تعليم البرمجة للأطفال مدخل إلى التقدم العلمي

987

رفاه حسن /

مع التسارع العلمي والتقني الذي شهدته العقود الأخيرة، دخل العالم في مرحلة جديدة، وأصبحت التكنولوجيا هي شريان الحياة النابض والقطاع الأول المسيطر على كل القطاعات الاقتصادية والعسكرية وحتى الحياة الاجتماعية، إذ أصبح التعامل مع التقنيات المختلفة حاجة ضرورية يومية في حياة الأفراد والمؤسسات وحتى الحكومات، ولقد شمل ذلك الأطفال فأصبحت سلوتهم الوحيدة والأثيرة هي الولوج عبر الأجهزة اللوحية الذكية إلى عالم غير محدود من الألعاب والتطبيقات، الأمر الذي جعل الآباء في أشد الحاجة الى مراقبة أبنائهم ومتابعتهم بحرص لضمان سلامة أفكارهم وأخلاقياتهم، لذلك وجب البحث عن أنسب الطرق لترشيد الوقت الذي يقضيه الطفل على الأجهزة الذكية، ومحاولة استغلاله في تنمية مهارات ربما تكون بوابة يدخل الطفل من خلالها الى عالم آخر، ولا سيما أن هنالك مخاوف كثيرة بصدد إدمان الأطفال استخدام الأجهزة اللوحية، وقضاء الكثير من الوقت معها، ما قد يؤدي الى إصابة الطفل بالكثير من الأمراض النفسية والجسدية نتيجة لذلك. من هنا يصبح من الضروري طمأنة الآباء إلى أن ثمة كثيراً من الطرق لاستثمار الوقت الذي يقضيه الأطفال في نشاطات مماثلة، وتجنيبهم الإصابة بأي نوع من الأمراض، ومن أهم الطرق التي يمكن اعتمادها في هذا الموضوع؛ تعليم البرمجة للأطفال، ولا سيما أنها تعد أوكسجين القرن الحالي، ومن المهم جداً أن يكون الفرد ملماً بأساسياتها على الأقل ليتمكن من التعامل معها والسيطرة عليها بالشكل الأمثل. والبرمجة هي سلسلة من الأوامر التي تُصاغ في خطوات تعطى إلى الحاسب الإلكتروني بغية حل المسائل سواء أكانت رياضية أم إحصائية أم إدارية أم اقتصادية، ومعالجة البيانات بأقصى سرعة وأعلى دقة.
وفي البرمجة ثمة لغات عدة، تتشابه بعضها في الأساسيات البرمجية ذاتها، وتختلف في خصائص معينة حسب الحاجة التي وجدت لأجلها هذه اللغة أو تلك، والهدف من وجود اللغات هو تسهيل التواصل بين الإنسان والآلة.
وبناءً على مفهوم إعداد قادة المستقبل وتطوير إمكانيات الأجيال القادمة لمواكبة التطور التقني السريع الحاصل في العالم، انطلقت مبادرات ونشاطات عدة لتعليم البرمجة للأطفال حول العالم، وركّزت تلك المبادرات على صناعة برامج وتطبيقات في صيغة ألعاب تُعلّم الطفل التفكير المنطقي وكيفية حل المشكلات وتصحيح الأخطاء، وتقسم على مستويات حسب أعمار الأطفال، فلكل فئة عمرية ألعابها المناسبة التي تقدم أفكاراً تناسب عقلية الطفل ومدى استيعابه. ومع تقدم الطفل الى مستويات أعلى يتم تعليمه كيفية صناعة ألعابه بنفسه، وفي كل مرة ينجح الطفل في تحقيق الهدف تزداد ثقته بنفسه ويبدأ في ابتكار أفكار لألعاب جديدة، ولا سيما إذا كان ذلك بتشجيع مستمر من الآباء لأطفالهم وتحفيزهم على إنجاز المزيد، إذ ستكون لهذا الأمر نتائج مذهلة. يقول عالم النفس التربوي الدكتور بنيامين بلوم: “يجب أن نلتفت إلى أنَّ هذه التكنولوجيا ستساعد الأطفال على التعلم، فقط إذا كان الأهل والمعلمون متعاونين معهم، فكل مهارة تحتاج الى تنمية”.
لقد اهتمت دول العالم الكبرى بمجال تعليم البرمجة للأطفال على نحو خاص، فلقد أطلق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مبادرة من البيت الأبيض بعنوان ABCode تهتم بتعليم البرمجة للأطفال، ليس في أميركا فقط، ولكن في كل أنحاء العالم، كما أطلقت جامعة الراسبيري باي برنامجاً تدريبياً تحت عنوان”Code Club” لإنشاء نوادٍ للبرمجة في المدراس وتدريب الملاكات التدريسية على المنهج البرمجي المناسب للفئات العمرية المختلفة للأطفال، ومن أهم فوائد هذه النوادي، فضلاً عن تعليم البرمجة، بناء روح الفريق والتعاون والمشاركة بين الأطفال.
لقد كان للعراق نصيب طيب من هذه المبادرات، فمنذ عام 2016 بدأت تظهر كثير من المبادرات الشبابية العراقية لتعليم البرمجة للأطفال ومنها مبادرة coding for kids المجانية التي اضطلع بها الناشط في هذا المجال علي الزبيدي الذي بدأ في تعليم البرمجة لابنه الصغير، وانطلق من تجربته الشخصية تلك لينشر التجربة في عموم العراق، وهنالك من نقل تجارب عالمية إلى العراق كما فعلت الدكتورة نادية علي في نقل تجربة “Code Club” الى محافظة ميسان وانطلاقاً منها الى سائر المحافظات، ولا ننسَ أخيراً المهندسة الشابة بتول حسين التي نقلت تجربة ABCode من البيت الأبيض الى العراق، حيث أقامت عدة ورش في بغداد والبصرة لتعليم البرمجة للأطفال أثناء فعالية “hour of code” ساعة من البرمجة.
وأظهر العراق في الآونة الأخيرة اهتماماً واضحاً في مجال تعليم البرمجة للأطفال، إذ انطلق الكثير من الفعاليات المجانية والربحية التي تستهدف المدارس الأهلية لتعليم الأطفال البرمجة، وأبدى الأطفال من جانبهم تفاعلاً رائعاً مع موضوعات البرمجة في أعمار مبكرة، ولقد أظهرت هذه النشاطات مدى وعي الأهالي بأهمية تعليم أطفالهم البرمجة في أعمار صغيرة، وسعيهم لتنمية مهاراتهم واستغلال أوقاتهم في عمل نشاطات مثمرة يكون لها تأثير كبير على حياة الأطفال على المدى البعيد.