الطمع بالميراث دافع للجريمة!

929

رجاء خضير /

الفرق بين الحق والباطل خيط رفيع, لأن الحقيقة في زمننا هذا افتقدناها فضاعت القيم والمبادئ معاً لنبقى ندور في أفلاكها بحثاً عما يريحنا من أفكار سيطرت على مخيلتنا التي أتعبتها سنوات الكّدِ بحثاً عن أمانٍ غادرنا من بعيد لندور في تيهٍ نعود إليه من حيث بدأنا, عندها نستذكر ما عملنا من غثٍّ وسمين, وهنا فقط نطلب رحمة النسيان والغفران.. ولكن هل نحصل عليها.. أم !!!

هما من سكنة بغداد جانب الرصافة, شقيقان يعيشان مع والديهما, أما شقيقاتهما فقد تزوجن جميعاً، كان الابن الكبير يشارك والده في إدارة مقهاه بعد عودته من دائرته والذي كثيراً ما طالبه أن يذهب إلى البيت للراحة قليلاً من عناء العمل، لكنه كان يرفض.
أما الشقيق الصغير فكان يبقى في البيت طوال النهار أو يذهب مع أصدقائه للهو والتسكع في الشوارع, وكثيراً ما حدثت مشاجرات بينهُ وبين والده الذي يضرب له المثل بشقيقه الكبير المتزوج صاحب الأطفال، والذي يعمل معه باستمرار في المقهى وهو مصدر رزقهم جميعاً… ولكن لا جدوى من الكلام معه، ولا سيما أن أمه تقف إلى جانبه دائماً. هكذا سارت الحياة معهم, لم يتغير فيها شيء.
في يوم جاء الابن الصغير إلى والدته بفكرة الزواج وأبلغها أنه اختار منْ ستكون شريكة حياته، وطلب منها أن تقنع والده بالفكرة, وأقسم لها إن هو تزوج فسيعمل ما يطلبه منه والده, وبدورها تحدثت مع والده واستطاعت إقناعه بعد أن أكدت له (أنه يريد أن يتغير)، وافق الوالد على مضض، وحدثّ ابنه الكبير بالأمر الذي أبدى استعداده لمساعدة شقيقه بتكاليف الزواج لعله يبدأ صفحة جديدة في حياته.
وتم له ما أراد, تزوج الفتاة التي أحبها والتي عاشت معهم في البيت, ومن مساوئ الصدف أنها كانت تشبهه بالتصرفات والأخلاق! فمنذُ أيام زواجها الأولى بدأت تطلب هذا الشيء من زوجة الشقيق الكبير وتؤمرها بشيء اخر, والأم ترى وتسمع ولا تستطيع التدخل خشية على ولديها من التفرقة بينهما. لذا كانت تطلب من زوجة ابنها الكبير أن تسكت وتعتبرها مثل شقيقتها الصغيرة وبدورها كانت تصمت ولا تقول شيئاً لزوجها او والده احتراماً لأم زوجها…
انقضت الأشهر الأولى لزواجهما ولم يتغير شيء، لذا حدثه والده عن وعده بأن يساعده في إدارة المقهى وأيضاً مساعدة شقيقه الكبير, وهنا طلب من والده أن يتحدثا بعيداً عن أخيه الكبير. استغرب الوالد وسأله: ولماذا فهو شقيقك؟ فأجاب: لا أريد لأي شخص أن يعرف ما يدور بيننا, دقائق وسمع الأخ الأكبر صراخ والده وهو يطرد الأخ الصغير بل ويضربه أمام أنظار الجالسين, أسرع اليهما ليعرف السبب، احتضن والده وأجلسه, ثم ركض خلف أخيه الذي خرج مسرعاً وتوارى عن الأنظار…
عاد الأب وابنه الكبير إلى البيت مساءً لتخبرهما الأم بخروج ابنها الصغير مع زوجته وعدم عودتهما لأن والده رفض طلبه, فأخبر الوالد جميع من في البيت بما أراده ابنه الصغير منه, فقد طلب منه أن يتنازل له عن المقهى كله له, ليطوره ويجعل منه مقهى حديثاً ويكون بإدارته فقط.
فوجئ الجميع بطلبهِ هذا الذي ينمُّ عن نفس طامعة وخبيثة, وأضاف الأب (هو الذي لم يساعدني يوماً) يريد المقهى لنفسه فقط، هل هذا العدل والحق برأيكم؟ استغرب الجميع وصمتوا أمام ثورة الوالد وغضبه والذي مرض على إثر ذلك…
عرف الأقارب وبدأت الوساطات لتهدئة الأمور وإعادة الابن المتهور إلى البيت. وأخيراً وافق الوالد بعد أن وضع شروطه.
في إحدى الأمسيات عاد الوالد إلى البيت على غير عادتهِ وبمفردهِ، وحينما سألتهُ الوالدة عن سبب عودته مبكراً قال: لقد سمعت خبراً شلّ قوايّ….
لقد عرفتُ أن ابني (الصغير) قد رهن هذا البيت الذي نعيش فيه..
أريد أن أعرف منْ اعطاه سند البيت.
اجابت الوالدة: أنا أعطيته إياه لأنه قال إنه يريده لإنجاز معاملة تخص تعيينه في أحد المصانع.
وقع الأب على الأرض بعد سماعه هذا الكلام وتألم لاستغفال الابن والدته وكل من في البيت وحصل على قرض بضمانة البيت… وهنا خرجت زوجته الشرسة لتقول إن هذا من حقه, فهو يريد أن يبني مستقبله ويضمن مستقبل ولده الذي في الطريق.
نُقل الوالد إلى المستشفى بين دموع ابنه الكبير وبناته اللواتي حضرن وعرفن كل شيء عن خبُث شقيقهن الصغير وزوجته.
غادر الأب المستشفى بعد أيام، وحدثه ابنه الكبير عن البيت مؤكداً بأنه سيدفع مبلغ رهن البيت خلال ايام لأنه سيتسلم سلفة من دائرته.
وهكذا أعاد سند البيت إلى والده, وقبّل يديه وطلب منه أن لايحزن, وبرر فعلة شقيقه بأنه طيش ليس أكثر.
بعد فترة قصيرة ترك الابن الصغير البيت بعد أن استأجر مشتملاًً هو وزوجته وطفلتهما, الذي اصبح اباً لطفلة وقرر عدم التحدث الى افراد عائلته كلهم و كان يبعث لهم رسائل وتهديدات عن طريق الجيران أو أولاد شقيقه الكبير الذي يدافع عنهُ دائماً أمام والده, وهو يقابل إحسانه وشفقته بالجحودِ ويصفه بأنه كذابٌ ومنافق…
وفي يوم حدثت مشادة بين الابن العاق ووالده في الشارع القريب من بيتهم بسبب جشعه, فهو يريد حصته من البيت (حالاً) وإلا سيحرقُ البيت بمن فيه, وثار الوالد وذكّره بالمبلغ الذي دفعه شقيقه بسبب رهن البيت، تقدم الابن ودفع والده ليأتي ابن شقيقه ويمسك بجدهِ، ثم اندفع نحو عمه ليضربه على رأسهِ بعصا وجدها على الأرض ورفع جده من على الأرض وذهب إلى البيت ليصرخ منْ في البيت حينما رأوا الدماء على وجه الوالد الكبير!!
بعد ساعات اجتمعت بناته وابنه الكبير مندهشين مما فعله أخوهم الصغير بوالدهم وسط استنكار الجيران من تصرفاتهِ هذه تجاه والده الشيخ الكبير.
ساعات وحضرت الشرطة إلى البيت لتقبض على الحفيد الصغير الذي دافع عن جدهِ, بتهمه الشروع بقتل عمه…
هل هذا هو العدل… والقانون مع منْ سيقف وضد منْ؟!