بمَ سيحكمُ عليّ القضاء؟

444

رجاء خضير /

الطيور المهاجرة تتخذُ من الاشجار ملاذاً لها, تبني أعشاشها فيها, تأكل من ثمارها وأوراقها, واذا ما غادرتها تركت كل شيء بأمانتها.. عدا طائراً غريباً عن السِرب, يفارق ويعود…يعود ليفارق, حتى تسقط من تحته أوراق خضر ليس في أوان سقوطها, ولكن هو يفعل ذلك وسط استغراب الجميع.. ما الذي يقصدهُ ولماذا؟

قد أكون بعيدة عما يحدث الآن في المجتمع, ولكني أراقب وأشاهد من بعيد.. وأكتفي ببصيص نورٍ ضعيف قد ينير الطرقات لي في الظلام!!
هذا ما قالته محدثتي (ر) وهي تسرد حكايتها لتكون عبرة لمئات من مثيلاتها، قالت: كنت الطفلة الوحيدة لوالديّ, لذا حظيتُ بالاهتمام والدلال الذي تتمناه كل بنت, فطلباتي مجابة من والديّ وقد كنتُ أبالغ في الدلال وأرفض الأشياء التي لا أحبها, فكانت أمي تعطيها لابنة أختها (م) اليتيمة التي كانت تزورنا كثيراً, أمي تحبها وتعطف عليها, كنت أحياناً أعاملها بلطفٍ ومحبة, وأخرى لا أطيقها، الأمر الذي نبّهني اليه والدي مرات عدة مذكراً إيايَ بيتمها وفقرها! ولم أكنأهتم بما يقول، ولا أعرف سرّ عداوتي لها!
دخلتُ الاعدادية وكنتُ متفوقة بين زميلاتي, كيف لا وأهلي ينفقون على تدريسي ملايين الدنانير, من أجل أن أحرز المعدل الذي يؤهلني لجامعة ذات مستوى جيد، ولسوء حظي مرضتُ في فترة الإعداد لامتحانات السادس الإعدادي, سافر بي والدي الى دولة قريبة للعلاج والاطمئنان عليّ, حيث اكد له الاطباء هناك أن لا شيء خطيراً يحدث معي باستثناء بعض الأمور الذي سأشفى منها، وهناك في المستشفى الذي كنت أُعالج فيه رأيته،.. إنسان وسيم وجذاب, كنت أراقبه خلسة خشية من والدي وبعد مراجعات عدة لنا في المستشفى, تقدم الى والدي وعرّفه بنفسه وبأنه عراقي أيضاً ويرافق أمه المريضة, تحدثا طويلاً عن الأمراض والتكاليف والعلاج و….و…., ومن يومها صارت لقاءاتهما يومية, وحينما تأكدنا من سلامة صحتي قررنا العودة, وتبادل والدي مع (س) العناوين واتفقا على اللقاء.
عُدنا الى الوطن وتركت قلبي هناك عنده, ولشرودي وصمتي الدائم سألتني أمي عما بي، فلم أقل لها الحقيقة وتعللتُ بالتعب!!
بعد مرور فترة ليست بالقصيرة والحديث لــ (ر) طُرقت بابنا, فتحتهُ فوجدت (س) أمامي الشاب الذي احببتهُ بصمت.. قال: هل سأقف على الباب طويلاً! اعتذرتُ وأدخلته وناديت على أبي: أبي لقد جاءك ضيف.
خرج والدي من غرفتهِ وفوجئ برؤيته وفرح واحتضنهُ, ثم جاءت أمي وسلمت عليه, جلس بيننا كأنه واحد من العائلة, وهنا انتبهت أمي على فرحي وسعادتي, حين خروجه من البيت وعدنا أن يزورنا هو وأهلهُ وعرفت ماذا يقصد!
دخلت أمي غرفتي وأمطرتني بأسئلة عنه! وعن عائلته وماذا يملك و….و….
صرختُ: أمي أنا لا أعرفه جيداً كي أجيبكِ, ولأريح تفكيرك، نعم أنا أرتاح له، بل أفكر فيه منذ عودتي من العلاج.
صمتت أمي وبدا عليها عدم الارتياح، وصمتُّ أنا أيضاً، ومرتّ الأيام وجاء هو وأهله وتحدثوا مباشرة عن رغبتهم في أن اكون زوجة لابنهم، فرحتُ كثيراً وكذلك والدي، لكن أمي طلبت منهم مهلة للتفكير والتشاور, وبعد خروجهم اعترفت لوالديّ بأنني أحبه منذ كنا في فترة العلاج، وتحدثت مع أمي طويلاً لإقناعها بالموافقة, طلب والدي من أمي أن تقنعهم بأسباب رفضها! فلم تجد ما تقوله سوى عدم ارتياحها لهُ، وتم كل شيء؛ الخطوبة والزواج والعيش في بيت جميل هدية والدي لي بمناسبة الزواج وأشياء أخرى ثمينة.
عشت بسعادة معه الى أن جاءت أمه لتعيش معنا لأنها تشاجرت مع ابنها الآخر الذي كانت تسكن عنده, ومذذاك بدأت مشاكلي معه! فهو يأخذ رأي أمه في كل شيء, في الخروج والشراء والسفر الذي حَرَّمتهُ علينا بحجة أنها تخشى البقاء وحدها, ومع الأيام تدهورت علاقتي بزوجي, كانت أمي ترى عدم ارتياحي للأمر, ولكنها لم تشجعني على الحديث عن أمه بالسوء, فهي أمه ولها حقوق عليه.
وتضيف (ر): مع الأيام زاد تدخل أمه أكثر مما أطيق، وفي أحد الأيام سمعتها تحثهُ أن يحدثني كي أسجل البيت باسمه وصدمتُ لطلبها هذا! والأغرب منها أنه اي (س) قال لها: سأقنعها بذلك فهي تحبني!!
ذهبت الى بيت أهلي وشرحتُ لوالديّ ما سمعتهُ منهما! طلب مني والدي التريث وعدم اتخاذ أي قرار بشأن زوجي فهو إنسان ذو اخلاق ولا يمكن أن ينصاع لطلب أمهِ، أما والدتي فقالت لي: أعرفتِ الآن سبب عدم ارتياحي لزوجك منذ اليوم الأول لرؤيتي إياه!!
وتوتصل (ر) حديثها: عدتُ الى بيتي لأجد زوجي بانتظاري وطلب مني أن يحدثني بأمر مهم، وكانت المفاجأة التي لم اتوقعها، حين قال لي: أنا تزوجتك لرغبة أهلي بكِ, أما أنا فأحبُ إنسانة أخرى، ودافع أهلي لهذا الزواج هو الحصول على المال، والحصول على بيتٍ من أهلك الميسورين الحال! عرفت ذلك من قريبة لكِ!
انا عازم على طلاقكِ ولكن بشرط أن تتنازلي لي عن هذا البيت، وهذا هو ثمن طلاقكِ! أنا عقدتُ قراني على من أحب!!
صرختُ به…وأنا…والطفل الذي يتحرك بأحشائي وحبي وإخلاصي لك!!
اسكتني بصرخة عالية: لا تتكلمي أكثر, وأبلغي أهلك بشروطي! اتصلتُ بأهلي فوراً الذين جاءوا مسرعين, وعرفوا ما أراد مني, وعلى لسانه بلا خجل ولا حياء من والديّ, أمه تسمع وترى كل شيء ولا تحركُ ساكناً: بل تشجعه.
اكمل حديثه (س) مع والدي الذي أمره أن يأخذ أمه ويخرج فوراً من البيت, امتنع (س) عن الخروج وهدد والدي بقتلهِ وابنته (أنا) اذا لم يوقعوا على تسجيل البيت باسمهِ, فقد أخرج من جيبه ورقة كاملة باستثناء توقيعي!
صرخ والدي به: إذن أعددت كل شيء للأمر! ضحك (س) واستدار نحو أمي وقال لها: إلا تسألين منْ سأتزوج؟ إنها قريبتكِ، ابنه اختك (م) اليتيمة! لقد أحببنا بعضنا وهي رفدتني بمعلومات كافية عنكم وعما تملكون! وهنا وقعت أمي مغشياً عليها, اتصل والدي بالإسعاف الفوري ونقلوها الى المستشفى وهناك عرفنا انها تعرضت لجلطة دماغية أفقدتها جميع الحواس, وفارقت الحياة بعد ثلاثة أيام.
تملكني أحساس بأن زوجي هو السبب في وفاة أعزُ الناس على قلبي أمي، وفضلاً عن خيانتهِ, خانتنا ابنة خالتي التي كانت أمي تحبها كما تحبني!!
لم يهدأ قلبي، وفكرت بالانتقام لأمي التي بوفاتها اسودّت الدنيا في عيني وبقيَ والدي مصدوماً بعدها! لأنتقم ممن كان السبب, وفي غفلة من والدي أخذت مسدسهُ وخرجتُ من البيت بحجة قضاء بعض الأمور ودخلتُ بيتي حيث كان (س) زوجي موجوداً هو وأمه وشخص ما في المطبخ, لم ينتبه الى وجودي إذ دخلتُ بالمفاتيح التي معي, دقائق وخرجت ابنة خالتي من المطبخ تحمل الشاي, وحينما رأتني فوجئت وسقطت من يدها أواني الشاي فانتبه زوجي وأمه وقبل أن يتفوها بأي حرف أشهرت مسدسي وأطلقت عليهم وابلاً من الرصاص لا أعرف كم عددها, ولم أعرف منْ مات ومن عاش! سلمتُ نفسي إلى مركز الشرطة واعترفت بما فعلته، وهناك عرفتُ أن زوجي (س) وأمه قد فارقا الحياة، أما ابنة خالتي فهي بين الحياة والموت.
اما أنا فأنتظر.. بمَ سيحكم عليَّ القضاء!؟