الشك القاتل

768

رجاء خضير /

قل للمرأة التي تخفي حبها وراء ستار الشك والغيرة: ارحلي ودَعي السلام يحلُ في حياتي, عندها سيموت الشك في دواخلها, وتبدأ بنبش ما جنتهُ لتلحق بك…..
هذا ما حصل في قضية هذا العدد التي يرويها (ث..)، الرجل الستيني الأنيق بملامح وجه لا يغادره الحزن، عن السبب الذي أفقده ابنه قبل أن يكمل الثلاثين، ويسألنا الحكم في النهاية.
يقول (ث..) إن ابنه (م..) عُين فور تخرجه في الجامعة، وحين سأله عن سبب هذه العجلة ولماذا لا ينتظر تعييناً في إحدى دوائر الدولة، كان رده بأن تعييناً كهذا قد يتأخر وهو يريد العمل ليدّخر مهرَ من يحبها.
ظن الوالد أن ابنه يمازحه لولا حديثه معه عن تفاصيل قصة حبه التي بدأت منذ السنة الأولى في الكلية واستمرت حتى (الآن)، وقصد حتى بعد التخرج وهما متفقان على الزواج. “سألته عنها وعن عائلتها وأين تسكن”, يقول (ث..) إن (م..) أجابه بكل صدق، ليكون سؤاله الأخير “وهل تحبك كما تحبها؟” ولم يجبه ما دفعه إلى إعادة السؤال، وأجابه بنعم وبأنها تحبه بجنون لدرجة لا تقبل أن يتحدث مع أية زميلة إلا بوجودها وصمت.. “صمته المفاجئ جعلني أشعر بانقباض وعدم الراحة لكني لم أشعره بقلقي،” يقول (ث..). ويضيف أن الأشهر مرت بسرعة وتقدم لخطبة حبيبته من أهلها الذين وافقوا مباشرة لتبدأ تحضيرات الزواج. “في خضم الاستعدادات، وأنا اقرأ جريدتي سمعت صياح ابني، واكتشفت أنه يتشاجر من خلال الهاتف ويقسم بأن شكّها وعدم ثقتها به سيهدمان حبهما،” وبعد أن أغلق الهاتف، دعاه إلى الجلوس معه مؤكداً أنه سمع ما قاله بسبب صوته العالي، وصارحه بعدم راحته تجاه خطيبته بسبب غيرتها العمياء وشكوكها المستمرة، وبأن فسخ هذه الخطوبة لابد منها لأجل راحته قبل عقد القران.. لكن (م..) فاجأه بردّه قائلاً بأنه يحبها كثيراً، وهي لشدة حبها له تشك وتخشى أن يتركها يوماً وأكد لوالده أنه سيستعجل بإجراءات الزواج ليشعرها بالأمان.
وبالفعل تم الزواج بسرعة، وسكن (م..) وعروسه في بيت أهله، وسرعان ما بدأت العروس بإثارة المشاكل مع أم زوجها التي يصفها (ث..) بـ “زوجتي الطيبة”، ومع شقيقته الصغيرة، ودائماً ما تكون النسبة الأكبر من مشاكلها مع زوجها (م(…
وفي كل مرة كانت العروس تفتعل فيها المشاكل، كان (ث..) يحاول تهدئة ابنه وامتصاص غضبه ليذهب ويصالحها لتتصرف بتعقل لأيام معدودة ثم تعود إلى افتعال المشاكل و”تندلع معركة جديدة بينهما.” مع ارتفاع وتيرة المشاكل، ضاق (ث..) من تصرفاتها، ومحاولاً إيجاد حل، سألها عن سبب شكوكها بابنه.. وتحدثا طويلاً وكان السبب الوحيد الذي ذكرته، وهي تبكي، بأنها تخشى أن يتركها ويتزوج بغيرها، وتركته ودخلت غرفتها!
بعد أشهر من الزواج، شاهد (ث..) دخاناً يخرج من غرفة ابنه فأسرع وزوجته نحوها وفتحا الباب واندهشا برؤية زوجة ابنهما تحرق ملابس زوجها. وهما يحاولان إطفاء النيران قبل أن تمتد إلى كل الغرفة، رجع (م..) من دوامه، ولم يجادلها أو يسألها عن السبب، إنما طردها إلى بيت أهلها الذين أرغموها على العودة والاعتذار من زوجها وأهله، واعتذر والداها منهم قائلين إنهما يعرفان أنها مريضة بالوهم والشكوك وأنها وعدت بالتصرف السليم، ولاسيما بعد أن ثبت حملها.
أسعد خبر الحمل الجميع عداها، فقد ازدادت شراسة وعنفاً وافتعالاً للمشاكل مع الجميع، وحاول (ث..) أن يقترب منها وطالب كل من في البيت أن يتحملوا تصرفاتها ريثما تنجب وبعدها سيطالبهما (م وزوجته) باستئجار بيت لهما ومغادرة بيت الأهل. ومع دخول حملها شهره الثالث، ازدادت عصبيتها وأصبحت لا تحتمل حتى نفسها. وفي ظهيرة يوم حار وهم يتناولون الغداء، عاد (م..) تعباً واستأذن أن يأخذ حماماً قبل الغداء، وبعد أن صعد السلالم إلى الطابق الثاني، “قفزت زوجته من بيننا ولحقت به وبعد دقائق سمعنا صوت إطلاقات نارية”، يقول (ث..)، ويكمل “بارتباك وقلق كبيرين أسرعنا إلى غرفتهما ووجدناها ممسكة بالمسدس وابني في الحمام ممدداً على أرضيته ودمه ورغوة الصابون يغطيان جسده وبدأنا بالصراخ والعويل”.. وبمساعدة الجيران، الذين اتصلوا بالشرطة، نقلوه إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. في الوقت نفسه كانت الزوجة القاتلة في مركز الشرطة للتحقيق معها. في المركز حيث ذهب (ث..) للشهادة مع زوجته التي حاولت ضربها ومنعها الضابط الذي كان يحقق مع الزوجة التي بررت جريمتها قائلة إنها قتلت زوجها لترتاح من شكوكها وإنها تأكدت من خيانته لها بسبب إصراره على الاستحمام فور دخوله البيت! وفشلت بتقديم أي دليل سواء في التحقيق أو في المحكمة على خيانته لها. وأثبتت التحقيقات مدى استقامته وأخلاقه الحميدة، وبعد تأكيد المستشفى على سلامة قواها العقلية، صدر الحكم عليها بالإعدام، وأعلنت عائلتها البراءة منها. “وتأخر التنفيذ حتى أنجبت ولدين توأمين ورفضت أن نأخذهما، وأقسمت بأنها ستهتم بهما حتى يوم تنفيذ الحكم فيها.” يقول (ث..) ويضيف “وبعد أشهر من ولادة الطفلين، اتصلت بِنَا الجهات المختصة لنلتقي بها ونتسلم الطفلين فقد جاء أوان تنفيذ الحكم”..
واليوم، يقوم (ث..) وزوجته بتربية الولدين اللذين فقدا والدهما قتلاً بيد والدتهما، زوجته وحبيبته، وفقدا والدتهما بسبب تهورها وغيرتها وشكوكها.. ولا يعرف ماذا سيقول لهما حين يسألانه يوماً لماذا قتلت والدتهما والدهما!