المعاقون مآس لاتنتهي!

1٬360

إيفان حكمت : ريا عاصي/

خلقت حروب العراق المتتابعة منذ عقود، والتي استخدمت فيها مختلف انواع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ذات الإشعاعات المحرّمة دولياً، جيشاً من المعاقين بدنياً، بلغ تعداده أكثـر من مليون ونصف المليون معاق وفقاً للأرقام الرسمية، وأكثـر من ثلاثة ملايين وفقاً لمنظمات غير حكومية محلية ودولية ومن مختلف الأعمار يعانون اوضاعاً شبه مأساوية، وتحيط بهم ظروف غاية في التعقيد.

هذه الشريحة الكبرى والمؤثرة اجتماعياً لم تحظ بعناية تتناسب وهمومها وتطلعاتها، لاسيما وأن اغلب فئاتها ممن قدموا تضحيات وطنية ينبغي ان تجد الاحترام والتقدير والعناية والتكريم.

“الشبكة العراقية” ألقت الأضواء على حياة المعاقين ورصدت جوانبَ مهمة من معاناتهم.

مستشفى الكاظمية

يؤكد أسعد سلمان (28 عاماً) الذي فقد ساقه بانفجار عبوة تحت مقعد “الكوستر” الذي كان يقلّه في الكرادة 2013 أنه وجد تعاملاً مهنياً وانسانياً من قبل طاقم مستشفى الكاظمية التعليمي بعد إصابته مباشرة.

ويوضح : ادخلوني دورة تعنى بكيفية التعامل مع ساقي بعد القطع وبعملية تنفسي -اذ ثقبت احدى الشظايا جدار رئتي-. لكن بعد ذلك تكفلت عائلتي واقاربي بي من مصاريف علاج طبيعي كما اني لم اتسلم ساقاً صناعية من مركز العلاج الطبيعي كون الساق يسرى وانا فقدت اليمنى، كما انها بدائية جدا وتسبب جروحا وتقرحات، لذا اشتريت واحدة من المخازن الأهلية. وحالياً نقوم انا وزوجتي بادخار جزء من رواتبنا كي اتمكن من شراء ساق صناعية معروضة في احد مراكز التأهيل في المانيا وهي متطورة ولا انوي زراعة ساق، فمع ان ذلك من الممكن الآن، إلا أن مبلغ العملية مكلف جدا لن اتمكن من سداده، انا وزوجتي نعمل في القطاع الخاص ولم اتلق اي تعويض مادي من الدولة لكن وضعي افضل من غيري.

دراجتي الهوائية

يفتقد أسعد كثيرا دراجتة الهوائية، فقد كان يتمتع في التجوال بها في شوارع بغداد.

يقول : في أحيان كثيرة لا اتمكن من التواصل مع اصدقائي لأن المقهى الذي يلتقون فيه ذو سلالم عالية، ولم أعد أتمكن من التسوق من كل مكان بسبب الأرصفة الحادة والشاهقة الارتفاع، لست وحدي من يعاني، فكبار السن كذلك لم تنتبه امانة العاصمة لهم واوصدت ابواب بغداد في وجوهنا.

مشكلات

يطالب فيصل كزار، الذي ابتلي بإعاقة دائمة نتيجة حادث دهس بسيارة سائق متهور، مؤسسات ودوائر الدولة بالعمل الجاد لحل مشاكل المعاقين الذين تزايدت أعدادهم في العراق.

ويقول في حديث لـ”الشبكة”: نعاني كثيرا خلال مراجعاتنا للدوائر الحكومية نتيجة غياب التنسيق بين الجهات الرسمية المعنية بمشكلات المعاقين، الأمر الذي يزيد معاناتنا دون ان نحصل على أبسط حقوقنا كما معمول به في دول العالم التي تولي هذه الشريحة أهمية خاصة على خلفية حقوقهم كمواطنين ومن منطلق التعامل الإنساني معهم، على عكس ما معمول به في بلدنا، حيث لم نحصد سوى تقديم المزيد من الشكاوى التي لا تجد آذانا صاغية من قبل الجهات المعنية لإيجاد حلول مناسبة لمشاكلنا.

موقف الجهات الرسمية

كان العراق قد صادق وانضم، قبل نحو اربع سنوات، الى الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة CRPD ، وأصبح ملزما بها وبتأسيس هيئة وطنية مستقلة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة. وشرّع مجلس النواب قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم 38 لسنة 2013، وتم إقراره ودخل حيز التنفيذ. بالرغم من ذلك لاتوجد داخل البرلمان أية آلية واضحة لمتابعة ما يشرعه من قوانين وكيفية تنفيذ الحكومة وتطبيقها لهذه القوانين.

على الرغم من ان القانون رقم 38 يتعارض مع بنود الاتفاقية الدولية من جهة استقلالية هيئة المعاقين عن الحكومة، لكنه اعتبر خطوة نحو الأمام وبادرة لحصول ذوي الاحتياجات الخاصة على حقوقهم الدستورية وفقا للمادة 32 من الدستور العراقي، ومع كل هذا فإن القانون بقي حبرا على ورق ولم تخطُ الحكومة اية خطوة عملية لتنفيذ القانون وتأسيس الهيئة الوطنية لرعاية المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.

قانونٌ منصف

المحامي علي شاكر مصاب بعوق ولادي في قدمه لم يمنعه من تحقيق طموحه في إنهاء دراسته الجامعية في كلية القانون ومزاولة عمله كمحامٍ. يقول انه نذر نفسه للدفاع عن المعاقين. ويضيف، في حديث لـ”الشبكة”، ان المشكلة ليست في القوانين المشرعة لمصلحة المعاقين، بل في تنفيذ تلك القوانين. ويشير الى قرار مجلس الوزراء رقم 10لسنة 2012 الذي يصفه بأنه أنصف المعاقين، حيث سمح القانون للمعاقين باستيراد سيارات محوّرة وإعفائهم من ترقين قيد سيارة قديمة مقابل الحديثة كما وجّه القانون وزارة الصحة بتهيئة أماكن وجناح خاص للمعاقين في المؤسسات الصحية وصرف العلاج للمعاق حسب حاجته الفعلية واستيراد الكراسي المتحركة ذات النوعية الجيدة مع مراعاة زيادة الأعداد وتسهيل الصرف وشمول العاملين في معامل صناعة الأطراف بمخصصات الخطورة لتعرضهم لغازات سامة مع توجيه وزارة الشباب والرياضة بمنح إجازات للأندية المخصصة للمعاقين مع إمكانية مفاتحة وزارة الإعمار والإسكان بشأن تخصيص نسبة من الطوابق الأرضية للمعاقين في المجمعات السكنية الجديدة إضافة الى توجيه باقي الوزارات بشأن الدعم الذي من الممكن تقديمه لشريحة المعاقين وإن اختلفت درجة الإعاقة.

حظيت ليلى عبد الله، متقاعدة حاليا اصيبت بتفجير داخل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية اثناء عملها، برعاية حكومية، اذ اوفدتها وزارة الصحة حينها الى الخارج لإجراء عملية واتضح ان كلفة العملية اكثر مما خصصته الوزارة لها ما جعلها تنفق من مدخراتها على تكملة العلاج. المضحك المبكي انها بعد مرور ستة اشهر وهي مقعده في الفراش احتسبت وزارتها ذلك تغيباً، وكاد الأمر ان يصل الى فصلها لو لا تدخل بعض المنظمات وتكليف احد المحامين بالترافع من اجل احتساب هذه الفتره خدمة لها واحالتها الى التقاعد.

تقول ليلى إن قصة الرعاية الناقصة انتهت سريعا ولم يسأل عني احد من المسؤولين في وزارتي بالرغم من انني اصبت اثناء العمل واشتريت كرسيا بعجلات على نفقتي الخاصة….

وزارة الصحة

وزارة الصحة اكدت مراراً، وعبر اكثر من متحدث رسمي باسمها، أنها تولي اهتماما خاصا بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، كونهم جزءا من المجتمع ولابد من تقديم لهم ما يعيدهم للانخراط فيه والمساهمة في بنائه.

واضافت ان معاناة المعاقين في العراق ماتزال قائمة، حيث ان عوقهم هو ثمن الولاء للوطن، وقد اهتمت بهم الوزارة عبر ثلاثة مسارات، تمثلت بالعلاج والتأهيل وإنشاء المراكز المتخصصة للمعاقين بالتعاون مع اكثر من جهة حكومية.

وكشفت ان الوزارة تعمل على إنشاء المزيد من مراكز التأهيل البدني في بغداد والمحافظات ومشاريع آخرى قيد الإنجاز، مع اهتمامنا بالجوانب النفسية للمعاقين وتخصيص مراكز تأهيل نفسي لهم، لذا صار لزاما علينا دعمهم وتسهيل احتياجاتهم .

مراكز التأهيل

فيما يذكر المعالج الطبيعي طه عيسى من مركز الحمزة التخصصي لتأهيل المعاقين في الكرخ “ان المركز يستقبل سنويا نحو ثلاثين الف حالة اغلبهم من المقعدين جراء عمليات الإرهاب وبعضهم كبار السن ممن تعرضوا لجلطات دماغية، ومع الأسف الشديد فإن بعض المرضى، لفقر ذويهم او لعدم وجود مساعدين لهم، لا يتمكنون من القدوم بصورة دورية تؤهلهم سريعا للتعافي وتخطي حالاتهم المرضية.”

ويذكر أن مركز الحمزة التخصصي لتأهيل المعاقين هو احد المراكز التخصصية التابعة لدائرة صحة بغداد الكرخ وهو معني بتقديم الخدمات العلاجية للمعاقين وعوائلهم ومرضى المفاصل والتأهيل الطبي فضلا عن العوائل النازحة في جانب الكرخ من العاصمة بغداد .

تمثيل برلماني

فقد الشاب نجيب عباس (27 عاماً) أصابع كفه اليمنى، كما فقد السيطرة على النطق في تفجير الحلة في آذار من عام 2007، ولم يتمكن الشاب الذي كان يمتلك “بسطية” لبيع الملابس من التواصل مع الآخرين نتيجة العاهة التي أصابته والتي أدت به الى التأتأة وعدم الوضوح في نطق بعض الحروف ولم يتمكن من مزاولة عمله مجددا، كما انه لم يجد حلا برغم مراجعة المؤسسات المعنية بضحايا العمليات الإرهابية ودوائر الشؤون الاجتماعية الخاصة بالمعاقين. يقول نجيب لـ”الشبكة”: لايعرف الألم إلا من “يكابده”، لذلك لا يشعر الموظفون الجالسون تحت أجهزة التكييف صيفا، والمدافئ شتاء بحجم معاناتنا نحن المعاقين. ويذكر نجيب، بألم، ان أحد الموظفين ضحك بصوت عال وهو يستمع الى تأتأته ، ما دعاه الى مغادرة الدائرة وعدم العودة اليها مجددا. ويقترح ان يكون الموظفون في الدوائر المعنية بالمعاقين من المعاقين أنفسهم، كما يقترح ان تكون للمعاقين حصة من المقاعد البرلمانية وفق نظام الكوتا، لأن أعداد هذه الشريحة، كما يقول، تتعدى المليوني معاق، ولك ان تتصوري هذا العدد الكبير مقارنة بعدد نفوس العراق، لذا من الضروري ان تمثل هذه الشريحة في البرلمان من أجل إسماع صوتهم والمطالبة بحقوقهم.

حق التعليم

في التظاهرات الأخيرة أثار شاب عراقي يدعى مصطفى ماهر، تعرض الى تفجير ارهابي في منطقة جسرديالى القديم ما اسفر عن بتر ساقيه الى ما فوق الركبة، الانظار لدفاعه المستميت عن حق المعاقين في التعليم.

لم يثنه الحادث الأليم الذي تعرض له عن مواصلة التعليم فأكمل دراسته حتى دخل الجامعة المستنصرية / كليه العلوم السياسية / وتخرج منها عام 2014، وبات طموحه اكبر من ذلك فقرر إكمال الدراسات العليا ولكنه فوجئ بقرار وزارة التعليم العالي بإعطاء مقعد واحد للمعاقين بشرط النجاح في التنافس. فصار يخرج كل جمعة مطالبا بالاهتمام بأقرانه ومنحهم مقاعد خاصة دون اشتراطات وذلك حسب قوله *الإرهاب أخذ ساقي فلا تأخذوا حقي في التعليم. *

رئيسة لجنة التعليم الخاص في هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة د.ابتسام عزيز علي قالت إن الهيئة تعمل بالتنسيق مع وزارتي الصحة والتعليم والمنظمات الدولية لتطوير طرق تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة للمراحل التعليمية من رياض الأطفال الى التعليم الثانوي والمهني وذلك عن طريق فتح دورات تأهيليه لتطوير كوادر التدريسيين، وتسعى الهيئة للحصول على مراكز ومدارس جديدة لتوفير التعليم لكافة الفئات العمرية من ذوي الاحتياجات الخاصة ولجميع الحالات .

واشارت الى ضرورة اشراك معلمي التربية الخاصة في دورات وندوات مكثفة من اجل تطوير قدراتهم وكيفية التعامل مع الطلاب من ذوي الإعاقة واختيار موظفين أكفاء للتعامل مع التلاميذ والطلبة من مرحلة الطفولة المبكرة.

اضافت: نفتقر للأبنية الصالحة والمعدّة خصيصا لذوي الاحتياجات الخاصة، لذا تسعى الهيئة الى إيجاد سبل وطرق لتسهيل اقامة ابنية ومنشآت خاصة لهم والدرب مازال طويلاً.

يذكر ان الهيئة تعمل على استحصال رواتب لمساعدي الحالات الخاصة وتتلقى معاملاتهم وشكاواهم آملة في حل ذلك بطرق قانونية او بالتعاون مع منظمات دولية وحكومية محلية.

أمانة العاصمة

جهد أمانة بغداد في الأعوام القليلة الماضية كان ملحوظاً نوعا ما لكنه لا يرتقي الى مكانة بغداد وعمرانها، ففي عام 1989 إبان الحكم الدكتاتوري تم افتتاح مدينة الذرى في الكرخ منطقة الرسالة واخرى في الزعفرانية، وكل مدينة كانت تحوي 150 منزلاً خصص لجرحى حرب الثماني سنوات والذين كانت تبلغ درجة اصابتهم 80 % ، هذه الأحياء كانت تلبي جميع حاجات هذه الشريحة من سهولة التنقل وسهولة استخدام المرافق الصحية كما كانت داخل هذه الأحياء مراكز طبابة وعلاج طبيعي، لكن حالة هذه المدن تدهورت بعد أحداث الطائفية واعوام التهجير في 2006و2007 وقسمت المنازل بشكل عشوائي ولم تعد كما كانت عليه حيث يشتكي اهلها من قلة الخدمات اليوم.

المجتمع المدني

تسهم منظمات المجتمع المدني بتقديم مساعدات الى المعاقين كالأطراف الصناعية وكل ما يحتاجه المصاب من عكازات ومقاعد خاصة وعُدد اخرى تقوم منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية منها بتوفيرها، إلا أن كمية هذه المعونات قليله امام الطوابير الكبيرة من المحتاجين لها.

يقول المتطوع علاء الخزرجي المقيم في المهجر:عند زيارتي لأهلي في العراق التقيت بأحد اقاربي الذي فقدت احدى بناته ساقها في تفجير وهي عائدة من مدرستها، ولتزايد الأزمة قمت مع مجموعه من محبي المساعدة بجمع التبرعات من الميسورين وشراء الكراسي والمعدات الحديثة للمعاقين إلا أننا نقوم بشرائها مستعملة كون سعرها غاليا جدا ولنضمن بنفس المبلغ توفير اكبر عدد ممكن ومن ثم نقوم بشحنها للعراق والحمد لله تصلنا من محافظات عدة الأولوية للصغار في السن ولجرحى الإرهاب.

وكما يقول المونولوجيست عزيز علي

الشك كبير والركعة زغيرة

بقي ان نقول ان حجم الكارثة كبير جدا ونحن نعيش داخل مجتمع يقيّم المظهر قبل الجوهر، العديد من الفتيات لا يتسنى لهن الخروج ومواجهة المجتمع بعوقهن بسبب العقليات والأعراف المتخلفة.

مازلنا ننظر لذوي الاحتياجات الخاصة بعين العطف دون ان نمكنهم من تجاوز عوقهم والعيش بصورة صحيحة.

ان رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ليست مسؤولية دولة وحدها بل انها مسؤولية كل مواطن في ان يربي ابناءه على احترام الآخر مهما كان اختلافه عنه وكيفية زرع الثقة في نفوس ابنائنا من ذوي الاحتياجات وعلينا ان نتعلم ان لا (نبحلق) طويلا في شكل ومنظر من اجتاز محنته وخرج بعوقه العاري دون ان يغطيه ليقول لنا ها أنا ذا.

رواتب لذوي الإعاقة

تؤكد المهندسة زهراء علي من دائرة الرصد في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان الوزارة تقوم بجرد ومسح ميداني مع فرق تابعة للمنظمات ووزارة الصحة ووزارة الدفاع لرصد اعداد ضحايا الحروب الأخيرة ولتسهيل عمل هيئة اعانة ذوي الإعاقة في تخصيص رواتب لهم ولمرافقي الجرحى والمعاقين، لكن تتعذر على الوزارة اقامة مشاريع جديدة حالية وذلك لعجز الميزانية ولعدم توفر تعاون حقيقي مع باقي الوزارات لذا يقتصر عمل وزارتنا اليوم على تسليم الرواتب والتي هي منح وكذلك بتسليم الأطراف الصناعية والكراسي وتسهيل عملهم .
وبينت زهراء ان الوزارة لها مخططات ومشاريع عدة اعدها قسم التخطيط ودائرة المشاريع لم ينجز منها اي شيء منذ عام 2013 لتوقف المشاريع وعجز الميزنية عن تغطية التكاليف وهي مشاريع لاتقتصر على ذوي الاحتياجات الخاصة فقط.