بيركليس: أشجع الشجعان سيهزم إن كان غبياً أو عنيداً!

884

ارشيف واعداد عامر بدر حسون /

قامت معركة الديمقراطية الأولى منذ ألفي عام في اليونان، حيث نشأ نظامان, ولبثا مئات السنين في حرب باردة يتحين كل منهما الفرصة للإيقاع بعدوه.
وقد كانت أثينا مهد الديمقراطية ورمزها، وكان كلينبتس الذي اشترك في طرد الطغاة عام 509 قبل الميلاد ثم أصبح زعيم العامة هو أول من قرر دستوراً شعبياً للانتخاب وحدد سلطات مجلس العامة، وكان الانتخاب يتم علناً وينعقد المجلس كل عام ويحضره كل أهالي أثينا..
وقد ظلت الديمقراطية الأثينية سيدة اليونان حتى قضى عليها جنوحها إلى الاستعمار والاستغلال، فقد تحولت أثينا إلى دولة استعمارية.. وظل العبيد فيها محرومين من كل الحقوق حتى تهيأت الفرصة للدكتاتورية فكالت لها الضربة القاضية..
وكانت أسبارطة رمز الدكتاتورية، وظلت التربية الأسبارطية عماد المستبدين في كل العصور، وكانت طقوسها صارمة عجيبة.. فقد كان الطفل إذا ما ولد يعرض على الكبار ليقرروا هل يربى أم لا، فيلقى به في العراء لتختبر قدرته على الحياة.. فإذا اجتاز الامتحان سُلم لأهله.. فيبقى لديهم حتى السابعة ثم ينتقل إلى الدولة لتشرف على تربيته تربية رياضية لا تحتل فيها الموسيقى او الفنون سوى المكان الثاني.
وإذا ما بلغ العشرين بدأ بالتدريب العسكري الذي يقضي فيه حياته كلها، إذ كان محرماً على الأسبارطي أن يشتغل بالتجارة أو الصناعة..!
وقد وصف بريكليس الديمقراطية الأثينية في خطبته التي ألقاها قبل أن تجتاج جيوش أسبارطة مدينته وتتم المأساة.. وهي مأساة أنقذه القدره من مشاهدتها، إذ مات قبل الفصل الأخير منها..
قال بريكليس:
“إن حكومتنا لبست ثوباً استعرناه من بلاد أخرى..
بل هي من أرضنا ونفوسنا..
ونحن نموذج لجيراننا جميعاً لأن حكومتنا الديمقراطية ليست في أيدي الأقلية وإنما هي في أيدي الأغلبية وقوانيننا تضمن العدالة لكل صاحب حق، والرأي العام عندنا يرحب بالنبوت ويكرمه في أي ميدان من ميادينه.. ونحن لا نوجه النظرات السود الخبيثة لجارنا إذا ما استمتع بحياته بطريقته، ولم يعتد على حق من حقوقنا.
“إننا نحترم القانون إذا ما حمى المظلوم، ونحترم أيضاً تلك القوانين غير المكتوبة التي تجلب العار على من لا يحترمها”.
“وإن ديمقراطيتنا ليست للمادة فقط، فقد أقمنا للروح أكبر المعابد، وإن الجمال الذي تتميز به مدنيتنا في كل شيء ليشرح القلب ويسر العين”.
“إننا نناقش ونجادل حول سياستنا ونؤمن أن ما يتم في السر مآله الفشل.. ونعد من نأى بنفسه عن الحياة العامة لا مواطناً مسالماً وإنما كمّاً مهملاً لا خير فيه”.
“إن أشجمع الشجعان هم الذين يعرفون مقدماً ما هم مقبلون عليه ويتدبرونه لا من يقتحمونه بغباء وعناد يكون مآله الهزيمة”.
ولم تكن خطبة بريكليس نوعاً من النفاق الذي آمن به صاحبه.. إنها أشبه بخطب تشرشل وروزفلت في العصر الحديث.
ولعل زعماء الديموقراطية الآن في حاجة إلى نسخة من هذا الخطاب!!