العراقيون في اوروبا نثق بخيارات شعبنا وندعمها

586

آمنة عبد النبي /

عُرسٌ انتخابي كبير يعيشهُ العراقيون كلّ أربعة اعوام في التجربة الديمقراطية الأكثر تفرداً عربياً، لكونها جاءت بإصرارٍ وتحدٍ للموت والمفخخات، وبعد عهود مظلمة من الدكتاتورية والقمع والمقابر الجماعية.
تابع عراقيو الخارج، وقلوبهم مع بلدهم وشعبهم، باهتمام كبير الانتخابات التي حرمتهم تداعيات الجائحة من المشاركة فيها، وهم يؤمنون بأن الأصابع البنفسجية وحدها القادرة على إحداث التغيير المنشود نحو الأفضل، وأن المشاركة الواعية كفيلة بتحسين حياة ملايين العراقيين وانتشال البسطاء من واقعهم المزري وتحقيق قفزات إصلاحية في بناء الدولة وتشريعاتها.
الجائحة اللعينة “كورونا”، التي شلّت الحياة وحركتها في العالم بأسره، لم يسلم منها الصندوق العراقي وناخبوه، وفرضت قيودها وتبعاتها في التباعدِ والمنع القسريّ بإلغاء تصويت العراقيين في الخارج، الذي لا يزال مُقيداً بظروف كورونا وأزمتها المُستمرة.
هذا القرار المؤسف أثار موجة حزنٍ وتأسف بين الجاليات العراقية في أوروبا وأميركا وكندا.
الحريّة غالية
“تأسفت لما فرضته الجائحة بمنعنا من التصويت، لكن مع ذلك نحنُ نراقب من خلف الحدود تجربتنا الانتخابية باعتبارها أثمن ما تنجبه الحريات التي حُرمنا منها لعهودٍ طوال”..
هذا ما يعتقده “الشيف” العراقي المعروف في ستوكهولم رائد الحمداني، متابعاً: “لقد دفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً في استعادةِ حريته، وجميعنا فرحون ونتأمل من أهلنا أن يختاروا ما يوفر لحياتهم العيش اللائق، فأينما تميل بلادنا نميل معها، في السنةِ الماضية كُنا داعمين للمظاهرات وكان دعمنا نابعاً من حبنا لبلادنا التي فارقناها في ظروفٍ قاهرة، وفرحنا بما أحدثته الاحتجاجات من تغيرات على مستوى قانون الانتخابات وتقديم موعد إجرائها، دعمنا ساهم مساهمة كبيرة في تأسيس تجمعات وتيارات شبابية جديدة تدفع نحو المساهمة في الحياة السياسية بشكل جدي، بل والتصدي من داخل قبة البرلمان لكل إخفاق سابق أو مقبل.”
ويعتقد الحمداني “أن إفراز قيادات جديدة تتمتع بقبول على المستوى الشعبي سيكون كفيلاً بتغيير مزاج المواطنين، وبالتالي يتحول هذا القبول إلى دعم ومساندة لتحقيق غايات تخدم البلد مستقبلاً، رغم أننا نعتقد بأن تغيير الخارطة السياسية للدولة العراقية صعب، لكنه ليس مستحيلاً، وربما سيكون غالبية الفائزين من أبناء النفوذ في الدائرة الواحدة، لكن رغم هذا كله نأمل خيراً بالانتخابات لأنها أولاً واخيراً خيار الشعب وأداته في إزاحة السيئين.”
خارطة عظيمة
“بلادنا هي أمُنا التي تمد يد الحبّ والانتماء بالرغم من أنفِ المنفى، يد الوطن البعيد على خارطة الجغرافيا والأقرب لوريد القلب، لذا فأنا أعتبر التصويت طوق حياة لكل من كان يعيش في المهجر بمثلِ ظروفنا “..
بتلك الصورة الوجدانية المرهفة، أبدى الفنان المسرحي المُقيم في لندن حسين الزهيري حزنه الشديد، قائلاً: “بصفتي عراقي وصحفي وفنان مغترب عن بلدي لفترة طويلة وشاركت في كل الانتخابات السابقة من المهجر، ولأن التصويت كرنفاليّ ويوم عظيم، لذلك جاء قاسياً قرار عدم مشاركتي في الانتخابات هذه المرة، وإن كان ذلك بسبب الجائحة أو خوفاً من الوقوع بشبهات التزوير التي لا نستبعدها من بعض المناهضين للتجربة الديمقراطية خارج بلادنا، لكن شعوري وأنا أجلس في البيت عاجزاً أراقب إدلاء أهلي العراقيين بأصواتهم من خلال الشاشة هو أني كنت مُحبطاً وشعرت بسلبٍ مؤلمٍ لهويتي الوطنية، أفكار كثيرة راودتني، ربما لأننا لا نعيش تحت تأثيرات الحملات الانتخابية والدعايات التي يمارسها البعض مع الناخب العراقي، بالإضافة إلى توقعاتهم للجمهور الخاص بهم في بعض المحافظات العراقية، لذلك هم يعتقدون ربما أن الناخب العراقي المغترب ضدهم وهذا غير صحيح ، وعليه فإن قرار المفوضية الأخير بإلغاء التصويت كان من المفروض تجنبه بالترتيب المُبكر قدر الامكان، لأن قراراً كهذا يحرم رغبه المواطن العراقي المغترب من هذا اليوم المهم في رسم خارطة العراق والعراقيين”.
الانتماء هوية
” العهد الجديد يتسع للجميع. لذا فإن قراراً كهذا، وإن فرضته الجائحة اللعينة، له أبعاد نفسيّة سيئة، لأننا جزء من أوطاننا ولا نريد الحرمان من حقوق الانتماء بالتصويت”..
من أميركا، وتحديداً من ولايةِ ميسوري، أبدت المترجمة العراقية سما محمد حزناً بالغاً على هذا المنع القسري، قائلة:
“اللعنة على الجائحة التي حرمتنا من المشاركة، لقد حزنتُ بشدة لأن تلك التجربة المريرة عانى منها الجميع في عهد النظام البائد من سلب حقوقهم، وعاشوا تجربة الإقصاء المريرة في المهجر، كانت كافية لتبيان مرارة الفصل بين المواطن وبلده الأم، حتى لو كان قسرياً بسبب الجائحة، لكن ذلك لا يمنع آثاره النفسية السيئة، الذي كان يُفرحنا في المهجر هو أن المتصدّين للقيادة بعد سقوط النظام كانوا دائماً في المحافل الدولية، وفي كل المحافل السياسية الأوروبية، يطالبوننا بالرجوع إلى بلادنا وإعادة إحياء بهجتها القديمة، وينظرون إلى أهمية دورنا في الرجوع إلى الوطن وبنائه بحلته الجديدة، لأن الانتماء هوية، لذلك نأمل ان يكون قرار منع التصويت موقتاً لهذه الدورة فقط، بسببِ ظروف الجائحة وما تتركه تبعاتها ربما في استسهال التزوير، لأن فكرة التعمد، وهذا ما لا نتمناه بإقصائنا من التصويت، تفتح الباب لبعض القوى السياسية المناهضة للحرية والتغيير، التي لا تريد أن تحظى الانتخابات المرتقبة بإشراف خارجي.”
آمال ومقاطعة
“ما سنجنيه من هذه الانتخابات يتحمل نتيجته المواطن، ونتأمل أن يكون بعيداً عن التحزب والأسماء الفارغة التي لم تجلب للعراق وأبنائه سوى الدمار والمشاكل”..
بهذا اللوم العراقي الحارّ، أجابتنا الناشطة والكاتبة العراقية المُقيمة في كندا بلقيس كاووش قائلة:”نتأمل من كل مصوتٍ أن يختار العراق بضميرهِ، لأن خياره سيحدد ما سوف نجنيه في المرحلة المُقبلة، وبالنسبة لحرمان عراقيي الخارج من التصويت، لم يشكل الخبر عندي أية ردة فعل، لأني ومنذ سنوات مقاطعة للانتخابات كجزء من خياري لأنني أؤمن بأن هنالك خطوة مهمة جداً قبل التفكير بالانتخابات، وهي تعديل الدستور وتغيير الكثير من الوجوه التي أصبحت ماركة مسجلة للفساد والطائفية والعنف بكل أنواعه، وهذا كان الهدف من ثورة تشرين التي ساندناها وأيدناها ونحن خارج البلد، لكن مع معرفتنا أن المقاطعة ليست حلاً وأن المشكلة أكبر من أن تحل بالمقاطعة، يظل جلّ ما نتمناه من المواطن العراقي في الداخل الذي يود الذهاب للانتخاب أن يكون واعياً لما يدور حوله ويختار الأشخاص الصح، وأولاً وأخيراً كلنا أمل بأن يكون المقبل أفضل”.