السيدة خديجة بنت الإمام علي(ع)… شهيدةُ السبي وسيدةُ الأحزان

3٬479

عامر جليل إبراهيم – تصوير: حسين طالب /

خديجة بنت الإمام علي بن أبي طالب (ع)،
صفحة ناصعة أخرى من صفحات العائلة العلوية بتاريخها المشرِّف. هذه المظلومة، رغم صغر سنها، قد خبرت كل ما جرى لأخيها الحسين (ع) من حصار وعطش وتنكيل، فاستشهدت سريعاً في الكوفة أثناء سير موكب السبايا من كربلاء إلى الكوفة، وذلك بسبب الجراح التي أصابتها من شدة العطش والصدمات من هول ما نزل بها، وسائر الفاطميات، عند هجوم العتاة على خيامهن وحرقها، وسلبهن، وحملهن على الأقتاب بغير غطاء وسوقهن إلى الشام.
يقع مزار العلوية خديجة في الكوفة إلى جوار المسجد قرب باب الثعبان، أحد أبواب المسجد من جهة الجانب الشمالي.
“مجلة الشبكة العراقية” زارت هذا المزار والمرقد الشريف، حيث التقت الشيخ (علي الجرّاح) الأمين الخاص للمزار ليحدثنا عن شهيدة الطف ومرقدها.
رفيقة الإمام
يقول الشيخ الجراح: السيدة خديجة بنت الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وبحسب ما نص عليه المؤرخون أن هذه السيدة، ذات العمر المبكر، رافقت الإمام الحسين (ع) من المدينة إلى كربلاء، حيث عانت هناك وقائع الحصار على المعسكر الحسيني ومنع الماء عنهم، ولداها هما شهيدا العطش (سعيد وعقيل).
عاشت وقائع عاشوراء بكل فجائعها، فقد استشهد زوجها وإخوتها وسيدهم الإمام الحسين (ع)، ثم واجهت الهجوم على المعسكر من ضرب وحرق للخيام، بعدها عانت يوم عاشوراء ولوعة ليلة الحادي عشر وآلامها، كل هذه الفجائع تركت جراحات شديدة على روح هذه السيدة الطاهرة، ولعل أعمق تلك الجراحات المرور على مصارع الشهداء في تلك الحالة المفجعة، فالصعاب التي تحملتها هذه العلوية هي جراحات وصعاب شديدة لا تحتمل، أدت إلى شهادتها، ولعلها كانت الشهيدة الأولى على الأقل، حسبما ثبته وسجله المؤرخون، إذ كانت أولى شهداء السبي بعد الخروج من كربلاء إلى الكوفة، إذ أن الكوفة كانت المنزل الأول، أو الثاني، إذا افترضنا أنه كان بين كربلاء والكوفة منزلان، وقد ذكر بعض العلماء أن عمر بن سعد أمر بالإسراع بشدة في طي الطريق من كربلاء إلى الكوفة، وهذا الإسراع وسوق السبايا على جمال أو نياق بدون غطاء وعلى أقتاب خشبية مؤذية، آذى هذه السيدة، فاستشهدت في الكوفة، علماً بأن الركب الحسيني لم يبق في الكوفة إلا يوماً أو يومين على أقل تقدير، وهذا هو الوارد في روايات المؤرخين.
ولادتها ووفاتها
يؤكد الشيخ الجراح: أن السيدة خديجة بنت الإمام علي (ع) ولدت أثناء خلافة أبيها أمير المؤمنين عليه السلام في سنة 39هـ، وتوفيت سنة 61هـ, تزوجت من عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (ع), الذي استشهد في معركة الطف الخالدة، وأنجبت له سعيداً وعقيلاً اللذين استشهدا أيضاً في معركة الطف من شدة العطش، ومن هنا فإن ولادة عبد الرحمن بن عقيل لابد أن تكون في بداية العقد الثالث الهجري.
والعلوية الطاهرة هي زوجة شهيد وأم لشهيدين صغيرين توفيا من شدة العطش، وهي أرملة ثكلت بولديها الصغيرين بعد استشهاد زوجها وإخوتها ومصابها الأعظم بأخيها وإمام زمانها الحسين (عليه السلام).ٍ
مراحل العمارة
يضيف الشيخ الجراح: أعادت الأمانة العامة للمزارات الشيعية بناء مرقد السيدة خديجة بنت الإمام علي، الذي شُمل بحملة حشد إعمار المزارات التي يقودها سماحة الشيخ خليفة الجوهر (دامت توفيقاته)، نائب الأمين العام للمزارات الشيعية، وذلك بهد ثم بناء مرقد السيدة العلوية، والمشروع يطغى عليه الطابع الإسلامي لمدينة النجف الأشرف ومدينة الكوفة العلوية المقدسة.
مراحل بناء
كان المرقد، فيما مضى، عبارة عن قبر صغير ذي قبة صغيرة وسط مزارع مواجهة لمسجد الكوفة من جهة باب الثعبان على مسافة خمسين متراً من القبر الشريف إلى جدار المسجد.
في عام 1894م قام أحد المتبرعين من أتباع أمير المؤمنين (ع) ببناء قبة على القبر لها ثمانية أركان، ثم وضع عليه شباكاً خشبياً قام بنصبه آنذاك القائم على القبر المرحوم (محسن يعقوب الكوفي).
في سنة 1417هـ جرت على المرقد تعميرات عديدة، فقد جاء في الكتيبة الموضوعة على مدخل باب المرقد العبارة التالية : “قام المتبرع (الحاج محمود فليح) وأولاده بإعادة بنائه سنة 1417هـ 1996م, وبقي منذ ذلك التاريخ لحين انضمامه إلى الأمانة العامة للمزارات في سنة 2008م، وفي عام 2017م وحتى 2018 بدأت حملة الإعمار بوضع حجر الأساس من قبل سماحة الشيخ خليفة الجوهر، نائب الأمين العام للمزارات الشيعية، قائد حملة حشد إعمار المزارات, وفي سنة 2019م بدأ العمل بهدم البناء, والآن فإن نسب الإنجاز عالية، إذ قطعنا أشواطاً كبيرة في مشروع الإعمار، ونحن على أعتاب الانتهاء من المرحلة الثانية، وعلى وشك أن نبدأ بالمشاريع المستقبلية، ألا وهي بناء الإدارة وملحقاتها والجدار الخارجي للمزار.”
تفاصيل المزار
يشرح المهندس (حيدر شريف الخالدي)، رئيس اللجنة التنفيذية لإعمار المزار الشريف: المساحة الكلية للمشروع هي 2000 متر مربع, مساحة الحرم مع الأواوين 450م، يحتوي الحرم على اثنين من الأبواب وشبابيك عدد 4، ارتفاع الحرم لحد السقف هو 5أمتار ونصف المتر, تعلوه قبة بقطر 6م و 13سم وبارتفاع 2م ونصف المتر، نسبة الإنجاز للمشروع هي 90% وقد تم إكمال المشروع بأحدث المواد الداخلة في فن العمارة الإسلامية ووفق المخططات الهندسية المعتمدة في القسم الهندسي في الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة. يتكون المشروع من مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة بناء الهيكل، والمرحلة الثانية هي مرحلة الانهاءات، وقد اكتملت المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية على وشك الانتهاء منها، واستخدمت أجود وأفضل أنواع المرمر (الونكس) الإيراني سمك 3 و 2سم للجدران الخارجية والداخلية وانتهت عملية تغليف السقوف والجدران بـ(العين كار), أما الأعمدة فهي على وشك الإكمال بتغليفها بالمرمر (الونكس) الباكستاني, كذلك الحرم الداخلي، ما عدا الأواوين بمساحة 250م2، أما الطوارم فهي بمساحة 200م2, لا توجد منائر أو مآذن للمزار لأننا مكتفون بمآذن مسجد الكوفة, ارتفاع القبة يبلغ 2م ونصف المتر مزججة بـ(العين كار) من الداخل، وبالكاشي الكربلائي المنقوش من الخارج, وحالياً نقوم بعمل شباك جديد لمزار السيدة العلوية خديجة بنت الإمام علي (ع) في ورشة التمار في مزار ميثم التمار (رض) وهذا الشباك يتلاءم مع حداثة الإعمار للمزار الشريف. أما المشاريع المستقبلية فهي بناء الإدارة وملحقاتها بالإضافة إلى عمل سياج يحيط بالمرقد الشريف يليق بالعلوية الطاهرة بنت أمير المؤمنين (ع).ٍ
النشاطات والزيارات
يختتم الشيخ علي الجراح حديثه بالقول: تقام في المرقد الشريف نشاطات عديدة منها دورات لتعليم القرآن الكريم وتجويده، ومحفل قرآني للصغار والكبار كل يوم جمعة, ومسابقات لقراءة القرآن وحفظه, وإحياء الشعائر والمناسبات الدينية في ولادة وشهادة الأئمة (ع), والمزار له خصوصية قربه من مسجد الكوفة المعظم، إذ أن من يأتي إلى هذه البقعة الطاهرة من مسجد الكوفة والمزارات الملحقة به أو بجواره كميثم التمار (رض), فإن المزار مفتوح، والزائر الذي يقصد مسجد الكوفة المعظم، يقصد السيدة خديجة بنت الإمام علي (عليه السلام). يستوعب المزار أكثر من 500 زائر في الزيارات المليونية, ويقصده الزائرون من جميع أنحاء العراق ومن الدول الإسلامية كافة.