بي اف جي متعة الخيال

1٬337

مقداد عبد الرضا /

نحن اهل الحكايات المفعمة بالخيال، فاعمال مثل الف ليلة وليلة وتلك التي نسميها (التفتاف) والتي تعني تلك الحكايات التي تروى من افواه النساء , ومن له الرغبة بالاطلاع على الكثير من اعداد مجلة التراث الشعبي سيجد المتعة والخيال المفعم بالصورة الغرائبية ومسراتها والتي بالامكان لو اننا منحناها روح المعاصرة وطبعناها على الشريط السينمائي بخيال واسع لفاقت الكثير من حكايات العالم المرئي, لكن بالزبيبة عود .
ان كان رولاند دال مؤلف رواية (بي اف جي) والتي تعني العملاق الصديق الطيب (Big friendly giant),ان كان لم يطلع على حكايات الف ليلة وليلة ورحلات السندباد السبع ومغامراته مع العمالقة,فانه بالتاكيد قد اطلع على رواية جونثان سويفت(رحلات جليفر) والتي تشبه الى حد ما(تناصاً) مع رحلات السندباد, فالسيد جليفر كان قد سافر مرات عديدة حول العالم وفي كل مرة تتحطم سفينته وينزل الى جزر اما فيها اقزام او عمالقة كما هو حال سندبادنا, شخصيا غير ميال لمتابعة افلام ستيفن سبيلبيرغ لعدة اسباب,الاول ان اغلب افلامه تدخل في متعة شباك الصيف في امريكا وهذا يعني انها تشاهد في العطلة الصيفية,تذهب انت الى السينما من اجل ان تكون حاملا بيدك قطعة سندويج او آيس كريم,متعة المونتاج وحركة الكاميرا واللون واخيرا حكايات يكون فيها للفنتازيا المحور الرئيس,اما كيف حصل على جوائز عدة لفيلمه(لائحة شاندلر) فتلك حكاية اخرى,سبيلبيرغ ممتع كما الايس كريم لاكما الكتاب,او انني اتضامن مع الكبير اندرية تاركوفسكي حينما قال مرة (لو انني فكرت للحظة ان اصنع افلاما كالتي ينجزها ستيفن سبيلبيرغ لمت من الفزع),في جو يحيلنا الى قصص جارلس ديكنز والتي تحول البعض منها الى افلام, دار ايتام فتيات صغيرات والمشرفة عليه لها قوانينها الصارمة وصوفي الفتاة اليتيمة والعنيدة والتي لاتحب قوانين الدار(لاتغادري الفراش ابدا,لاتذهبي الى النافذة ابدا ,يمنع الحديث مع الاخرين),كل هذا تخرقه صوفي في ساعات الليل الاخيرة وحينما يهدا العالم يكون هناك اربعة سكارى يثيرون ضجة في الشارع تظهر لهم صوفي وتهددهم بالشرطة فيهربون,وفي تلك اللحظة بالذات تمتد يد ضخمة جدا تثير الدهشة لدى صوفي لتهرب الى السرير لكن قضي الامر فالعملاق الذي ياتي عند انتصاف الليل يجب ان لايكون قد رآه احد فهو عادة يختفي تحت البوق الضخم الذي يحمله معه دائما,يمد يده الكبيرة ويحمل صوفي الى نزله في الغابة والتي يعيش بالقرب منها مردة وعمالقة اكبر منه حجما,العملاق يدعى (بي أف جي) يقيم مع صوفي علاقة حميمة ويعرفها على مكانه الذي يعيش فيه واهم مايميزه تلك العلب الزجاجية الملونة والتي يحتفظ فيها بالاحلام التي يصطادها,صوفي تظل مندهشة طيلة وجودها في نزل العملاق وتكثر من الاسئلة ,نحن نعرف ان الحياة دون اسئلة لاتعد شيئا مهماً, فمن خلال تلك الاسئلة نعرف ان هناك مردة اشداء يعيشون بالقرب من نزل(بي أف جي)ولهم ارواح واشكال شريرة وحتى اسمائهم تحمل اشارات شريرة,مصاص الدم,ملتهم اللحم,وفعلا يهاجم احد المردة (بلود بتلر)النزل بعد ان شم رائحة جسد,تهرع صوفي للاختباء في قطعة خيار ضخمة رائحتها كريهة اعتاد(بي أف جي) ان ياكل منها,يلتهم العملاق قطعة الخيار لكنه يقذفها بسرعة مشمئزا من رائحتها وغير عارف بان صوفي تختبىء فيها,يصطحب(بي أف جي) صوفي في رحلة آسرة لاصطياد الاحلام والاحتفاظ بها,لكنه ومع اصطياده لتلك الاحلام الجميلة يصطاد كوابيس ايضا تساعده في محاربة المردة الاشرار,وفي مشهد طريف جدا حينما تشعر صوفي بالعطش يمنحها(بي أف جي) مشروبا اخضر اللون لكن مايميزه ان الفقاعات التي فيه تخرج من الاسفل وليس الى الاعلى ليخلق لنا مشهدا غاية في الطرافة بعد ان يشرب منه ( بي أف جي) , المردة يفسدون كل هذا الجمل والالفة التي نمت بين صوفي و(بي أف جي) ,يهاجمون النزل ويحطموه, اذا ليس هناك الا حل واحد هو ان تقوم صوفي بالاتصال بملكة بريطانيا للتخلص منهم,وفعلا بذكاء كبير تستطيع صوفي الوصول الى الملكة , ومن اجل الانتباه لوجودهما,يقوم (بي أف جي) بوضع كابوس في ذهن الملكة لتنهض فزعة من نومها لتجد صوفي في غرفتها بعد ان وضعها (بي أف جي) فيها,تحكي صوفي حكايتها للملكة التي صدقت كل كلمة قالتها لها ويحضر (بي أف جي) الى القصرليجهز له كل شيء عملاق وبعد ان يلتهم الطعام يهرع الى ذلك الشراب الاخضر الذي يجعل الفقاعات تخرج من الاسفل ليخلق لنا جوا من المتعة والضحك,تقوم الملكة بالاتصال بملك السويد وسلطان بغداد كي تتاكد من وجود المردة فياتيها الرد بالايجاب بان المردة قد جاءوا الى هذين المكانين وعاثوا فيه كثيرا, تهيء الملكة جيشا كبيرا وطائرات مروحية للقضاء على المردة وفعلا يتم لهم ذلك بعد معركة شرسة ابدى فيها المردة وعلى راسهم قائدهم الشرس آكل لحوم البشر,وكذلك ابدت الكاميرا وحركتها الذكاء لتخلق لنا جوا من الشغف والترقب، البشر في النهاية ينتصر ويحل السلام, وبأمر من الملكة يتم بناء بيت جميل للعملاق (بي أف جي) وفي لحظة الوداع الحميمة بين العملاق وصوفي, يعيد علينا المخرج ستيفن سبيلبيرغ حركة ظلت عالقة في اذهاننا ومخليتنا وكنا دائما نرددها مع الحركة, يمد (بي أف جي) اصبعه الى اصبع صوفي مودعا بكثير من الحنان والمحبة والالفة,المخلوقات المسالمة لديها القدرة على معاشرة حتى الكائنات الغريبة والكبيرة لو انها كانت تحمل في طياتها السلام , نجح سبيلبيرغ بخلق اشكال الشخصيات العملاقة وخاصة (بي أف جي)على الرغم من ضخامته لكنه حميم وكلذك صوته وطريقة سيره مذكرا ايانا بالكثير من هذه الاشكال التي تدخل القلب على الرغم من التشوهات التي تحملها مؤكدا على ان روح الكائن هي المسعى الذي يمنحنا الطمائنينة او العكس .