الصوم راحة نفسية وطاقة إيجابية
#خليك_بالبيت
أنسام الشالجي /
دائما أنصح من يحتاج إلى راحة نفسية وسكينة قبل اتخاذ أي قرار، لا سيما إن كان مصيريا بالصوم، فالشخص الذي يتمكّن من السيطرة على شهواته ويتوقّف عنها لساعات طويلة، يمنح لنفسه راحة بال.
شروط الصيام
لا أحاول شرح الصوم دينيا، لا سيما أنّه كعبادة مفروض في جميع الأديان، إنّما نحن واثقون جميعا أنّ الله سبحانه حين يفرض عبادة ما على عبده؛ إنّما يفعلها لصالح العبد وراحة نفسه وسكينة روحه.
في بداية سلسلة أُسلوب حياة تحدّثنا عن الطاقة الإيجابية التي تمنح للفرد شخصيته القوية وتمنح حياته التفاؤل، وتحدّثنا عن وسائل اكتساب هذه الطاقة ومن بينها التأمل وقلنا إنّ العبادات في مختلف الأديان هي في الواقع من أفضل أشكال التأمل. ونعود إلى الصوم وكما قلنا في المقدمة، إنّه يعني السيطرة على الشهوات كافة وليس فقط التوقف عن الشرب والأكل، أي ترويض النفس الأمارة بالسوء.
فالصوم الفعّال، ونقصد العبادة الحقيقية، يعني صيام المعدة عن الأكل والشرب وصيام اليدين عن أخذ ما ليس من حقّهما وصيام العين عن عدم النظر بغيرة وحسد إلى الآخرين وصيام النفس عن الرفث وصيام اللسان عن الكلمات المؤذية والاغتياب وصيام العقل عن التفكير بالفساد مثلا وصيام القلب عن الحقد، إي إنّ الإنسان الصائم كما ينبغي يتحوّل إلى طاقة إيجابية لنفسه ولمن حوله فضلا عن أنّه ينقّي بدنه وروحه من الأدران اليومية ومن التوتر والانفعال بسبب مصاعب الحياة اليومية ومتاعبها.
طاقة الصيام الإيجابية
قبل رمضان بأشهر، وفي ورشة عمل عن الطاقة الإيجابية وكيفية اتخاذ القرار الصحيح، انتبهت في اليوم الأول إلى المشاركة (منى..اسم غير حقيقي، موظفة، ٤٢سنة) وهي تركّز على المشاركات والمشاركين في الورشة أكثر من تركيزها على المحاضرة. في الاستراحة، دعوتها على فنجان قهوة وسألتها عما دار في المحاضرة ولم تتمكّن من الإجابة وقبل أن تعتذر، قلت لها إنّها لم تكن منتبهة على المحاضرة. إنّما كانت ترمق بحسد واضح الآخرين.. اعتذرت واعترفت بأنّها شاركت في الورشة في محاولة للتخلص من إحساسها بالغيرة من الآخرين وأنّها تحسدهم وإن لم يكونوا أفضل منها، بل هي تحسد الآخرين حتى على ابتسامتهم وكانت تشعر أنّها عبارة عن بؤرة للطاقة السلبية التي تدمر نفسيتها وتؤذي الآخرين؛ حتى المقربون منها، واعترفت أنّ تصرفاتها هذه كانت السبب في طلاقها وحرمانها من ابنتها.. وطلبت منها عدم الحضور الورشة وأن تنتظر للتحدث بعد انتهاء المحاضرات.
لست طبيبة نفسانية، إنّما مدربة طاقة، وقلت لها إنّها تعرف ما تعانيه وهذا نصف العلاج، وسألتها إن كانت تصلي؟ وأجابت بالنفي والسبب أنّها لا تستطيع أن توجّه جميع جوارحها للصلاة. طالبتها بالصوم، إما صيام الأيام البيض أو صيام يومي الاثنين والخميس، بشرط أن لا تكتفي بالامتناع عن الأكل والشرب فقط، إنّما تحاول أن تمتنع عن الحسد والغيرة وأن تحمد الله لما تمتلكه..
أخذت مني إجازة من عملها لثلاثة أشهر، وبدأت تصوم، في الأيام الأولى واجهت بعض التعب في السيطرة عن نفسها، واستمرت تحادثني بالهاتف، واقتنعت بأن امتناعها عن الحلويات لساعات طويلة وهي التي تقول بأنّها لا تستطيع العيش بدونها، معناه أنّها تستطيع أن تمتنع عن الحسد.. وبعد أسابيع، كانت تصوم خلالها يومي الاثنين والخميس وبدأت تصلي أيضا، تمكّنتْ من السيطرة على جوارحها تماما.. واتخذت قرارا مصيريا أن تتصل بطليقها وتعتذر منه وأن يتزوجا مجدّداً.. وضعها والد ابنتها تحت اختبار ونجحت وعادت إلى بيتها وابنتها واستمرت تصوم يومي الاثنين والخميس وداومت على صلاتها وأصبحت طاقتها الإيجابية تجذب الأقرباء والأصدقاء وهي بدورها تنصح من يحاول اتخاذ قرار مصيري أو تغيير نفسيته وتهذيبها بالصوم.
الامتنان
فضلًا عن تهذيب النفس، فإنّ الصوم يمنح للصائم المعنى الحقيقي للامتنان بعد أن يفطر ويشكر الله على نعمة الأكل والشرب ويحمده على نعمة الإحساس بالآخرين، لا سيما الذين يقبعون عند خط الفقر أو تحته، لذلك يكتفي بما يشبعه ولا يبحث عن التخمة ويتبرّع بما يقدر عليه من أطعمة ومشروبات وأموال للمتعففين والمحتاجين، لا سيما في الظروف التي يمرّ بها بلدنا.
راحة الدماغ
والصوم أيضا يريح الدماغ، فمع الامتناع عن الأكل والشرب والشهوات، تتوقف خلايا الدماغ عن العمليات التي تحتاجها الشهوات وبالتالي يتمكّن الصايم من التفكير برويَّة وهدوء بما يحتاجه من قرارات حياتية. باختصار؛ الصوم عبادة ورياضة نفسية في الوقت نفسه، يصل بالإنسان إلى إنسانيته الحقيقية والمطلوبة منه.