الشيطان ما شيست!

982

ارشيف واعداد عامر بدر حسون /

وما أدراك من هو الشيطان ما شيست؟ لعلك تحسب انه ذلك الممثل السينمائي الذي اشتهر بقوته وجبروته في عهد السينما الصامتة، ولكن الذي نقصده هنا هو ماشيست آخر من مصر، وهو “احمد علي” فتوة شارع عبد العزيز بالقاهرة منذ ثلاثين سنة، كان حارس الترسو بسينما اوليمبيا حين كانت السينما محلاً مختاراً للقتال بين الفتوات من ابناء البلد.. وها هو ذا يروي بعض ذكرياته مترحماً على عهد ماشيست الجبار الذي ترى صورته هنا!

ميدان القتال!

كان أغلب رواد سينما اوليبميا من أبناء البلد، وكانوا يأتون اليها من مختلف أنحاء القاهرة مسلحين بالعصي والسكاكين استعداداً للمشاكسات، فقد كانوا يتخذون السينما ميداناً للقتال، وكان فتوات كل حي يتوعدون أعداءهم ويرسلون اليهم إنذاراً بأن يتقابلوا في السينما ليقتتلوا بداخلها وكانت هذه طريقتهم في جر الشلل!
تجلس كل شلة في صف، ثم توفد أحد أفرادها لمحاولة الجلوس في صف الشلة الأخرى، فتعتبر الثانية هذا اعتداء على منطقة نفوذها في السينما وتقوم المعركة.
الصلح.. كشري!

وغالباً ما كانت هذه المعارك تنتهي بالدماء وبتحطيم كراسي السينما وضياع حنفيات المياه وغير ذلك، كما كانت تنتهي أحياناً بالصلح، فيتبادل افراد الشلتين المتخاصمتين أكل الكشري على حساب بعضهما، وكان الكشري يباع داخل السينما كوسيلة من وسائل التسلية، وكانت عادة متأصلة عند ابناء البلد أن يأكلوا كلما جاءوا الى السينما.

حارس الترسو!

ولما كانت في هذه الأيام فتوة يشار اليه بالعصي في منطقة شارع عبد العزيز كلها فقد اتفق معي صاحب السينما على أن أتولى حراسة الترسو نظير أجر سخي، فكنت أتسلح بعصا وسكين وأذهب الى هناك كل ليلة لأذود عن كراسي السينما وممتلكاتها كلما قامت خناقه، حتى أظهرت همّة فائقة وصار أبطال المشاكسة من الرواد يخشونني خشية الصول “للشجيع” وأطلقوا على اسم “الشيطان ماشيست”.. كما بلغ أجري عن هذه الحراسة جنيها في اليوم الواحد.

كونترول ختم!

ولفت نظري أن كثيراً من المتفرجين كانوا يخرجون في وقت الاستراحة، ثم يعودون الى الدخول دون رقابة فيدخل معهم كثير ممن لم يقطعوا تذاكر، فأخذت أفكر في طريقة لمنع هؤلاء المزوغين من الدخول، وجئت بختم وختامة، وكنت كلما خرج واحد في فترة الاستراحة أختمه على ذراعه، حتى اذا عاد للدخول كان عليه أن يبرز الختم وإلا منعناه من الدخول، وظللنا نتبع هذه الطريقة حتى اتضح لنا أن شخصاً زور هذا الختم، وكان يجلس كل ليلة على مقربة من السينما فيختم به طلاب التزويغ مقابل مليم واحد عن كل مرة، وكانت صفقة رابحة لهم اذ كان اجر الدخول وقتئذ 8 مليمات.

فاضطررنا الى تخصيص عامل من عمال الباب للإمضاء على أيدي الخارجين بدلاً من الختم، ولكننا مع ذلك كنا نضبط كثيراً من التزويرات المتقنة.

عجائب الترسو!

وكان رواد الترسو يتسابقون للجلوس في أقرب مكان للشاشة حتى أن بعضهم كان يفضل الجلوس على الأرض –تحت الشاشة مباشرة-ظناً منه انه بهذا يرى اكثر من غيره من المتفرجين.. كما كانت تقوم كثير من المعارك العجيبة بين الرواد بسبب تحمس بعضهم لبطل من الأبطال، وتحمس آخرين لبطل آخر.. وكانوا اذا عرض على الشاشة مشهد من مشاهد المعارك يهتفون: “ادي له جامد.. و.. اقطع قلبه” وغير ذلك من الهتافات.. وكانوا اذا ضرب الشجيع اللص ضربة يهللون ويصفقون، واذا اعتدى اللص على التشجيع احتبست انفاسهم وقال قائلهم: “ما هو جاي له على غفلة!”

أفلام المتفرجين!

وكان كثير من الصبية يحاولون التزويغ بدون تذاكر، وكانوا يبتدعون طرقاً غريبة للدخول، فبعضهم كان يدعي انه سيدخل للبحث عن أبيه او أخيه، وبعضهم كان يفلت بين الأرجل وقت الزحام، فاذا لمحناه سارع بالزوغان بين المتفرجين، ثم عمد الى تغيير مظهره –يلبس جاكته او طاقية أحد اخوانه- كي لا نستطيع التعرف عليه..

وعلى الجملة.. فقد كانت الفرجة في السينما –فيما مضى- على المتفرجين اكثر منها على الأفلام، فقد كان يدور بين هؤلاء المتفرجين عدة افلام عجيبة كل ليلة..