الوهم نصف الداء والطمأنينة نصف الدواء
أنسام الشالجي /
تنتهي سنة تبدأ أخرى، تماما مثلما نطفئ شمعة ونشعل أخرى.. إن فعل الإشعال لوحده تفاؤل، مهما كان السبب، نرفض الظلام أو نحاول إضفاء الجمال والرومانسية او نزيّن كيكة ميلاد او نطلب مرادا او نزف عروسا.
مع نهاية كل سنة، نحاول أن نراجع ما أنجزناه خلالها ونضع خطة للجديدة، لكن ٢٠٢٠ كانت سنة صعبة على الجميع ورغم صعوبتها التي اجتاحت العالم مع مواجهة جائحة كورونا، لكن قطعاً كان لكل منا إنجازا على الصعيد الشخصي وإن بدعم أحد أفراد الاسرة او صديق مرّ بأزمة صحية او غيرها. مسبقا أعرف أن لكل منا أسلوبه في الحياة ونظرته الخاصة إلى التفاؤل والسعادة والامنيات وتحقيقها، ورغم الاختلافات فإنَّنا لا بد وأن نتفق بأن للتفاؤل طاقة إيجابية كبيرة لتحمل المصاعب وتجاوزها وإبعاد خيبة الامل والإحباطات وسبق أن توصلنا في ورشة عمل سابقة كتبت عنها بأن اليأس ليس فشلا او تشاؤما إنما نقطة بداية جديدة..
الفأل
في أحاديث نبوية شريفة صحيحة، ينهينا المصطفى (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عن التطيّر الذي يعني التشاؤم ويحثنا على الفأل الذي جاءت منه الحكمة: (تفاءلوا بالخير تجدوه). واستعدادا للسنة الجديدة، لنبدأ من أنفسنا، آباء وأمهات او الافراد الاكبر عمرا في الاسرة، اولا، وسنكون قدوة لصغارنا الذين حولنا للتفكير الايجابي.. وخطوتنا الاولى والأهم لسنة جديدة، أن نترك خلفنا كل ما مرّ بِنَا في السنة الصعبة، وسبقتنا مجلة (تايم) الامريكية التي جعلت غلافها لعددها الاخير بسيطا وبليغا وكان وضع حرف (X) على (2020) .
عنوان الموضوع
يقول ابن سينا: (الوهم نصف الداء والطمأنينة نصف الدواء)، وابن سينا المولود في القرن العاشر الميلادي وإن كان طبيبا ماهرا ويعرف بـ (أبي الطب الحديث) الا أنَّه كان فيلسوفا كبيرا أيضا ومقولته المهمة هذه لا تعني المرض فقط إنما تنطبق على تفاصيل الحياة كافة، فالوهم طاقة سلبية تماما مثل التشاؤم بينما الطمأنينة كلها تفاؤل.. ففي الامراض المستعصية، السرطان مثلا، يكون الاطمئنان دواء فعليا وكذا الحال مع كورونا.. فكيف تكون أحوالنا إن تفاءلنا لغدنا؟
المعجزة
السيدة (مي..اسم غير حقيقي، محاسبة متقاعدة، ٥٥سنة) أصيبت بسرطان الثدي واضطر طبيبها المعالج إلى استئصال ثدييها الاثنين خلال خمس سنوات وبسبب العلاج، اضطرت إلى التقاعد المبكر وطلقها زوجها الذي رفض أن يعيش مع امرأة (ناقصة أنوثة) مما أدخلها في حالة من اليأس والحزن الشديد ليهاجمها السرطان مرة أخرى، قالت في ندوة عقدناها عن التفاؤل للسنة القادمة:
ثقتي بالله سبحانه جعلتني أثق بإرادتي وأن ألغي التشاؤم من حياتي التي لا تتوقف عند زوج جاحد او راتب تقاعدي بسيط وتذكرت والدتي (رحمها الله) كيف واجهت المصاعب بابتسامة دائمة وكانت تنجح في التغلب عليها وحمدت الله بأنني في الاقل أسكن في بيت ملكي، وتذكرت أيضا كان والدي وما يزال يقول لا يوجد قدح نصفه ممتلئ والآخر فارغ، إنما ممتلئ بالهواء الذي يعيننا على العيش..أخذت قراري بمواجهة المرض بابتسامة وبالتفاؤل بأن الساعة القادمة سأكون أفضل وبأن الغد بعون الله لي..
وبهذه الطاقة الايجابية استمرت مي تتعالج لسنتين وشفيت وأطلق عليها طبيبها المعالج لقب (المعجزة)..
ترددات
بينما قال (ابو سمير…مهندس، ٤٦ سنة) بأن الظروف التي يمر بها العراق قد تدفع البعض إلى اليأس، لكنه لم ييأس رغم فشله في مشروع وضع فيه كلما كان يملكه تقريبا، لكنه لم يغلق مكتبه الهندسي ولم يسمح لليأس او التشاؤم، استمر متفائلا وبدأ يقبل بمشاريع صغيرة كان لا يقبلها سابقا..واكتشف حقيقة أن للتفاؤل ترددات طاقة إيجابية لا تؤثر على الشخص المتفائل فقط، إنما تؤثر في كل الذين حوله..هذه الترددات جعلت ابنه الذي اضطر إلى بيع سيارته الخاصة أن يتقبل حياته الجديدة بدون رفاهية ودفعت بزوجته (المهندسة التي اختارت أن تكون ربة بيت) إلى فتح صفحة عالفيسبوك لبيع ما تصنعه في البيت من حلويات وأكلات..وبعد سنة ونصف من خسارته، تمكن أن يشتري بيتا صغيرا وسيارة.. وما يزال هو وزوجته وسمير متفائلين بأن الغد أفضل..
العفريت
هناك مثل نسمعه في الافلام المصرية يقول: (الذي يخاف من العفريت يراه أمامه)، وكل منا في داخله (عفريت تشاؤم) إن فسحنا له المجال ستحيطنا الطاقة السلبية مما تؤثر فينا وفي من حولنا، وإن ابتعد عنّا الآخرون، لن نلوم الا أنفسنا، ففي الظروف التي نمر بها، سواء مصاعب الحياة اليومية او الظروف الاقتصادية والسياسية او الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، لا بدّ أن نعرف الكلمة التي نستخدمها ولا بد أن نمتلئ ثقة بالله سبحانه وبطاقة التفاؤل بأن الغد أفضل كي لا نجد أنفسنا لوحدنا..