التخلف والفساد والجهل، لكن الجينات الوراثية والإرث الاجتماعي المنقول عبر الأجيال المتتالية يبقى يغذّي العراقيين بعجينة الذكاء الفطري والقدرة العالية على التفكير والتفسير، وذلك لقدم الفكر الإنساني في العراق القديم وكثرة المستوطنات البشرية الموغلة في القدم التاريخي لبلاد ما بين النهرين.

والعراقي، ما إن توفرت له الظروف الموضوعية المساعدة للتطوير، نجده يُبلي بلاءً حسناً في الفروع العلمية والتخصصات الصعبة، وذلك لأن العراقي وعقله لم يأتيا من فراغ بل تدفعه الحضارات المتعاقبة في هذه الأرض المباركة لبلوغ المستويات العلمية الراقية في العالم، لكن ظروف بلده العراق القلقة وغير المستقرة تضع ستاراً كثيفاً على القدرات والخبرات والثروة العقلية البشرية العراقية فلا نشعر بها. إن نسبة الذكاء العراقي هي الأولى في الوطن العربي وفي مواقع متقدمة في العالم أجمع. وما نلاحظه هو أن العراقي عندما يترك العراق تتوفر له الظروف والإمكانيات المساعدة فيبدع في عمله واختصاصه، ونجد في قنوات الإنترنت الكثير من العراقيين الحاصلين على أعلى الشهادات العلمية في أوروبا وأميركا الى درجة أن طالباً عراقياً هاجر الى السويد، كما أظن، استطاع أن يحل معادلة رياضية عجز عن فكِّها علماء العالم لمدة ثلاثمئة عام، وهذا يعني حتى أنشتاين لم يستطع حلّها وهذا الشاب في الدراسة الإعدادية فعل ذلك.

هذا هو العراقي عندما يبدع ويسمح له بالتفكير السليم، وجيناته العراقية داخل نفسه حاضرة للإبداع ومواجهة صعوبات حركة الوجود والكون والعلوم الحديثة، ولاشك أن منجزات حضارات العراق المختلفة من سومرية وأكدية وبابلية وآشورية وما قبل الإسلام والمنجزات الحضارية العربية الإسلامية تكون حاضرة في ذهنه وتفكيره العلمي الخصب الذي رضع من أرض الهلال الخصيب وأرض السواد. العقلية العراقية نتاج منجزات حضارية عظيمة أخذت منها أمم الارض الشيء الكثير، فهي لا تأتي صدفة بل هي آتية من أولئك الذين سكنوا العراق واخترعوا الكتابة في سومر وكانوا الأوائل في نشر العدل (مسلّة حمورابي) وبحثوا في كيفية الخلود (ملحمة كلكامش) وصعدوا الى السماء السابعة (صعود الملك إيتانا الى السماء) والذين أسّسوا قنوات الري للسيطرة على فيضانات الأنهر ونقشوا على الثيران المجنحة وذكرى ملحمة عاشوراء التي صنع فيها الإمام الحسين الخلود والصوت المدوي للحكام (لا للظلم … نعم لحرية الانسان) وغير ذلك الكثير من المآثر التي يعتز بها العراقيون كغيرتهم على أرضهم وعرضهم والتي جعلت نساء دول الخليج العربي يرغبن في الزواج بالعراقيين!!
ذكاء الأكديين في التجارة :

أسس سرجون الأكدي أول إمبراطورية واسعة وعظيمة في التاريخ البشري ولدت في بلاد الرافدين وتجاوزت حدوده الى الجيران وذلك في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد.

لقد اشتهر الأكديون بذكائهم في حركة التجارة بين بلادهم والدول المحيطة بهم وبالأخص بلاد الأناضول (تركيا). ترى ما سر ذكائهم في حقيقة الأمر؟؟

من المعروف أن الحمير كانت هي الحيوانات المنتشرة في أرض العراق القديم وفيها الحمار الأهلي الذي يستخدمه عامة الناس في بلاد سومر وأكد، والحمار البري وهو الأقوى والأفضل وهذا يستخدم في المعارك وفي البلاط الملكي حيث لم يعرف العراقيون ولم يستخدموا الخيل في الفترات السومرية والأكدية بل وحتى في العهد البابلي القديم أي فترة الملك العظيم حمورابي حيث لم يكن الحصان معروفاً أو مستخدماً في العراق القديم بل جاء به لاحقاً الكاشيون الذين حكموا في بابل ثم في عكركوف.

في تركيا الجبلية توجد الخيل بكثرة، ولكن لصعوبة حركة النشاط البشري في تركيا بسبب كونها بلاداً جبلية واسعة كانت الحاجة ماسة جدا الى استخدام البغال. وكما نعرف فإن البغال تأتي فقط من تزاوج الحمير والخيل فكان من الضروري لسكان الجبال أن يشتروا الحمير بأي ثمن كان لكي يتم التزاوج مع الخيل لاستيلاد البغال فيستخدمونها في صعود الجبال. ولما كانت الحمير وفيرة في العراق القديم فقد حرص الأكديون على تهيئة القوافل التجارية بأعداد وفيرة من الحمير المحملة بأنواع البضائع التي تشتهر بها بلاد الرافدين فيبيعون بضاعتهم في تركيا بأغلى الأسعار. واضافة لهذا الربح الكبير فإنهم كانوا يبيعون الحمير أيضاً بأسعار باهظة نتيجة الطلب الكبير عليها للحصول على البغال ويبقون على عدد قليل منها لكي تحمل البضائع التركية والرجوع بها الى بلاد الرافدين وبيعها أيضاً بأغلى الأسعار ولذلك كانت تجارتهم مربحة جداً واستطاعوا بذكائهم الحصول على الأرباح الكبيرة وزيادة حجم القوافل التجارية آنذاك.