العراقيات في ساحة التحرير: قلوبٌ تعمل وتداوي وتبتهل

678

آية منصور /

لم تسترح (صفا أحمد) لحظة ولم تمسح حتى حبّات العرق المتساقطة على جبينها، وهي المنهمكة بشدة بجمع بقايا الأطعمة وتنظيف باحة حديقة الأمة دون هوادة أو تململ. صفا البالغة من العمر 19 عاماً، تدرس الطب البيطري، لم تترك ساحات التظاهر أو زملاءها، بل ولم تكتف بكونها متظاهرة مطالبة بحقوقها وحقوقنا. صفا التي تحلم بوطن جميل تخبرنا بأنها أخذت على عاتقها توزيع أكياس النفايات على المتطوعات لأعمال النظافة. تترك المرأة، الشابة والكبيرة في العمر، بصماتهن في الساحة كزهرات بأريج فوّاح، يجبن ساحات التظاهر متطوعات لأي عمل يطلب منهن، فهذه تطبخ، وثانية تغسل الملابس، وثالثة تسعف المصابين. نساء التحرير، كن وما زلن، ورغم صغر أعمار غالبيتهن، أمهات الساحات.
مجلة (الشبكة العراقية) التقت عدداً منهن فكانت هذه الأحاديث:
الغسّالة التي لا تتوقف
نوفة وأم سلوان، جارتان، قررتا التطوع لغسل ثياب المتظاهرين المعتصمين في ساحة التحرير، اعتمدت نوفة على غسالتها الوحيدة شبه المتهالكة، فيما فضلت أم سلوان شراء واحدة جديدة بالتقسيط من إحدى الجمعيات. تؤكد نوفة أنها كانت، وفي الأيام الأولى من التظاهرات، تتسلم حقائب كبيرة لثياب المتظاهرين، من ابنها المعتصم معهم، ثم فكرت أن تكون قربهم لتتمكن من غسل كمية أكبر من الثياب.
أما جارتها أم سلوان، فتصارع المرض وتأتي مع صديقتها المقربة نوفة كل يوم منذ الساعة السابعة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً، لغسل الثياب بصورة مستمرة، ولا تستطيع إحداهما معرفة كمية الثياب التي تغسلها في اليوم الواحد، تجيب نوفة:
-مئات من قطع الملابس، يحضر أولادنا ثياب أصدقائهم الذين تعرفوا عليهم في المطعم التركي وأصبحوا إخوة لهم.
وتؤكد نوفة أن العديد من المتظاهرين يتبرعون بمبالغ مالية لشراء أدوات التنظيف لكنهما ترفضان ذلك، إذ تعتمدان على شراء الأدوات بنفسيهما.
تجلسان، وبحميمية تتحدثان كأنهما في باحة المنزل، تنظران بحب إلى أولادهما المتمسكين بساحة التحرير، وتنادي كل واحدة منهما المتظاهرين، عمن يود غسل ثيابه.
تفضلوا وتناولوا السيّاح
فيما تداوم أم سجاد، او سيدة السيّاح، على صنع خبز السيّاح الجنوبي من دقيق الرز، بصورة مستمرة وثابتة للمتظاهرين والمعتصمين، وكل من يمر بها تناديه بصوتها المبحوح والحنين، بتوسل، لتناول السيّاح مع البيض.
-أصنع السيّاح لأنه وجبة تشبع وغنية بالفوائد، وتناول القليل منها يساعدهم على الإحساس بالشبع.
وتؤكد أم سجاد أن التحرير أضافت لشخصيتها الكثير، وهي الأم لأربعة أبناء، فقد جعلتها الساحة أماً لكل المتظاهرين، تقول: لو طلبوا قلبي سأمنحه لهم، فهم شجعان بسلميتهم وإصرارهم وحبهم للعراق، وتضيف:
– إن خبز السيّاح لا يمثل شيئاً أمام عطاء أمهات متظاهري الناصرية والنجف، اللواتي يقفن بين المتظاهرين والممتلكات العامة ويدافعن عنهم وعن أفراد القوى الأمنية الحاضرة لحمايتهم.
نداوي بالحب جراحنا
ولا يستطيع أحد أن ينكر دور الممرضات والطبيبات، وما قدمنه من خدمة عظيمة للمتظاهرين من خلال حضورهن المستمر في المفارز الطبية، ومن بينهن (زهراء سليم)، التي أخذت عهداً على نفسها بالبقاء داخل مفرزتها الطبية قرب جسر الجمهورية، تقول:
-أشعر بمسؤولية بالغة لمعالجة المصابين وتضميدهم، وهذه مهنتي التي درست لأجلها طوال ست سنوات في كلية الطب. وتضيف أن الأمل هو القاسم المشترك بين الجميع في الساحة.
خبز التحرير
أثناء التوجه نحو نصب التحرير قادمة من شارع السعدون، صادفت فتاتين تتعاونان في كرات العجين وفتحها لتخبزها والدتهما. (سماء وقمر) الجميلتان تبعثان الجمال حين تتحدثان معاً لمجلتنا عن عملهما في التحرير:
-نحن طالبتان، ندرس ونتظاهر حالمتين بحقوق تؤمن توظيفنا بعد تخرجنا، نساعد والدتنا التي تصنع الخبز للمتظاهرين، وأحيانا تأتي معنا جارتنا لعمل ساندويتشات الجبن بالخبز وتوزيعها على المتظاهرين. ترى والدة سماء وقمر أن غايتهما الأساسية هي بث الروح السلمية في هذه المظاهرة الكبرى في العراق، والتأكيد على صورة التعاون السلمي والحضاري بين كل من يقف في التحرير، تكمل: هنا ترين كافة شرائح الشعب العراقي، تبدو الساحات هنا أو في المحافظات وكأنها بيت واحد كبير يضم الجميع بمحبة وتسامح وسلمية ومشاعر كبيرة.
مساعدة من البيت
وبحديثنا بفخر عن النساء العراقيات اللواتي أثبتن قوتهن وشجاعتهن، يحدثنا الناشط حسام البكري عن أهمية وجودهن الذي أضفى رونقاً مشعاً للتظاهرات وأسهم باستمرار سلميتها، يقول:
-تصاحبني زوجتي وابنتي دائماً، فيما نتناوب أنا وابني على المبيت في ساحة التحرير بشكل دوري، فتقوم زوجتي بتحضير الطعام الكافي للباقين حتى الصباح، وهكذا، الحياة رائعة بمساعدتهن ووجودهن.