الطيبة طاقة إيجابية قابلة للاستغلال
أنسام الشالجي /
رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، هو الله سبحانه، فاشتقت من رحمة الله الحسنى، والتعامل الطيب مع الآخرين، إن كنت مسؤولاً او جاراً او قريباً او زميلاً ، هو الرحمة الإنسانية.. وسبحانه القائل في محكم كتابه الكريم: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ”.. صدق الله العظيم- إبراهيم 24 مشكلة أزلية!
لم أكن أتوقع أن تأتيني صديقتي رزان (اسم غير حقيقي)، وتسألني الحل لمشكلتها التي وصفتها بالأزلية، وهي طيبتها! ورزان مديرة عامة في مؤسسة ذات علاقة مباشرة بالمواطن، والطيبة في موقع ضروري كهذا مطلوبة جداً لتسيير الأمور بهدوء و بدون أخطاء.. مشكلة صديقتي ليست مع المواطن إنما مع العاملين في دائرتها، فهم يستغلون طيبتها سواء في إجازات طويلة أو قصيرة وعدم التعاون في إنجاز العمل وعدم الانتظام في الدوام، بل حتى معاونها (معاون المدير العام) لايداوم بانتظام ودائما لديه ذرائع جاهزة (ارتفاع السكر وانخفاض الضغط) ويتصل ليبلغها بأنه غير آت للدوام وأحياناً لا يفعل ويغلق هاتفه، ما يرغمها على إكمال الأعمال التي كان عليه أن يكملها ويتلكأ العمل. والطامة الكبرى التي اكتشفتها أن عدداً من العاملين في دائرتها يعتبرونها غبية وساذجة وهم يشيرون الى طيبتها الزائدة في التعامل مع أكثر من مئة موظف وموظفة، وغالباً ما تعرف أن رئيس قسم او مسؤول شعبة او موظف تحتاجه قد غادر الدائرة دون إذن، ورهانهم طيبتها التي تدفعها الى إلغاء أية عقوبة بحقهم..
الخلل؟
وسألتني أين الخلل؟ هل تغيرت القيم وأصبح الاستغلال (قيمة) وأصبحت الطيبة (غباء) او (سذاجة)؟
قلت لها إن شكسبير في إحدى مسرحياته التي لا أتذكر اسمها قال: “الطيبة ليست غباء بل حسن تربية”. و في مصطلحاتي، كمدربة طاقة، اؤكد بأن الطيبة طاقة إيجابية والذي لا يحترمها، أقصد الطيبة، ويعتبرها غباء او سذاجة، فهو شخص تحركه طاقة سلبية تكاد تكون مسمومة، وللإنسان الطيب صفات جميلة عديدة، فهو يسامح من أساء إليه ويكون مستعداً للعطاء دائماً دون أن يتوقف ويسأل عن المقابل وصادقاً في تعامله ونظيف اليدين كنظافة قلبه، لكن! وفاجأتها الـ (لكن) وتساءلت: ولكن ماذا؟
ولكن ما مدى الطيبة؟ لابد من أن لا تمنعك طيبتك من الحزم، فالموظف المقصر تجب معاقبته ومعاون المدير العام الذي يهمل عمله ويتسبب في تأخير المعاملات لابد من تغييره، لتكن طيبتك حازمة كمديرة عامة كي لا يستغلك الآخرون، الطيبة المطلقة تدفعهم الى استغلالك وتجعلك تتنازلين أمام المسيئين، صحيح أن العفو عند المقدرة قوة، لكن لمن يقدرها.
ورشة عمل
كانت زيارة رزان فكرة أن أنظم ورشة عمل عن الطاقة الإيجابية للطيبة، تصرفاً وقيمة وكلمة. من بين المشاركات كانت (أم سعيد)، زوجة في العشرين من عمرها، والتي تركت بيت الزوجية مرغمة وذهبت الى بيت أهلها، وزوجها يرسل إليها نفقاتها مع ابنهما بيد شقيقته، ولم يشاهد حتى ابنه وعمره أربعة أشهر، والسبب أن عمتها (والدة زوجها) وصفتها لمرات عدة بالغباء لفرط طيبتها. أم سعيد تسكن في بيت أهل زوجها ولم تطالب يوماً بأي حق من حقوقها رغم نصائح عمتها أن لا تفرط بحقوقها، لكن (الزعلة) حدثت بسبب إعارتها لمصوغاتها الذهبية (نيشانها) لجارة طلبتها لارتدائها في حفل زفاف ولم تعدها، وادعت بأنها ضاعت في الحفل وهي صدقتها. وهي ضمناً تعترف بأن الحق مع عمتها، فليس من المنطق أن يضيع طخم ذهب بأكمله، وتعترف ضمناً أن جاراتها شقيقات زوجها يستغلَّن طيبتها المفرطة التي تجعلها تسامح الجميع وتضيع حقها. في المرة الأخيرة طالبتها عمتها أن تذهب الى بيت أهلها وطلبت من والدتها أن تشرح لها الحياة الحقيقية وأن الطيبة قيمة عليا، لكن ليس مع من يستغلها.
وأخيراً
مع نهاية الورشة، أصرت رزان وأم سعيد على عدم التنازل عن الطيبة، لكنهما تدربتا على كيفية منع استغلال طيبتهما وأن لا تتخليا عن مصلحتهما لأجل الآخرين. وبعد أشهر، اتصلت رزان وأكدت أن حزمها مع طيبتها أصبحا أسلوب حياتها الجديد وأن الموظفين اعتذروا منها بسبب استغلالهم لها. وبدوري اتصلت بأم سعيد وتحدثت معي عمتها وقالت بأنها فخورة بها، فهي طيبة كما كانت، لكن دون أن تفرط بحقوقها وتصدق الجميع..