“الشبك”.. عراقيّون قاوموا عمليّات طمس هويّتهم القوميّة وخصوصيّتهم الدينيّة

1٬441

عامر جليل ابراهيم /

لهم عاداتهم وتقاليدهم وتراثهم ولغة خاصة بهم تميزهم والتي حافظوا عليها دون أن يفقدوا خصوصيتهم وهويتهم إلا في حدود خصوصية المجتمع العراقي.

الشبك أقوام قدموا من المشرق واستوطنوا منطقة سهل الموصل، اختلطوا وتصاهروا مع بعض العشائر العربية والكردية والتركمانية.

تمكن الشبك من امتصاص الضغط القومي وتعايشوا مع القوميات الأخرى في سلام ووئام رغم معاناتهم وتجاربهم المريرة مع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق ومحاولاتها في طمس هويتهم.

واستكمالاً لمشروع “مجلة الشبكة العراقية” بالتعريف بتنوع المجتمع العراقي كان لنا هذا الحوارمع الأستاذ (سعد سالم سلطان) التدريسي في جامعة الموصل والمستشار في تحالف الأقليات وممثل الشبك فيه الذي تحدث عن الشبك كقومية:

سيد الملوك

* ما أصل تسمية الشبك؟

– كلمة الشبك تعني (سيد الملوك) وجاءت من دمج مقطعين الأول (شاه) أي سيد والثاني (بك) أي الملك.
ويضيف ان الشبك قومية مميزة ضمن العراق والتي سكنت مدينة الموصل منذ مئات السنين، فهم يقطنون في أكثر من 70 قرية منتشرة في مناطق متنوعة من شمال العراق وبالتحديد في محافظة نينوى (سهل نينوى).

تبلغ نفوس الشبك في الوقت الحاضر زهاء خمسمئة ألف نسمة يسكن جزء مهم منهم في الساحل الأيسر لمدينة الموصل في أحياء( نينوى الشرقية ونينوى الشمالية والجزائر والنعمانية والتأميم وعدن والشهداء و البكر والكرامة والقدس) وأحياء أخرى عديدة.
وينتشر جزء آخر منهم في قرى ممتدة ما بين الساحل الأيسر من نهر دجلة إلى نهر الخازر شرقاً وجبل النوران شمالاً إلى ناحية النمرود جنوباً، في أرض منبسطة تعتبر من أخصب أراضي محافظة نينوى، إضافة إلى أن أعداداً كبيرة منهم سكنت مراكز أقضية ونواحي برطلّة وقرة قوش والنمرود وبعشيقة.

* ماهي لغة الشبك الأصلية؟

– للشبك لغة خاصة تتميز بمفرداتها ونغمتها وطريقة لفظها، وتشترك مع اللغات الأخرى بعدد من المفردات، وظاهرة الاشتراك متوفرة في كل اللغات بسبب التواصل الاجتماعي والمصاهرة وعلاقات الجيرة مع المكونات الأخرى، وتنتمي هذه اللغة الى مجموعة اللغات الآرية الهندوأوروبية.
وعموماً تتحدث الغالبية من الشبك اللهجة الشبكية الباجلانية القريبة من اللهجة الكورانية.

الحاج بكتاش

* ماهي معتقداتهم الدينية؟

– الشبك جميعهم من المسلمين والنسبة الغالبة منهم نحو (70%) على المذهب الجعفري والباقون من السنّة، وقد تأثر بعضهم بالطرق الصوفية المختلفة ومنها الطريقة (البكتاشية) نسبة الى الحاج بكتاش بن السيد محمد والملقب بإبراهيم الثاني وهو من أحفاد السيد إبراهيم المجاب بن الإمام موسى الكاظم (ع).

امتاز الشبك بالتعايش السلمي مع االعرب والكرد والتركمان والإيزيديين والمسيحيين والصابئة والأرمن والكاكائية، ولهذا أصبحوا محل اعتبار واحترام لديهم.

وعن عشائر الشبك يقول سلطان : يتكون الشبك من عشائر متعددة أغلبها لها فروع في مناطق أخرى من أربيل وكركوك وخانقين في العراق وكرمانشاه في غرب إيران، وأبرز مكونات الشبك العشائرية الباجلان والزراري والداودي الزنكنة والروزبياني.

* هل أنتم ضحية التجاذبات؟

– نعم، فقد حاولت الأنظمة التي حكمت العراق على مدى العقود الطويلة تهميش الشبك لأهداف ومصالح خاصة وسياسية وجعلت المجتمع العراقي يتمزق ويصبح هشاً من الداخل.

تأثر والشبك بمحيطهم الاجتماعي والجغرافي والديني فدخل بعضهم في التكايا والطرق الصوفية والبعض الآخر تكلم اللغة الكردية وبعضهم حافظ على لغته الأم، وعندما حاول النظام المباد تعريب مناطق العراق في كردستان وسهل نينوى قاوم الشبك والأكراد تلك المحاولات، وأدت تلك المقاومة الى قيام النظام السابق بممارسات تعسفية كتهجير قسم من العائلات الشبكية عام 1975م ثم تهجير بعض القرى إلى مجمعات قسرية للغرض نفسه في عامي (1988-1989), ولقد تم تهجير جزء من العوائل وليس قرى بأكملها وكان سبب التهجير أن هذه العوائل ادعت أنها من القومية العربية في تعداد عام 1977م، ثم غيرت قوميتها إلى القومية الكردية في تعداد عام 1987 لتجنب التجنيد في الجيش العراقي وليسهل لها الانضمام إلى أفواج الدفاع الوطني الكردية، لذا قامت الدولة بتهجيرهم إلى مناطق كردية كمنطقة (سهل حرير) على اعتبار أنهم أكراد كما يدّعون، ثم قامت بعد ذلك بالعفو عنهم عام 1991م وسمحت لهم بالعودة إلى منازلهم. وقبل ذلك كانت السلطة قد سجلتهم خلال تعداد عام 1977عرباً ومن قبل كانت الإحصاءات تجمعهم مع الإيزيديين، لذا لم يشر تقرير مديرية الأمن العامة الخاص بالتوزيع الديني للسكان العراقيين إليهم أو ذكرهم جمعاً مع الإيزيديين كما حصل في الإحصاءات السابقة.

إحصاءات

* هل ذكر الشبك في الإحصاءات الرسمية سابقاً؟

– نعم، فنفوس الشبك تتفاوت التقديرات والإحصاءات حول عددهم ومنها التقديرات الإنكليزية القديمة التي عدّتهم بعشرة آلاف نسمة، وفي الإحصاء العراقي (1947) عدّوا جميعاً مع الإيزيديين بثلاثة وثلاثين ألف نسمة، وفي إحصاء (1977) بلغت نفوسهم تقريباً بين 57-58 ألف نسمة. ومن اللافت للنظر أن الدليل العراقي لعام (1936) وإحصاءات أخرى لم تذكر الشبك بالاسم على اعتبار أنهم أكراد مسلمون، لكن جمعوا في إحصاء (1947) مع الإيزيديين. ويؤكد الرأي الرسمي المعتمد على البحوث والدراسات المذكورة سلفاً على أنهم منفصلون عن الأكراد. وفي إحصاء (1977) هناك إشارة إلى أنهم عرب حسب الادعاء الرسمي، أما الآن فهم يتجاوزون 500,000 ألف نسمة.

* نسمع كثيراً عن كتب الشبك المقدسة، ما هي هذه الكتب؟

– أقدس كتاب ديني عند الشبك، هو كتاب مخطوط بالتركية يسمى (بويورق) وترجمته العربية (الأوامر) ويحتوي على حوار بين الشيخ صدر الدين والشيخ صفي الدين في آداب الطريقة القزلباشية (والقزلباشية تعني ذوي الرؤوس الحمر)، وهناك ايضا كتاب “الكلنبك” وعنوانه مركب من كلمتين هما (كل) وتعني الورد او الزهر في الكردية و(نبك) وتعني صوت في اللغة الفارسية وهو في ترجمته الحرفية (صوت الورد) والمعنوية (دعاء الورد)، وقد صحفها العرب الى (كلبند)، وهو كتاب يضم القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم بلغتهم القومية وكذلك باللغة التركمانية الجفلكانية وقوامها مدح (آل البيت).

* هل لديكم تسميات دينية خاصة برجال الدين؟

– نعم لدينا البير البابا ـ أي الشيخ، وهو الرأس، والرهبر وهو الدليل وحكمه أدنى من البير، والمريد.

* ما أبرز الطقوس الاجتماعية للشبك؟

– تقاليد الشبك لا تختلف عن التقاليد المتبعة في مناطق تواجدهم، إلا في بعض التفاصيل الصغيرة، ففي مراسم الزواج مثلاً فإن البابا هو الذي يتولى العقد ويحضر الأفراح في بيت العروس حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون على شكل حلقة وتسمى محلياً رقصة (الجوبي) او (الدبكة)، وبقية التقاليد والأعراف في زواج الشبكي لا تختلف عنها في المجتمع العربي او الكردي من حيث الخطوبة والنيشان والزفاف والسبعة، ويندر أن يطلّق الشبكي زوجته حتى لو ابتليت بمرض عضال لا يرجى شفاؤه، فهو يبقى ملازماً شريكة حياته، ويندر كذلك أن يتزوج امرأة اخرى، وفي حالات الوفاة يحضر البابا الى دار الشبكي ويقوم بنفسه بتغسيل الميت، وبعد دفنه في مقبرة القرية يطبخ أهل الميت طعاماً يوزع على فقراء القرية وأغنيائها على السواء، ويقام مجلس عزاء في سرداق تتوزعها المقاعد والموائد ويقدم فيها الطعام والشراب والسجائر، على عادة المسلمين عرباً وأكراداً.

ما هو نشاط الشبك الاقتصادي؟

– في المجال الاقتصادي، اشتهر الشبك بالزراعة وتربية المواشي وبمهنتي النقل والتجارة، حيث يمتلكون أكبر أسطول للنقل البري داخل العراق وخارجه والمتكون من آلاف الشاحنات لنقل البضائع والمنتوجات النفطية خاصة في قرية (بازوايا)، وقد شكلوا منذ فترة ليست بقصيرة قوة اقتصادية على مستوى العراق.

*وما هو نشاطكم في الحكومة والبرلمان؟

– الشبك باعتبارهم أقلية متميزة في العراق يجب أن يتمتعوا بالحقوق العامة التي أقرها القانون الدولي وكذلك الحقوق الخاصة مثل منع التمييز والحفاظ على الهوية وتولي الوظائف العامة والتي تسمى بالتمييز الإيجابي.

أما فيما يخص مقعد الكوتا باعتباره من الحقوق السياسية للشبك فقد تم منحهم هذا الحق بموجب قانون الانتخابات رقم 36 لسنة 2008 لكنه لم يوفر الآليات المناسبة لتمكين الشبك من هذا الحق ما أدى الى تنافس الأغلبية عليه وسلبه دون وجه حق حيث لم يوفر القانون الحماية اللازمة لهذا الحق السياسي من جعل مناطق الأقليات دائرة انتخابية واحدة لضمان عدم تصويت الغير على المقاعد المخصصة للأقليات ومصادرتها، فالقانون الانتخابي يعترف بحق الشبك في المشاركة بصناعة القرار الوطني من خلال وجود ممثل لهم في السلطة التشريعية لكنه لم يوفر البيئة المناسبة لتمكينهم من هذا الحق، كذالك فإن عديد الشبك يتجاوز 500 ألف نسمة فلا يمكن اختزال تمثيلهم النيابي في مقعد واحد في ظل المحاصصة السياسية التي همّشت الأقليات وصادرت حقوقها.