تأثير الغذاء في الذكاء والعاطفة

949

سارة سبنسر – ترجمة: آلاء فائق /

أكثر من ثلث البالغين الأميركيين يعانون من السمنة المفرطة، والإحصاءات متشابهة في أنحاء العالم كافة. امتصاص السعرات الحرارية الزائدة عن حاجة الجسم واعتماد نظام غذائي غير صحي له آثار كبيرة ودائمة على الإدراك والعاطفة، لا سيما أثناء الفترات الحرجة في نمو خلايا الجسم، وخاصة الدماغ.
طالما شكّلت السمنة شبحاً يقلق جميع الناس، لا سيما النساء، خوفهن من السمنة بمثابة هاجس يطاردهن طوال حياتهن، وذلك لتأثيرها السلبي على شكلهن ومظهرهن وجمالهن.
وتتعدد مضار السمنة على صحة الفرد ونفسيته وعقله، ففي الوقت الذي تجعل الفرد مكتئباً وغير واثق من نفسه، فهي تتسبب بالكثير من الأمراض كالسكري وضغط الدم، ولعل آخر سلبيات السمنة تأثيرها على ذاكرة الفرد، إذ ربط باحثون بريطانيون في دراسة مثيرة بين زيادة الوزن المفرطة وبين ضعف الذاكرة لا سيما المسماة بالعرضية.
الصلة بين السِّمنة والذاكرة
استندت الدراسة إلى مجموعة من الاختبارات التي أجريت على عيّنة من الأشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة. مؤشر كتلة الجسم لديهم كان يتراوح من “جيد” إلى “زيادة وزن طفيفة” وانتهاء بـ “سمنة”. وطلب منهم جميعاً إخفاء بعض الأشياء. ثم طلب منهم إيجادها بعد يومين. حصل الأشخاص المصابون بالسمنة المفرطة على أدنى العلامات والنتائج وكانوا في أسفل القائمة.
الفهم الواضح للعمليات المعرفية والإدراكية والعاطفية المستند إلى رغبة بعض الأشخاص في الإفراط بتناول الأطعمة يمكن أن يساعد في الوقاية والعلاج من السمنة بشكل أكثر فعالية.
تعزو البحوث العلمية أسباب ضعف الذاكرة لدى الإنسان لإفراطه في تناول الدهون الغذائية و أوميغا 3 والأحماض الدهنية غير المشبَّعة المتعددة، وكذلك عدم التوازن الغذائي، الأمر الذي يتسبب بحصول الالتهابات في عمليات نمو أدمغة البالغين وكبار السن على السواء.
الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبَّعة (MUFA) هي من الأنواع الصحية، تناولها يعوّض عن الدهون غير الصحية، كالدهون المشبعة والمتحولة. الدهون غير المشبَّعة تساهم بتوفير منافع صحية كثيرة لجسم الأنسان.
الحامض الدهني أوميغا 3 هو من الأحماض الدهنية غير المشبَّعة. وسميت هذه الأحماض بغير المُشبّعة لعدم مقدرة الجسم على تصنيعها ولذلك يجب الحصول عليها من المصادر الغذائيّة المتنوِّعة، وتشمل قائمة غذائية متنوعة كسمك السلمون، السمك المُرقَّط والسردين والروبيان والمحار وسمك التونة وبذور الكتّان والأفوكادو وزيت الفول السوداني والسبانخ وزيت الزيتون والمكسرات كاللوز والجوز والكاجو.
يساعد تناول الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبَّعة في الحد من خطورة الإصابة بأمراض القلب وتحسين وظيفة الأوعية الدموية، وتحافظ في الوقت نفسه على مستوى كوليسترول البروتينات الدهنية عالية الكثافة.
لكن رغم أهمية هذه الدهون، علينا عدم الأفراط في تناولها، نظراً إلى أن جميع الدهون، بما في ذلك الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبَّعة، تكون غنية بالسعرات الحرارية.
اتباع نظام غذائي خاطئ والتعرض للإجهاد يمكن أن يسببا خللاً وظيفياً في الإدراك العقلي مدى الحياة، وهناك إمكانية للتدخلات الغذائية المبكرة (على سبيل المثال المغذيات الدقيقة الأساسية) للوقاية من العجز الحاصل في الإدراك العقلي.
وبالمثل، فإن الاستهلاك الغذائي العالي الدهون يهيئ الحُصين (او قرن آمون أو حصان البحر، سمي بذلك لتشابهه مع حصان البحر وهو مكوِّن رئيس لأدمغة البشر والفقاريات الأخرى) لإنتاج استجابة التهابية عصبية قوية مقابل تحدٍّ مناعي معتدل، ما يسبب عجزاً في الذاكرة.
يمكن أن يسهم التناول المفرط لكميات الأحماض الدهنية غير المشبَّعة المتعددة والمتمثلة بـ أوميغا 3 في التأثير حتى على مسارات الـ endocannabinoid وهو نظام بيولوجي يتكون من مجموعة نواقل عصبية رجعية قائمة على الدهون، الأمر الذي يتسبب في حصول التهابات في مناطق معينة من الدماغ ما يؤدي إلى حصول تشابك في الحصين، يسهم بفقدان الذاكرة.
ليس ذلك فحسب، بل يبدو أن العواقب السلبية للبدانة بدأت تمتد بكل وسيلة لمركز خلايا الدماغ، ما يؤدي إلى تغيير الحامض النووي للخلايا نفسها. ثمة جينات معينة ضرورية جداً لحفظ الذكريات تبين أنها لم تعد تعمل بشكل مناسب. كما وجدت دراسة نشرت في مجلة (علم الأعصاب) الأميركية أن السمنة تحفز على حصول تغييرات جينية في ماهية الحمض النووي لخلايا الحصين ما يغير طبيعة وظيفته. الآن، ماذا يمكن للبدناء أن يفعلوا في هذا الشأن؟
قد لا يجد البدناء حلاً سوى ممارسة المزيد من التمارين الرياضية أو أنهم يلجأون لعمليات شفط الشحوم. على الرغم من أن ممارسة الرياضة يمكن أن تقلص حجم الخلايا الدهنية، غير أن عملية شفط الشحوم وحدها قادرة على إزالة الدهون من الجسم. ويتحرى العلماء بهذه المسألة الجديدة عن طريق إجراء تجارب على الفئران البدينة والفئران ذات الوزن الطبيعي. الممارسة اليومية للتمارين الرياضية تسهم كثيراً في خفض دهون البطن وإعادة هيكلة وظيفة الدماغ، لا سيما على المستوى الخليوي ما يؤدي إلى تحسين الذاكرة بشكل كبير. ويؤدي شفط الشحوم القياسي لنتائج مماثلة لتلك المحرزة عن طريق ممارسة الرياضة بجهاز المشي والمعروف بـ treadmill. وبينت الدراسات أن زراعة الدهون في الفئران الصحية وذات الأوزان الطبيعية يؤدي لانخفاض أداء الذاكرة لديها، أي أن الفئران ستصبح غبية.
كما يسهم استهلاك الفواكه والخضراوات الغنية بالبوليفينول في منع العجز المعرفي المرتبط بالتقدم بالعمر عبر خفض التوتر المؤكسد وتقليل الالتهابات. يعد فهم العلاقات بين النظام الغذائي والإدراك والعاطفة ضرورياً لمنع أو تخفيف حدة الأمراض العصبية المرضية لدى الأفراد الذين يعانون من فرط السمنة.
مساوئ السمنة الأخرى على عمل المخ
ثبت في وقت سابق أن للسمنة آثاراً وخيمة في عمل المخ من نواحٍ عدة. فهي تؤدي لاختلال عمل المنطقة المسؤولة عن التذكر والتعلم، كما أنها تسهم في إضعاف عمل المنطقة الخاصة باتخاذ القرارات وحل المشاكل، وأخيراً ثبت أنها تؤثر بشكل سلبي كذلك على المنطقة المسؤولة عن المشاعر.
اليوم، هناك مجموعة هائلة من الأدلة العلمية عبر مجموعة واسعة من التخصصات الطبية تجادل بقوة بأن السمنة تضعف الوظيفة الإدراكية كلياً، وتٌسرع من شيخوخة الدماغ، وفي نهاية المطاف السمنة مسؤولة عن كثير من العمليات التي تقتلنا. توفر هذه الدراسة الحديثة الآليات الكامنة وراء العلاقة بين السمنة وضعف قدرات التعلم والذاكرة.
لحل هذه المعضلات، تواصل مجموعة من الباحثين المتخصصين بحوثهم للوصول إلى السبل الكفيلة بالوقاية من هذه الآثار السلبية أو التخفيف من حدتها على الأقل.

عن موقع نيجر