الكنيسة اللغز
يعرب السالم /
الطريق الى مقام النبي موسى عليه السلام طويل ومتعرج كأفعى ملتوية يصعد بك الى قمة جبل نيبو الذي آثر أن يحمل صليباً حديدياً معقوفاً بشكل قد لايبدو مألوفاً كبقية الصلبان، إذ تدور حوله القصص والروايات. جبل يخفي مئات الحكايا، نختار منها أقربها الى التصديق والواقع مأخوذين بالرقيمات الحجرية والطينية والأدلة الدينية كوثيقة نكشف بها السر عن هذا الجبل اللغز.
جبل نيبو هو مساحة شاسعة من المحبّة المُخضرة، تلتقي جميع الطوائف وكل الأديان عند قمته الخضراء، حيث تقودك التعرجات الى ارتفاع يجعلك ترقب بعينيك الصليب الملتوي والمعقوف وهو يتطاول شيئاً فشيئاً فتشعر برهبة المكان وقدسيته.
تبعد كنيسة جبل نيبو عن محافظة مأدبا بـ (10 كم) وتقع في الشمال الغربي من المملكة الأردنية الهاشمية. أما سبب التسمية فقد جاء في كتب المؤرخين أن الجبل سميّ بهذا الاسم نسبة الى آلهة التجارة عند البابليين (نبا أو نبو)، وورد اسمه في التوراة (1300 ق . م) بالنص كما هو مكتوب
(هذا جبل نبو الذي هو في أرض مؤاب…) كما جاء ذكره في مسلة ملك المؤابيين (ميشع) الذي عاش في القرن التاسع قبل الميلاد، كونه الجبل الذي دارت عليه رحى الحرب ولم تتوقف.
جبل كثر فيه العويل والبكاء ومازال صدى الحرب يرن في ذاكرة المكان، بل أن الهواء وهو يصفُر في أذنيك ينقل لك صوتاً موغلاً في القدم لاتجد له تفسيراً.
يسود الاعتقاد عند المسيحيين أن النبي موسى عليه السلام وقف مع قومه على هذا الجبل وتوفي ودفن فيه. لذا فالكنيسة المقامة على قمة الجبل هي ضريح النبي موسى عليه السلام، وكذلك تعتبر مزاراً وملتقى لكل الأديان والطوائف والمِلل.
تشتهر الكنيسة بالزخارف والأعمال الفنية المصنوعة من الفسيفساء والتي تعود الى عصور قديمة احتوت على أشكال متنوعة لأناس وحيوانات وطيور ومواد حجرية وفخارية قديمة. وقد تعرضت الكنيسة الى زلزال أخفى معالمها تماماً، ولم يبقَ منها سوى ركام الحجارة، الى أن تمت إعادة بنائها عام 597 م.
ومن العلامات التي تبدو واضحة على الكنيسة هو الصليب المعقوف الذي يبدو وكأن هناك أفعى التفت حوله إشارة الى عصا النبي موسى عليه السلام. كما أن هذا النصب الطاعن في التاريخ يرمز الى القوة، فهو مصنوع بشكل فني يجعلك تشعر بقوته.
ولأهمية جبل نيبو والكنيسة المقامة عليه، فقد اعتبره الفاتيكان من المناطق الخمس للحج المسيحي، وقد زار قداسة البابا هذه الكنيسة في عام 2000 وكذلك في عام 2005.
إن أبرز ما يميز كنيسة جبل نيبو هو أنها ملتقى حضاري وثقافي وديني وقداسي يجتمع فيه كل من يرغب بالتعرف على طبيعة الأديان ونقاط تلاقيها من خلال الرسومات التي توضح ذلك، فهو محطة للعابدين والنساك والزائرين والذين يسعون للتبرك بضريح النبي موسى عليه السلام، وهو محطة دينية تاريخية للتسامح والتراضي والمحبة بل مقصد الناس العليلين بمحبة الله، إذ وأنت تزور كنسية جبل نيبو فإنك تشاهد كل الأجناس وكل الأعراق وتسمع مختلف اللغات ويغلب على الجميع طابع التواضع والابتسام والانحناء للآخر تعبيراً عن الاحترام بين الأديان.
يبقى أن نشير إلى أن أغلب الكتابات التي عُثر عليها في كنيسة جبل نيبو هي الكتابة اليونانية القديمة وكذلك إشارات عبرية وكتابات ربما لم تفك رموزها لحد هذه اللحظة، وبالأخص تلك التي جاءت على شكل رموز ورسومات أشار الباحثون الى أنها ترمز الى الأهوال التي مرت بالمنطقة الجغرافية لجبل نيبو.