الزهايمر.. عجز عنه الطب وعالجته السينما
رنيم العامري/
في فيلم (Still Alice) الذي تقوم ببطولته الصهباء الرائعة جوليان مور، وتلعب فيه دور دكتورة ناجحة في علم اللغة وأم وزوجة ممتازة، حتى اليوم الذي تبدأ فيه بنسيان تفاصيل صغيرة، مثل طريقة تحضير الحلوى المفضلة لابنتها، والتي منذ سنوات دأبت على تحضيرها في العشاء، أو أن تنسى طريق العودة إلى البيت من العمل وهو ذات الطريق الذي تمر به كل يوم أو أنها تجد أشياء في غير محلها كعلبة شامبو في الثلاجة، أو تنسى مكان الحمّام فتتبول على نفسها، لتكتشف أنها مصابة بالزهايمر رغم أنها لم تتعدّ الخمسين من العمر.
زهايمر عادل إمام
لقد تناولت السينما في العديد من المرّات هذا المرض، فمرة كان الطرح طرحاً كوميدياً كفيلم (زهايمر) للفنان عادل إمام الذي يحاول أبناؤه فيه خداعه للتنازل عن أملاكه، ومرة كان رومانسياً كفيلم (Note Book) الذي يحكي قصة سيدة تصاب بالزهايمر فيقوم زوجها بقراءة ذكريات حياتهما معاً المكتوبة في دفتر أحمر، في محاولة منه لإعانتها على استعادة نفسها.
من أفضل الأمثلة التي تساعدنا في التعرف على عمق الضرر والمعاناة اللتين تلحقان بمصابي الزهايمر، من خلال متابعة سلسلة اللوحات الذاتية التي قدمها الرسام الأميركي وليام أترمولن الذي تم تشخيص إصابته بالمرض سنة 1995، فقرر الاستفادة من بقايا موهبته وذاكرته وقام برسم نفسه لمدة خمس سنوات حتى وصل للحد الذي قضى فيه المرض على موهبته تماماً. ولم يسلم البيت الأبيض من هذه الآفة، فقد أصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان بالمرض نفسه، وتم تشخيص إصابته سنة 1994، ولكن باحثين ومراقبين أشاروا إلى أنّ خطاباته كانت تحمل علامات مبكرة لتدهور صحته العقلية خلال فترة توليه المنصب.
فقدان الذاكرة قصير الأمد
في تعريف بسيط له، فالزهايمر مرض تنكّسي يصيب المخ، وتشمل أعراضه الأكثر شيوعاً صعوبة في تذكر الأحداث الأخيرة (فقدان الذاكرة قصير الأمد)، ومع تقدم المرض، فقد تتضمن الأعراض مشاكل في اللغة، تقلُّب المزاج، فقدان القدرة على رعاية الذات، مشاكل سلوكية، والجنون المؤقت، فينسحب المريض من الأسرة والمجتمع، ثم تُفقد وظائف الجسم، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الموت. وتعود تسمية المرض إلى الألماني ألويسيوس ألْزهايمر الذي وصف المرض وشخَّصه. وتعد الولايات المتحدة من أكثر الدول إصابة بالمرض حيث يصل عدد المرضى إلى 14 مليون شخص. وتعزو بعض الدراسات ذلك إلى العادات الغذائية السيئة التي تغزو المجتمع الأميركي بسبب من انتشار ثقافة الوجبات السريعة التي يشير إليها مصطلح (Junk Food) والمترجم حرفياً إلى الرمم أو النفايات، وتعرّف في القاموس الحديث على أنها(وجبات طعام رخيصة الثمن مليئة بالسعرات الحرارية كالسكريات والدهون، خالية من القيمة الغذائية وتوصف كـ(حشو معدة). ولا يوجد عامل محدد للإصابة بالمرض إنّما تشترك عدة عوامل في التأثير مثل: الشيخوخة، الجندر، الوراثة، البيئة، النظام الغذائي.
الموت الرحيم
في أوائل ستينات القرن الماضي أباح القانون السويسري ما يدعى بـ(الموت الرحيم)، تناهى الآن إلي أن في طفولتي ثمة قريباً لي حاول الانتحار بسكب النفط على نفسه وإشعال النار في لحظة يأس بعد يقينه التام أن قادم أيامه ليس إلا أسوأ من حاضرها في محاولة للخلاص، ولأن مرجعي المفضل سينمائيٌّ دائماً، فقد تذكرتُ الآن نهاية فيلم (Amour) الذي يتناول الأمر بشكل مشابه بعض الشيء.
في رسالة كتبتها سيدة أصيب زوجها بالزهايمر، ترجمتُ للعربية جزءاً منها: ” قبل 8 سنوات بدأت بملاحظة تغييرات طفيفة عليه اعتقدت أنها لا تعني شيئاً، ولكني تيّقنت أن خطباً قد حدث عندما بدأ يتساءل عن “مكان مفاتيح السيارة؟” أو” أي يوم هذا؟”، ثم تغيّر مزاجه حتى أنه لم يعد يرغب بالقيام بالحلاقة أو الاستحمام. ثم أصبحت سياقته للسيارة جنونية، لم يكن يعي أنه كان يقود عكس اتجاه السير، ولم يكن يقفل أو يطفئ السيارة عندما يتركها، ثم لم يعد يعرف كيف يشغلها. خسر الكثير من وزنه، وفقد شهيته للطعام ماعدا الآيس كريم والحلويات. ثم أقنعته يوماً بالذهاب معاً لمراجعة الطبيب لنعرف سبب خسارة وزنه، وشككت أن الأمر ربما يعود للسكريّ، ولكن الطبيب بعد الفحوصات أجابنا: إنه الزهايمر!. مرت الأيام والأسابيع بدت عليه تغيرات ملحوظة تدمي القلب. في لحظات صفائه القليلة كان يشرح الأمر قائلاً “إنّ عقله يتلاعب به.” كان الوهم البصري جزءاً من مرضه، كان يتراءى إليه وجود يرقات أو دود على السجادة. لم يعرف كيف يرتدي ملابسه. كان كثيراً ما يشتم ويسبّ بلا سبب، أسمعها وأعرف أنّ المرض وليس زوجي من كان يتحدث هكذا. وكم صلّيت كي أتمكن من الصبر على هذا الحال، واستعادة زوجي ولو للحظات.”
العلاج بالموسيقى
لا بدّ أن البعض قد سمع بقصة الزوج المسنّ الذي يهتم بزوجته المصابة بالمرض لدرجة عجزها عن القيام بأبسط الفعاليات اليومية البشرية، فكان دائب الاهتمام براحتها، سأله البعض لمَ تتعب نفسك إلى هذا الحد في رعايتها فيما هي لن تتذكر حتى من تكون أنت؟ أجابهم : حتى لو كان هذا صحيحاً ولم تتذكر من أكون، فأنا أعرف تماماً من تكون هي. إذن تبقى الرعاية الصحية والصبر والاهتمام من قبل المقرّبين هي المقاربة الوحيدة للعناية بمريض الزهايمر، الذي أحياناً يستعيد أجزاء من ذاكرته أو أنه يفقدها تماماً. في الوثائقي (Alive Inside) يحاول الطبيب مساعدة مرضاه من خلال علاجهم بالموسيقى كبديل للعلاج بالأدوية الكيميائية التي تبقيهم (كالنباتات) كما ينعتهم. يبحث هذا الطبيب بذكاء وبراعة عن قائمة الأغاني التي من الممكن للنزيل المريض أن يكون قد سمعها خلال حياته، من خلال الرجوع إلى معلومات ثابتة عن المريض كعمره وسكنه وعمله، فيضع بطريقة الاستنتاج والتخمين قائمة أغانٍ في جهاز الآيبود ويضع سماعتين على أذني المريض، الذي بقي لسنوات شارداً في فضاء الغرفة محدقاً في السقف حبيس السرير صامتاً، ثم فجأة يتمايل على أنغام الأغنية أو أنه قد يشارك بالغناء، ويتفاعل ولو لفترة قصيرة مع محيطه ليجيب عن أسئلة تخصّ اسمه ومكانه.