الطعام في الحضارات..حربٌ بسبب البطاطس وحبُّ وراء “البيتزا”

599

باسم عبد الحميد حمودي /

كيف يأكل الإنسان؟ وماذا يأكل؟ سؤالان يحتاجان إلى مجموعة من الدراسات والكتب للإجابة عنهما, لكننا سنختصر الطريق على القارئ الكريم ونقول له: إن عادات وتقاليد الطعام في العالم تختلف من مكان إلى آخر، ومن زمن إلى سواه.
الطبخ في الحضارات القديمة
تقول (كاتي كوفمان) في كتابها (الطبخ في الحضارات القديمة): إن الطبخ عند الإنسان بدأ منذ مليون ونصف المليون عام, وإن الإنسان الأول الذي كان قليل التجمعات ويسكن بين الأعشاب المدارية في أقاليم السهوب، أو بين الكهوف في المناطق الأشد قسوة مناخياً، قد عَرف بالتجربة حصاد الحنطة ودرْسَها بدائياً ثم ابتكر التنّور لشيّ الخبز.
ويقول الآثاريون العراقيون إن الأفران الحجرية هي اختراع عراقي سومري، حتى يمكن خبز الرغيف برشاقة، ويكون الدبس هو تحلية الوجبة.
ومثلما عرف الإنسان الصيد بعد مرحلة جمع القوت، كان اللحم المشوي سبباً كافياً وشهياً للعيش مع الدقيق المصنوع على شكل رقائق خبز غير جميلة الصنع, لكنها تفي بالغرض مع الفواكه البرية والخضراوات.
وتابعت الدكتورة (كارول كوينهان) في كتابها (أنثروبولوجيا الطعام والجسد)، الذي ترجمته (سهام عبد السلام) دور الأم الحيوي في الإطعام، سواء في إيطاليا أو الولايات المتحدة، وقدمت عرضاً تاريخياً مشوقاً للهدف الأمومي في ارتباط الإطعام داخل الأسرة قديماً وحديثاً بدور الأم كسلطة (جندرية) متنفذة تحسن إدارة مطبخ الأسرة عبر التاريخ.
من تاريخ الطعام
في عام 1966 تركت الباحثة (راشيل لودوان) وظيفتها الجامعية في (بنسلفينيا) لتستقر في المكسيك باحثة في أنثروبولوجيا الطعام في المكسيك ودول أميركا الجنوبية وتكتب كتابها المبهر(الطعام )، شارحة طرق الطبخ القديمة والحديثة وعادات الإطعام لدى الشعوب.
حرب البطاطس.. ومتحفها!
تقول لودوان إن التنافس بين بيرو وشيلي حول نسبة محصول البطاطس إليهما قد أشعل يوماً الحرب بين الدولتين، فيما أسست (بيرو) متحفاً لتاريخ ومحاصيل البطاطس المتنوعة وسط جبال الأنديز.
بينما تقول (ربيكا إيرل)، مؤرخة تاريخ الطعام، إن البطاطس انطلقت من جبال الأنديز لتغزو العالم بفضل المستعمرين والتجار, وتعد البطاطس اليوم رابع محصول عالمي بعد الرز والقمح والذرة.
الذرة في المكسيك وسط طعام الشوارع
فيما تذكر (راشيل لودوان)، متحدثة عن طعام الشوارع في المكسيك، أن الغالبية العظمى من سكان المدن يعتمدون في طعامهم السريع على أكشاك الطعام المنتشرة بالمئات في أرجاء شوارع المدن المكسيكية، وأن قوام الأطعمة الشعبية المكسيكية هي الذرة التي تسلق وتعجن، أو تطبخ على النار مع اللحم وبدونه، و(أفاويه) الكركم ومكسرات لصنع (الفاهيتا) التي يشكل الدجاج أو اللحم جزءاً أساسياً من مكوناتها.
من الأكلات الشعبية المكسيكية أيضاً (التامال) المصنوع من حساء الذرة، و(التانكو) وهو عبارة عن تورتلا مطوية برقائق الذرة, إضافة إلى عشرات الأطعمة والسندويجات الأخرى.
الحب هو الذي صنع البيتزا..!
ظهرت كلمة (بيتزا) في إيطاليا في منطقة (لاتسيو) أول مرة عام 997 م, ويقول المعنيون إن التسمية جاءت من قيام أحد العلماء، الذي كان يحب زوجته حباً جارفاً، بصناعة طبق البيتزا الأول المكون من مجموعة من الأطعمة التي تحبها الزوجة من اللحم والدقيق والدجاج والفلفل والزيتون والطماطم والأفاويه، وقدمه لها، فأعجبت به وفضلته على سواه.
كان اسم الحسناء الإيطالية (بيتزا)، فسمي هذا الطبق الذي أصبح عالمياً باسمها، وانتشر في كل أرض(بيتزا), وكان مما ساعد على شهرة هذا الطبق قيام أحد الخبازين من باعة الأكشاك في روما بصناعة البيتزا المتعددة الأشكال: بالجبن، واللحم، والخضار، والدجاج. وحدث أن مر موكب الملكة (مارغريتا 1851- 1926) بالخباز، حيث وجدت الناس يتجمعون حول مخبزه, فتوقفت الملكة عنده وقدم لها الخباز طبقاً خاصاً أعجبت به وكلفت طباخيها بصنعه، واشتهر ذلك الطبق باسم (بيتزا مرغريتا).
تنوعت صناعة البيتزا وأسماؤها في العالم اليوم، ففي كمبوديا تسمى (هاي هيوب)، وفي الأرجنتين (فوغاريتا)، وفي اليونان تسمى بالبيتزا المتوسطة, وقد صنع أحد المطاعم في بروكلين صندوقاً خاصاً من البيتزا يحوي على البيتزا بقوام الصندوق وداخله قطعة كبيرة من البيتزا بأنواعها المعروفة .
وصارت معروفة في اليابان بـ(بيتزا الحشرات) وفي كوريا واستراليا بـ(بيتزا الأسماك البحرية)، فيما اشتهرت سنغافورة بـ (ببيتزا الروبيان).
في إندونيسيا تقدم البيتزا بأنواعها المعروفة مضافة إليها صلصة متنوعة حسب الطلب، إضافة إلى الروبيان وأنواع السمك الأخرى.
من عادات تناول الطعام
باليد اليمنى.. أم اليسرى؟
صار مألوفاً أن تجلس الأسر بشكل مشترك وقت الطعام، لكن إيقاع العصر، واختلاف الأعمال وأوقات الدوام، فرضت شكلاً آخر للمائدة في كل أسرة لا تجتمع معاً إلا في العطل والأعياد.
استبعدت النساء من حفلات الطعام الرجالية في اليونان القديمة, وفي فيتنام تستخدم الملعقة للحساء وباليد اليسرى فقط, وفي سنغافورة يأكل كبير الأسرة قبل سواه، وتستخدم الملعقة للحساء والعيدان لتناول الرز، وكذلك في اليابان, وفي تايلند يستخدمون الملعقة والشوكة ولا يستخدمون السكين, أما في إندونيسيا فيتم تناول الطعام باليد اليمنى وتستخدم الشوكة باليد اليسرى.
أخيراً
موضوع الطعام والمطبخ الإنساني طويل متسع، وسنخص موضوعاً منفصلاً عن المطعم العراقي تاريخياً، باعتبار العراق موئل الحضارات الأساسية القديمة، بل هو الأقدم, ولأن تنوع المطعم العراقي بأطباقه الشهية يشكل حافزاً للبحث في تاريخية الطعام في وادي الرافدين.