الفوتغرافي أحمد مهنّا سمفونية الشهادة وأيقونة التحرير

612

محسن إبراهيم /

هو شريان الدم الذي يضخ الحياة في القلوب النقية، توشّح بعلم العراق وارتدى زيَّه العسكري بعد أن غادر ربطات العنق, تحنّى بتراب الوطن وقدّم روحه مهراً، واتخذ من السواتر بيتاً, مارس طقوس الحلم من خلال كاميرته.
تلك الطقوس التي لم تكتب على الجدران بعد, وعلى أسوار بغداد رقص رقصة الشمس, طرق على أبوابها, ورسم أحلامه بالحنّاء على جدرانها وسلّمها ألبوم صورها كعروس في ليلة زفافها، ليغسل ظلال الخوف عن شواطئ دجلة, ويمسك الحلم الشارد ليغنيا معاً ساعة السحر.
موعده ولادة أخرى وزمن قادم جديد, رقص ألف مساء ومساء وخلق عالماً جديداً بعدسته ليولد العالم بين يديه, حتى لامس ظلّه الغمام, هذا عهده بالنور الذي يرتِّل آيات الياسمين، فهذه الأرض لابد لها من قيامة, لابد أن تلفظ نارها وتنقش بإزميل عفّتها قصيدة ثورية في صخرة الصمت, ولابد لها من أن تلتقط صورة تحت نصب الحرية, لابد أن تضيء سراجها المعتم وتدفن فجيعتها. هو حارس من حراس الحلم وروح الأرض, يشدّه إلى الحياة حلمٌ من نوع خاص، حلمٌ لا يعترف بالمستحيل ولا يخضع لناموس الزمان والمكان, حلمٌ يستنشق رائحة الأهل ويتزود بإكسير الصمود والتضحية, حلمٌ يتلذذ برائحة الأماكن، ولايشدّه للأرض سوى الانتماء. هو من صنّاع الفجر الأحرار في ممارسة الحلم بصوت مرتفع، وفي الإيمان بحتمية شروق الشمس، يعزف سمفونية الحياة بأنامل الأمل، ويطبع على جبينه تاريخ النصر، فهو يوقن أن للحياة ألف أغنية وأغنية وتراتيل لايفقهها أحد.
(حين لا أبتسم أموت)
بتلك الكلمات كان أحمد مهنّا يخاطب أصدقاءه, ابتسامته التي لم تفارق محيّاه في أصعب الظروف، ربما كان يرى ما لم يره الآخرون، ربما كان يشاهد في الأفق بصيص أمل ومستقبلاً مشرقاً، لذا كان دائم الابتسام, وثّق بالصورة ما يحفر في ذاكرة الوطن والتاريخ، فهو الشاهد الدائم والشهيد المنتظر، لم يخشَ الخطر، إنما رافقه في معارك التحرير من داعش وسوح التظاهر، وهو لايملك سوى عدسته التي اتشحت بدمه فيما بعد، لم يكن إصبعه على الزناد، بل على كاميرا احتضنها وكانت الأقرب إلى قلبه.
يرسم بعدسته لوحة صورية تروي تفاصيل حكاية كاملة, يتميز بنظراته الثاقبة القادرة على إظهار التفاصيل الدقيقة، صورهُ تعكس كل ما يراه أينما كان، يملك حسّاً عالياً في التعامل مع الحدث وكأن صورهُ أخذت في أماكن خيالية, هدفه الرئيس خلق صورة مثيرة عبر استخدام ما يحيط به, يجمع الرؤية مع الإحساس ما يسمح له بالتقاط صورة بألف معنى وخلق مشاهد أو عالم جديد في العالم المعاش، فهو رغم تجربته مال إلى خلق تلك العوالم ليثير فضول المتلقي ليركز ويتعمق في مكنوناتها فضلاً عن التركيز والتحليل.
ولادة أخرى
ولدَ الشهيد أَحمد مهنا عام 1996، في ظروف معيشية صعبة ربّته والدته تربية صالحة زقّت فيه حب الوطن وطريق الحق، كبر يوماً بعد يوم وشقّ مشواره بصعوبة حتى بات رجلاً يعتمد عليه متحملاً مسؤولية عائلته ليعيش بكرامة، فكانت حياته صعبة، لأنه قد تهجّر من مكان ولادتهُ الى مكانٍ أصغر وحياة أصعب, عاش في بيت هو عبارة عن كرفان، قنوعاً بما قسمه الله له.