تراتيلُ مندائية

1٬210

باسم عبد الحميد حمودي /

المندائيون في العراق اليوم, هم معتنقو ديانة الدين الثالث في العراق بعد المسلمين والمسيحيين. وديانتهم من أقدم الديانات الموحّدة في تاريخ الأديان. هم من أحناف الجزيرة العربية قبيل ظهورالإسلام ومن أقطابهم (ورقة بن نوفل) و(سلمان الفارسي)، قبيل إسلامه.
وينتشر المندائيون العراقيون اليوم في العراق حول نهر دجلة, في مدن بغداد والعمارة والبصرة والبلدات المجاورة للأنهر, والبعض منهم يسكن الضفة الشرقية من شط العرب. لكن عددهم في العراق تناقص من مليون الى مئة ألف بسبب الهجرة والانتشار في بقاع الارض, رغم حبهم لوطنهم وإيمانهم به.
يؤمن المندائيون بنبوة يحيى (عليه السلام) وآبائه بدءاً من آدم وابراهيم الخليل عليهما السلام.
هاجر الصابئة المندائيون, في أحد الآراء، من فلسطين في القرن الأول الميلادي الى العراق وإيران بعد اضطهاد اليهود لهم, حيث وجدوا الأمان لعبادتهم المرتبطة بالمياه الجارية حيث يقومون بـ(الارتماس), وهو واحد من ممارساتهم الدينية في الأعياد والمناسبات, في الولادة والزواج والوفاة، أي ما يسميه علم الفولكلوربـ(دورة الحياة). ويعتبر المندائيون الماء ضرورة دينية لأنهم يرتمسون به ,إضافة الى كونه ضرورة حياتية.
(الكنزا ربا) كتابهم المقدس مع كتب أخرى
كتاب المندائيين الأساسي هو كتاب الكنز العظيم (الكنزا ربا) أو كنز الرب, لكن لهم كتباً أخرى للترتيل والتعبّد وتأدية الطقوس الدينية ومنها-كما جاء في كتاب رشيد الخيون في الأديان والمذاهب- كتاب الأنفس(سيدرة أدنشماته) وكتاب (النياني) وهو كتاب ترتيل وأنشاد وكتاب (القلستا) أي أصول الزواج, وكتاب (ترسو الف سيالة) ويعني العنوان (اثنا عشر ألف سؤال ) اضافة الى كتاب (تعاليم يحيى) الذي جمع داخل الكنزا ربا, مع كتب أخرى.
حبر الكتابة المندائي
يكتب كهنة الديانة المندائية كتبهم المقدسة باللغة الآرامية وبحبر خاص ومقدس, قبيل أن تقوم المطبعة الحديثة برسمه وتكوينه طباعياً.
وللأهمية أقول إن رجال الدين المندائي كانوا لايسمحون لسواهم بالاطلاع على النصوص المندائية المدونة بحبرمندائي يسمى (ديوثا)،
ولكل كاهن حبره الخاص الذي يحفظ على شكل بلورات تذاب في الماء عند البدء بالكتابة، كما يذكر سليم برنجي في كتابه (الصابئة المندائيون).
وطريقة تحضير الحبر المقدس تتم بمزج الغراء الخاص بماء النهر ويترك الى أن يذوب فيه, ثم يغلى المزيج الى درجة التبخر مدة ستة ايام. ويقوم الكاهن بعد هذا بسحق المزيج وخلطه بمسحوق الفحم بنسبة مثقال واحد من الفحم الى خمسة وعشرين مثقالاً من الغراء لمدة 4-5 أيام. وبعد أن يصبح المزيج عجينة يغلى مرة أخرى ليتحول الى بلورات بعد التبخر,
وعند استخدام حبر الكتابة المقدس يتلى عليه دعاء(أسوثة –ملكه) أي (صلاة التسليم).
من تراتيل (المصبتا)
لايكون المندائي مندائياً إلا إذا عمِّد بالماء وفق أصول وتراتيل خاصة, والتعميد هو (المصبتا) باللغة ا لمندائية –الآرامية, ويتم بقراءة نصوص من كتاب الأنفس (سيدرا أد نشماتا)، وعلى الكاهن القيام بالتعميد الذي يتكون من ثلاث غطسات في الماء الجاري, وثلاثة ارتماسات لجبهة المتعمد بالماء مع تفاصيل أخرى.
وللمصبتا – التعميد, أنواع: انفرادية وعامة, تختص بالكهنة أو بأفراد الديانة, ولكل حالة طقسها الديني الخاص وتراتيلها, لكننا هنا نستعين بالتراتيل الواردة في كتاب (التعميد المندائي ) الذي ترجمه عن المندائية الشيخ رافد الشيخ عبد الله الشيخ نجم لما فيها من نفحات روحية شعرية تستثير القارئ العام.
نصٌّ لتطهير النفس
أنت أتيت, أنت اتيت وليس غيرك يأتي أحد
وبنورك يشعر الفرسان بالخوف
وبضيائك تتخلل الممالك والبوابات
ومن رؤيتك يغيّر الماء الجاري مجراه
وترجع أمواج البحر
وجزر البحر تلقى الاضطراب
وينشق أرز لبنان
وتهتز الجبال وتقفز مثل قفزات الأيّل
++++++
عندما رفعت روح الشر(روها) صوتها
وصرخت عالياً
لماذا خلقتني يا إلهي
لماذا جعلتني بعيدة وقطعتني وتركتني في أعماق الأرض
الكل نهضوا وصلّوا
وغنّت أصواتهم للبهاء الواسع
والضياء الذي يفوق كل الأضواء
أخذني وعمّدني بالماء الجاري
باسم الحي
ما الذي فعله أبوك من أجلك أيها الإنسان
في اليوم العظيم الذي به ولدت؟
أخذني وعمّدني بالماء الجاري
وصعد الى الشاطئ فقوّمني
كسر الخبز المقدس (بهثا) وأعطاني
ووضعني بين ركبتيه
ونطق علي اسم الحي العظيم
وتسلّق الجبل أمامي
ناداني بصوت عالٍ كي أسمعه
قال
أذا كانت لديك قوة أيها الانسان فتعال
رفعت عيني الى السماء وتطلعت الى دار الحياة الأبدية
وتسلّقت الجبل وما وقعت
وأتيت فوجدت حقيقة ذاتي
وبعد
إن نصوص التعميد المندائية غنية بالعاطفة والخوف والحب والدعوة الى النقاء والسعي الى طمأنينة العالم الذي تحرسه الروح الإلهية السامية.