السعلوّة و(أبو طبر) للسيطرة على الأطفال المشاكسين!

1٬183

آية منصور/

“إجاك الواوي”’ “السعلوّة تجيك اذا متنام” “اكعد عاقل لو أجيبلك الجني!” ومفردات مرعبة غيرها، كانت تتردد على مسامعنا بين اللحظة والأخرى من آبائنا ونحن صغار، بعضنا يأخذ هذه الحكايات على محمل الجد حتى صارت لصيقة به مثل ظلِّه أينما حل وربما بدأ بتوريثها لأبنائه، والحكايات مستمرة.

السعلوّة الخالدة!

سناء الغفار، (38 عاماً)، تقيم في السويد وأم لثلاثة اطفال، تخبرني عن استغرابهم الكبير –وسخريتهم- كلما حاولت إخافتهم بأية قصة كانت ترعبها يوماً، فالمفعول العراقي الشعبي، قد لا يعمل معهم في البلاد القارسة!

-لا اتذكر يوماً أخبرتني والدتي عن السعلوة إلا وقمت بالبكاء مباشرة والسكوت والكف عن الشقاوة، خصوصاً حينما تكون الأجواء مظلمة ولا كهرباء في المنزل، أتخيل السعلوّة كثيرا، وأسكت ثم أنام.

وتضيف أن صغارها لم يروا العراق، لكنها تسترجع لهم جميع التفاصيل الخاصة ببلدهم، ومن ضمنها هذه الموروثات الشعبية المتعلقة بالصغار وحتى للمزاح معهم احيانا.

-لم يستجيبوا، مرة أخبرت ابنتي أن جنّياً يختبئ تحت السرير وسيخرج لها ما لم ترتب سريرها، ابتسمت بوجهي بطريقة مستفزة وقالت: ليرتب ذلك الجنّي سريري لطالما هو تحته!

أبو طبر يسرق الدجاج!

أجزم أننا جميعاً نتشارك برعب خاص حين نسمع هذا الاسم (أبو طبر) ونبدأ فوراً بتخيل رجل ضخم الجثة يتجول في الليل مع فأسه ليقضي على الأطفال المشاكسين، هكذا أخبرونا، وهكذا رسموا في أذهاننا، حتى صرنا نخشى صعود سطح المنزل ليلاً لوحدنا، كما يؤكد سليم السيد (44 عاماً) وهو الذي –حسب قوله- بلغ العمرين!

-مازلت وكلما اضطررت صعود سطح المنزل، أتذكر أحاديث أمي حول أبو طبر، في فترة السبعينات، كانت قصته هي الأشهر على الإطلاق، وكنا نرتجف اذا ما فعلنا شيئاً وهددونا به.

ويذكر أن العوائل العراقية كانت تنام على السطح في فصل الصيف وتأخذ الأمهات صحوناً بقطع الرقي والبطيخ مع الماء الذي يصبح بارداً، و ما أن يمدّ الصغار أيديهم، حتى تأتي المفاجآت!

-كنا نائمين، واستيقظ الحي بأكمله على صوت قوي للغاية، يصيح عالياً: أبو طبر، أبو طبر، الحكوا يا ناس أبو طبر، وتبدأ العوائل بالنزول جميعاً دون هوادة، لنعلم في اليوم التالي، أنه مجرد لص أراد سرقة دجاجة وهرب من سطح آخر!

ويؤكد أن أبو طبر استمر رعباً لجميع العراقيين، حتى توارثتها باللاوعي أجيالهم اللاحقة.

-صرت وكلما حاولت إسكات صغار هدتتهم بأبو طبر الذي يختبئ فوق السطح، وبدون وعي استعيد تهديد والديّ لي في طفولتي.

سارق العيون

كانت والدة هدى الجبوري، تتوعدها بمناداة (أبو اربع عيون) ليأتي ويأخذ احد عينيها في حال استمرارها بالكتابة على جدران المنزل. ومهمة (أبو أربع عيون) تفتيش الأحياء السكنية بحثاً عن الأطفال الذين يتعبون أمهاتهم. وكانت هدى تتظاهر بالقوة أمام والدتها لكنها كانت ترتجف خوفاً وهي في سريرها وتقول:

– كنت أضع قطعة قماش على عيني قبل نومي، خوفاً من (أبو أربع عيون) الذي قد يأتي ويسرق عيناً مني ويذهب بعيدا، ولم يأت حتى اللحظة.

وتكمل حديثها ضاحكة:

– كل الخوف الذي عرفته في صغري، حرصت على ابعاده عن صغيري مهما كلف الأمر، ومهما فعل بجدران المنزل، هذا التهديد يزرع الخوف والرعب لدى الأطفال ويستمر معهم حتى النضج، ولا أبالغ إن قلت بأنني ما أزال اخشى ( أبو أربع عيون)!

دعوه يعيش طفولته

تؤكد الاستشارية في علم نفس الطفل، مها السيد، ان هذه الخرافات تبلغ درجة عالية من الخطورة تؤثر في نفسية الطفل ودواخله، وتبدأ تدريجيا بخلق شخص آخر منه، شخص اقل ثقة وممتلئ خوفا من الآخرين، وتقول:

-سيبقى الطفل قلقاً بشأن الشخصيات الخرافية التي قد تتابعه وتتربص به وبكل حركة يقوم بها، ويبدأ بدون انتباه منه، بتضييق الخناق على غرائزه الطبيعية في سن الطفولة من حب اللعب او المشاكسات ويبدأ بالميل الى الانعزال.

وتضيف السيد أن للآباء القدرة على استخدام طرق تربوية اكثر نفعاً من التخويف، واعتماد مبدأ الثواب قبل العقاب، لجعل الطفل يغير نشاطه الى الأفضل، وتشرح:

-علينا ان نعدهم بجلب الحلوى اللذيذة -على سبيل المثال- اذا ما تركوا افعالهم المشاكسة بديلاً عن تهديدهم بشخصيات نحن الكبار ما زلنا نخشاها بعد ان زرعتها التهديدات عميقاً في اللاوعي.