تحية كاريوكا تصحح المعلومات: لست خريجة كلية الطب وأقاربي حلقوا رأسي ورموني من السطح!

751

ارشيف واعداد عامر بدر حسون/

وصلت الراقصة المعروفة تحية كاريوكا من الآستانة الى مصر هذا الاسبوع لأمر خاص وحينما وصلت قابلت أحد مندوبي الصباح وقالت له: لقد ادهشني ان احدى الزميلات نشرت حديثا لي عن تاريخ حياتي وكيف اصبحت راقصة.. فقالت عني انني متخرجة من كذا.. ومن كذا.. وان والدي كان صفته كذا.. ولما كان في هذا الحديث كثير من المغالاة أو الوقائع التي لا أصل لها رأيت ان اذكر هذا التاريخ بحقيقته على صفحات الصباح الغراء…

لم أكن من خريجات كلية الطب… أو الفرير.. أو المدارس العليا… ولكني فتاة فقيرة عشت طول حياتي عيشة متواضعة تخللها الألم وصنوف التعذيب!

كنت طالبة في مدرسة امريكية ببور سعيد ولم استمر فيها اذ اتضح انها وجدت لتنشيط حركة التبشير.. فانتقلت الى مدرسة اولية في الاسماعيلية هي مدرسة السلام وقضيت فيها أربع سنوات.. ثم فوجئت بوفاة والدي فكانت هذه أول صدمة لي في حياتي وانا مازلت في مقتبل العمر.. وكنت أظن أن وفاة ابي سوف تجعل من أبناء الأسرة قلوبا رحيمة ولكن لم أر أمامي الا جحيم الحقيقة بعدا عن نعيم الخيال.

تنقلت بين بيوت الأسرة كلها، فكنت لا أجد من أحدهم عطفا.. وكل ما أراه تعذيبا في تعذيب حتى ضقت ذرعا بهذه الحياة وحاولت الهروب ولكن ما ان عرفوا هذه النية مبيتة من جانبي حتى ازدادوا في تعذيبهم وقسوتهم لي وبلغت بهم وحشيتهم احدى المرات ان حلقوا لي رأس شعري وقذفوا بي من (فوق السطوح) يقصدون قتلي ولكن كتب الله لي بعد هذا الحادث عمرا طويلا اذ تلقاني الجيران وجعلوني اعيش عندهم ثم استردوني من جديد وكنت اظن انني بعد هذا سأكون في هناء وسعادة.. ولكن ازدادت الآلام عن ذي قبل.. وكبلوني من يدي وقدمي وكانوا لا يفكون قيدي الا من أجل (مسح البلاط) أو تنظيف الأساس!!

اريد ان أهرب ولكن الى أين اذهب واين أعيش!!

فكرت في هذا طويلا واخيرا وقع نظري على اسورة ذهبية في يدي من زمن، واخذت اتحين الفرصة للتنفيذ حتى قمت في الصباح المبكر في احد الأيام واخذت اجري نحو بلد تسمى (ابو صوير) وانظر خلفي بين كل آونة وأخرى إذ كنت اظن ان كل الانظار متجهة نحوي فوصلت الى (ابو صوير) وبعت الاسورة الذهبية وقبضت ثمنها وركبت من (ابو صوير) الى مصر..

كان هذا أول عهدي بالقاهرة ركبت في عربة وقلت لـ(العربجبي)

-سوق ياأوسطى

-على فين؟

-على صالة سعاد محاسن!

سيسأل الناس.. ولماذا اخترت صالة سعاد محاسن؟.. فاقول لهم انها كانت قد حضرت الى الاسماعيلية وتعرفت بوالدي وطلبت اليه أن يسأل عنها حينما يكون في مصر.. فأردت ان أسأل انا عنها بالنيابة عن والدي وفي شارع عماد الدين وقف (العربنجي) أمام صالة ظننت انها صالة عماد محاسن.. وكان يجلس على الباب البيانست محمد افندي الدبس فسألته:

-اليست سعاد محاسن هنا.. فقال:

– لا.. سعاد محاسن في الشام وكانت هذه صدمة جديدة واخرجت منديلا وأخذت ابكي فأخذ يسأل عما يبكيني فذكرت له الغرض من حضوري الى مصر وانني أردت ان أبحث عن عمل حتى ولو (خدامة) كي استطيع ان أعيش بعيدة عن أسرتي بأي حال..

واثناء ذلك حضرت الراقصة لولا سالم وسمعت قصتي فأشفقت علي واخذتني الى المكان الذي عرفت فيما بعد ان أسمه (الكواليس) ووضعت لي (تواليت) وقدمتني الى الأختين رتيبة وانصاف رشدي فعملت في صالتهما (ارتيست) بمرتب قدره خمسة جنيهات.. هذا الراتب الذي فرحت به حينئذ فرحا عظيما وكانت لولا سالم تأخذني عندها في المنزل فتعطف علي وتعطيني فساتينها لالبسها.. فبدأت أحس بحياة جديدة وان كانت حياة لا شيء بالنسبة للحياة التي أنا فيها الان.

وبعد صالة رتيبة وانصاف رشدي حضرت السيدة سعاد محاسن من الشام وافتتحت صالة صيفية بكازينو الكرونا بالأسكندرية فعملت عندها ثم عملت في فرقة بيا.. ثم في فرقة بديعة ثم في الكيت كات..

هذه حياتي كما هي على حقيقتها لا مغالاة فيها ولا تغيير ولعل في هذه الحياة عبرة لمن لا يعتبر..

مجلة الصباح 15/10/1937