الكاردينال لويس ساكو: منذ فجر التاريخ ونحن نعيش على هذه الأرض الطيبة

1٬085

عامر جليل ابراهيم – تصوير :صباح الامارة/

تعتبر المسيحية ثاني أكبر الديانات في العراق بعد الإسلام، يتوزع أبناؤها على عدة طوائف ويتحدثون اللغة العربية لغةً أمّاً اضافة الى السريانية بلهجاتها العديدة وكذلك اللغة الأرمنية. احتفظت المسيحية في العراق، وعلى خلاف سائر الدول العربية، بطابعها الأصلي، فظلت مسيحية سريانية ولم تتعرب بنسب كبيرة كما حصل في بلاد الشام ومصر.

والديانة المسيحية مُعترَف بها حسب الدستور العراقي، ولهم قانون أحوال شخصية خاص بهم، ولهم أربع عشرة طائفة في العراق مسموح التعبد فيها.
تاريخياً أدّى مسيحيو العراق، خاصة السريان من يعاقبة ونساطرة دوراً مهماً في الترجمة والعلوم والطب خاصة خلال فترة الدولة العباسية، حيث ترجم المسيحيون من اليونانية والسريانية والفارسية، وتخرج من مدارسهم فلاسفة وأطبّاء وعلماء ومشرّعون ومؤرّخون وفلكيّون.

كما لمعت شخصيات في شتى المجالات، واقاموا في جنوب العراق قبل الفتح الإسلامي في مملكة (المناذرة)، وكان من أشهر ملوكها المسيحيين النعمان بن المنذر.

كذلك اشتهر العديد من الشعراء المسيحيين العراقيين منهم الشاعر عديّ بن زيد العبادي، صاحب البيت الشهير:

عن المرء لا تسأل وسل قرينه

فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي

الطب والترجمة

وفي العصر الحديث، برز الكثير من أعلام المسيحيين العراقيين، في مختلف المجالات، فقد ذكر الباحث الدكتور سعد سلوم في كتابه (الاقليات في العراق) على سبيل المثال العلامة والباحث واللغوي الأب إنستاس الكرملي، والأكاديمي والمربّي البروفسور متّى عقراوي أول رئيس لجامعة بغداد، والوزير والباحث والاقتصادي يوسف رزق الله غنيمة وابنه حارث يوسف غنيمة، وكوركيس عواد وميخائيل عواد في مجال التأليف والكتابة والأبحاث، والصحافي والسياسي روفائيل بطي ويوسف سلمان يوسف «فهد» (أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، وأحد أوائل من أُعدموا لأسباب سياسية)، والراهب المؤرخ ألبير أبونا، والأديب والشاعر يوسف الصائغ، ويعقوب سركيس مخطّط مدينة الناصرية، والكبيرتان عفيفة إسكندر وسيتا هاكوبيان، وسيدة المسرح ازادوهي صاموئيل والموسيقاران منير وجميل بشير ، والمخرج عماد بهجت، ونجوم كرة القدم عمو بابا ودوكلص عزيز وشدراك يوسف.

والمسيحيون يتميزون بأزياء فلكورية جميلة تختلف من منطقة أو قرية من مناطق تواجدهم عن الأخرى، تعكس طبيعتها وروح الحياة للسكان فيها، غالبا ما تكون بدلات النساء طويلة وذات أكمام تصل الى المعصمين، وتكون غنية بالزخارف، ويتم ارتداء الشال الموشح بالشرابيب فوق البدلة.

أما التفاصيل الدقيقة التي تتعلق بما يوضع على الرأس، وعدد القطع التي يتكون منها الزي فإن العراقيين اليوم على العموم يشتركون بطبيعة اللبس التقليدي، وهي مشتركات لا يختلف فيها العراقيون كثيراً.

أما الزي التاريخي للرجال فلا يختلف كثيرا عما كان يلبسه العراقيون اليوم فالدشداشة المستخدمة والشال، أو (العباءة) يمكن ملاحظتها في زي السومريين والأكديين والآشوريين.

هذا هو الزي الدارج بين أبناء العراق، خاصة ابناء العشائر وفي الريف، يذكر أن المسيحيين العراقيين في سهل نينوى يرتدون الزي التقليدي المستخدم في الجنوب العراقي، وهو (الصاية) والعقال والكوفية، وهو اللباس المنتشر في تلك المناطق.

واستكمالا لمشروع مجلة “الشبكة” التعريف بتنوع المجتمع العراقي كان لها هذا الحوار مع السيد البطريرك لويس ساكو رئيس الطائفة المسيحية الكلدانية للحديث عن الديانة المسيحية في العراق:

مسيح، مسيحي

* هل هناك فرق بين ان نقول مسيح او مسيحيين؟

– نعم هناك فرق كبير فالمسيح هو شخص السيد المسيح نبي الله، والمسيحيون هم اتباعه، فلا يصح ان تقول على المجتمع المسيحي هم من المسيح بل نقول هم مسيحيون.

* ما تاريخ المسيحيين في العراق؟

– يعتبر المسيحيون في وادي الرافدين من اقدم التجمعات المسيحية في الشرق الاوسط وقد دخلت جموع المسيحيين العراق نهاية القرن الأول قادمة من فلسطين هربا من اضطهاد الامبراطورية الرومانية واستوطنوا فيه لما فيه من تنوع في الموارد الطبيعية من اراض صالحة للزراعة ومياه وموقع ستراتيجي للتجارة، ومنذ ذلك التاريخ ونحن نعيش هنا في هذه الارض الطيبة.

* هل هنالك طوائف في الديانة المسيحية؟

– نعم هنالك اكثر من طائفة مسيحية، فالديانة المسيحية حالها حال اية ديانة اخرى لها اختلافها في تفسير كتابها المقدس لكن الايمان بالله واحد لايختلف عليه اثنان، والفرق بين الطوائف في الاجتهاد فقط، وعموما في العراق الدستور العراقي يعترف باربع عشرة طائفة مسيحية، وحسب انتمائهم للكنائس المختلفة ومنهم الطائفة السريانية الأرثوذكسية والطائفة السريانية الكاثوليكية والطائفة الأرمنية الكاثوليكية والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية وهم غالبية أرمن العراق وكنيسة المشرق القديمة و الكنيسة الآثورية وكذلك الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس والطائفة البروتستانتية الإنجيلية الوطنية والطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآثورية وطائفة الأدفنتست السبتيين وطائفة اللاتين الكاثوليك وطائفة الأقباط الأرثوذكس وهم من الجالية المصرية في العراق.

* ما التوزيع الجغرافي للمسيحيين في العراق؟

– المسيحيون منتشرون في كافة المحافظات تقريبا ولكن معظمهم يعيشون في بغداد والموصل والبصرة واقليم كردستان.

* ما الخارطة السياسية للمسيحيين في العراق؟

– المسيحيون لهم تمثيل في البرلمان العراقي وبخمسة مقاعد وعلى نظام الكوتا ونتمنى زيادتها على وفق الدستور العراقي الى خمسة عشر مقعدا على وفق نسبة عدد السكان والتي تصل الى مليون ونصف المليون مسيحي في العراق وخارجه.

كنائس

* ما أقدم كنيسة بالعراق؟

– هناك آثار كنائس في كربلاء والنجف اهمها كنيسة (الاقيصر) في كربلاء، اما الكنائس التي ما زالت موجودة على هيئتها الهندسية والمعمارية الاولى فهي كنيسة الطاهرة في الموصل.

* هل لديكم مجلس موحد للطوائف المسيحية؟

– هناك مجلس طوائف المسيحيين، وهو مجلس بروتكولي لا يلغي خصوصية الكنائس لأن كل كنيسة لها رئاستها وهناك لقاءات بين الحين والاخر لكن هناك مواقف وخطابات مشتركة ونحن بصدد تغيير التسمية وتوحيد هذا المجلس.

* ما وضع المسيحيين الآن؟

– كبقية العراقيين تعرض المسيحيون الى الاستهداف وتفجير اماكن عبادتهم في ايام الطائفية المقيتة التي مرت على العراق بعد 2003، وهذا الاستهداف ادى الى اشاعة فقدان الثقة والأمل بين المسيحيين واضطرهم للهجرة الى خارج العراق او النزوح الى اقليم كردستان حتى وصل عدد المسيحيين الذي بقوا في العراق بحدود نصف المليون، بدورنا نحن نشجع على البقاء في العراق لكن لا يمكن اجبار من هم في المناطق الملتهبة على البقاء، فهذه ارضنا وتاريخنا وتراثنا.

* كيف تحافظون على الإرث المسيحي في العراق؟

– هذا هو التحدي الأكبر فالكثير من كتبنا وكنائسنا قد دمرت وسرق ما فيها من مقنيات نادرة وحاليا بدأنا بجمع المخطوطات ونشرها وايضا بدأنا بحملة توعية وتثقيف للمسيحيين بالانتماء الى لغاتهم وتراثهم وتاريخهم.

* كتاب الإنجيل بأية لغة مكتوب؟
– غالبية الأناجيل مكتوبة باللغة اليونانية ويوجد انجيل مكتوب باللغة العبرية وهو انجيل (متى) ولكن في الاغلب المخطوطات التي ترجع الى القرن الثاني مخطوطة باللغة اليونانية وعموما هنالك ترجمات للانجيل بكافة لغات العالم.

طقوس

* ما هي طقوس غسل وتكفين الميت وكيفية الصلاة عليه؟

– هذه الاشياء هي مجتمعية وموجودة عند الكل، الميت يغسل ويكفن بكفن ابيض ولأننا نؤمن باليوم الآخر ونؤمن بالقيامة فالميت نصلي عليه صلوات خاصة وهنالك تراتيل نرتلها طلبا للرحمة للميت وتغفر له خطاياه، فرحمة الله كبيرة وهو الغفار.

* ما طقوس الزواج والطلاق؟

– لايوجد عندنا طلاق، زواجنا ابدي، والزواج عندنا مبني على الاتفاق وبناء عائلة، حتى في صلاتنا في مراسم الزواج نقول “بالفقر والغنى والصحة والمرض هذه زوجتك وهذا زوجكِ”، وعليه لايجوز للمسيحي ان يتزوج بامرأتين وحسب تقاليدنا فإن الله خلق امرأة واحدة ورجلاً واحداً هما آدم وحواء، لذلك نعمد الى إدخال الخطيبين في دورة تعليمية داخل الكنيسة لمدة شهر على الأقل، لإعدادهما إعداداً نفسياً وتعليمهما القيم الاجتماعية والأخلاقية، وتبادل الاحترام بينهما لتكون حياتهما مليئة بالمحبة والإخلاص وبذل النفس.

لكن هناك حالات تستوجب الطلاق، مثلا اجبار البنت على الزواج، بهذه الحالة نحن لانعترف بهذا الزواج ونعتبره باطلاً وفي تقاليدنا ان اي غش او اخفاء عيب خلقي او اية معلومة قبل الزواج عن الآخر يعتبر الزواج باطلاً وفي حالة البطلان يجوز للزوج الزواج من امرأة اخرى.

* نسمع كثيراً عن الأسرار السبعة فما هي؟

– يُقصد بها الأسرار المقدسة وهي مجموعة من الطقوس الغاية منها، وبحسب اعتقادنا، نوال نعمة غير منظورة بواسطة مادة منظورة وهي” سر المعمودية، وزيت الميرون والقربان المقدس وسر التوبة وسر مسحة المرضى وسر الزواج وسر الكهنوت” وكل سر وله طقوسه الذي يقوم بها رجل الدين.

* وماذا عن الصوم والأعياد في الديانة المسيحية؟

– نعم لدينا فريضة الصيام، فصوم المسيحي تعبير عن محبته لله ورغبته في التقرّب منه والتذلل والانكسار أمامه طاعة له، لقد التزم اليهود في العهد القديم بالصّوم كعلامةٍ على تمسّكهم بالله وكذلك الأمر في العهد الجديد، فللصّوم مكانةٌ هامةٌ في الإيمان المسيحي وفي حياة المؤمن بالمسيح، والصوم عندنا لايحدد بوقت معين من السنة وتُرك الامر للمؤمن الراغب في الصوم، والصوم الكبير عندنا هو بالامتناع أو إلامساك عن تناول الطعام أقلّه اثنتا عشرة ساعة في اليوم، يقضيها الصائم دون طعامٍ ودون شراب، هذه الفترة الزمنية تبدأ عادة من بداية اليوم وحتى انقضاء الاثنتي عشرة ساعة، ولكن هذه ليست قاعدة إذ يوجد مسيحيون يصومون وقتاً أطول.

وفي الافطار بعد يوم الصيام يتناول الصائم وجبة خالية من اللحوم او سمك او بقوليات ونشويات او حسب ما تحدده الكنيسة التي يتبعها الصائم.
اما بالنسبة للاعياد فنحن نحتفل بعيد الميلاد المجيد وعيد رأس السنة الميلادية والذي يصادف 31-كانون الاول من كل عام وعيد المعمودية وعيد القيامة وهنالك أعياد أخرى شهيرة تنتشر في الشرق والغرب مثل عيد العنصرة، التجلي, وميلاد مريم العذراء, وعيد ارتفاع الصليب، كما يحتفل المسيحيون، خاصة الكاثوليك الذين يؤمنون بشفاعة القديسين، بأعياد القديسين.

* ماذا يعني لكم صلب المسيح؟

– الصّلب هو حقيقة تاريخية ومعتقد ديني عند المسيحيين عامة، فنحن نؤمن بأن السيد المسيح صلب والله رفعه حتى يبعث حياً.

* ما الأمور المحرمة عندكم؟

– غالبية الديانات السماوية تعتقد بحرمة الكثير من التصرفات وهنالك مشتركات محرمة في هذه الأديان، وهذه المحرمات اكثرها هي بالضد من الضمير الإنساني، فالمجتمع الصالح والذي يحث على التربية الجيدة تقل فيه تلك المحرمات، ونحن كغيرنا لدينا محرمات كالسرقة والزنا والقتل وغيرها من التصرفات التي يرفضها الضمير الانساني.

أخيراً

وقبل ان نودع البطريرك لويس ساكو ختم حديثه معنا قائلاً: اتمنى على الدولة العراقية ان تهتم في برامجها بالتراث المسيحي وادخاله في مناهج التعليم للتعريف بالمسيحيين والديانات والقوميات المختلفة التي تعيش او عاشت في العراق، ودعم المبادرة الخاصة باصدار كراس يعرف العراقيين خاصة والعالم عامة بالديانات الموجودة في العراق بالتعاون مع رجال الدين المسلمين والصابئة والأيزيديين.