تغيير المناهج بين مواكبة التقدم وعدم الاحاطة بقدرات الطلبة

1٬882

 رجاء الشجيري/

بين مفهوم (بناء) المنهج ومفهوم تطويره ثمة اختلافات واسعة، فتصميم المنهج يبدأ من نقطة الصفر، أما تطويره فيعني الوصول به إلى طموحات جديدة، ومع هذا تشترك عمليتا بناء المنهج وتطويره بأنهما تقومان على أسس مشتركة ركائزها المتعلم، والمجتمع، والمعرفة، واستشراف المستقبل وحاجات أفراد المجتمع.

ولهذا يتركز التطوير في تلافي نواحي القصور التي أظهرتها نتائج تقويم المناهج القائمة, للوصول بها إلى درجة عالية من الكفاءة والفاعلية ومواكبة التغيرات والمستجدات التي طرأت في مجال العلوم الأساسية والتربوية، فضلا عن الاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, والارتقاء بواقع العملية التربوية؛ للحاق بركب الحضارة الإنسانية, والإسهام فيها, أسوة بالدول المتقدمة.

ولكن هل اعتمدت وزارة التربية تلك الأهداف، وهل أحاط تغييرها لعدد كبير من المناهج الدراسية بتلك المعايير؟.

أزمة المناهج الإبتدائية

يؤكد عدد من المعلمين والمشرفين التربويين وأولياء الأمور ممن تحدثوا الى «الشبكة» ضرورة أن يراعي التغيير مستوى الفهم والادراك للفئات العمرية المستهدفة بتغيير المناهج «الطلبة» ، وأن لا يكون التغيير على حسابها من دون مراعاة لقدراتهم.

يشكو (سليم جابر) وهو ولي أمر لطالبتين، معاناة ابنتيه في مادة العلوم للمرحلتين الثاني والخامس الابتدائي مؤكدا أنها لا تتوافق أبداً مع قدرة الطالب، وهي معاناة يومية، فكمية المعلومات والمفاهيم لا تتناسب أبداً مع اعمارهم واستيعابهم.

مدرسة الجغرافية (نسرين راشد) تحدثت عن مادة الاجتماعيات، خاصة للصف السادس الابتدائي وهي تشخص حالة الغاء تاريخ الثورات التي مر بها البلد والأحداث العربية والعالمية المهمة التي لابد للطالب من معرفتها والاطلاع عليها والاقتصار على أسماء محافظات ومناطق صعبة اللفظ والحفظ، ولا ندري ما الغاية من ذلك؟ وتضيف بإستغراب كبير: هذا ملفت جداً ولا أدري لماذا هذا التغيير والنهج!؟

أما عن التغيرات التي طالت مادة الانجليزي في المراحل الأولى من هذه المرحلة فقد انقسمت الآراء حولها بين مؤيد ومعارض فأستاذ علم النفس التربوي (داوود حساني) يعتقد أن التعميم تجربة غير ناجحة إن لم يمهد لها وتدرس بشكل يؤهل كل الظروف التي تولد فيها ومنها، فمادة الانجليزي، في سبيل المثال، للأول الابتدائي، شهد تطبيقها صعوبة في المدارس الريفية على عكس طالب المدينة الذي هو مهيأ أصلا من الروضة ولديه حصيلة بهذه اللغة جيدة وهنا حصل فرق كبير في التلقي.

فيما ترى معلمة مادة الانجليزي (ندى علي) أن تغيير منهج اللغة الانجليزية أكثر من رائع ومفيد، لكن نحتاج الى مساعدة الوزارة بتقليل عدد التلاميذ في الصف الواحد، لأن أغلب المدارس الآن لديها 60 تلميذاً في الصف وبهذا العدد لا يمكن المتابعة والتمرين وتوفير مختبرات خاصة للغة لكي يستطيع المعلم تعليق وسائل التعليم التي يعدها على الجدران.

تذمر شديد

وكانت مادة الإسلامية من أكثر المواد التي شهدت تذمرا في صعوبتها تقول (أسيل حامد) وهي تنقل معاناتها مع ابنها: هناك جزئية تجب مراعاتها وهي أن الطفل في هذا العمر ما زال في طور تعلم وضبط املاء وكلمات المعاني القرآنية وهي أصلا مازالت فوق استيعابه من مصطلحات ومفاهيم عن النار والجحيم والعذاب وغيرها، ثم أن المادة التي تدرس في الثالث الابتدائي الآن هي نفسها التي كانت تدرس في السادس الابتدائي، وبكل صراحة أقولها ابحثوا عن هذه المادة بالذات ولن تجدوا طفلا يحبها ولا أما لا تشتكي منها!!.

خطر القصص وأبعادها

طبيبة الأسنان (غسق فاضل) كانت لها مداخلة مهمة عن أبعاد القصص والمحفوظات التي تشوه الكثير من مخيلة الطفل، مثل قصة حكايات جدتي للصف الثاني الابتدائي التي تتحدث عن فلاح كسول تصادفه وزة سحرية فيشق بطنها ليحقق أحلامه، فهي لا تتناسب وما نريد أن نغرسه من قيم في نفوس أولادنا.

دور المشرفين

أغلب المشرفين التربويين, ومن خلال عملية الاستبيان التي اجريناها أكدوا حقيقة مهمة في عملية تغيير المناهج, هذه الحقيقة تتجلى في ضرورة أن يكون للإشراف التربوي دور في عملية وضع المناهج الجديدة, ذلك لأنهم وبسبب عملهم وتماسهم مع عملية التدريس لا سيما مشرفي الاختصاص يستطيعون متابعة وملاحظة المواد التي تستوجب التغيير بسبب الخبرة المتراكمة لديهم في تدريسها.

الوقت غير مناسب

ويؤكد المشرف التربوي قاسم الحميري: إن تغيير المناهج لم يكن عشوائياً، انما كان عن دراسة من قبل المديرية العامة للمناهج والتشاور مع هيئة الرأي ولكن الوقت كان غير مناسب بالنسبة للطالب والمدرس على حد سواء مع الظروف التي يمر بها البلد وتأخر المنهج على الطالب.

تعميم التجربة

وعن تعميم تغيير المناهج في محافظات العراق الأخرى وآثارها يقول مدير إعلام تربية البصرة باسم القطراني لـ «الشبكة»: أن عملية تغيير المناهج مطلباً حقيقياً طبقاً لما وصلت إليه المناهج في العالم من حولنا. ولقد سعت وزارة التربية الى أن تخوض غمار هذه التجربة الكبيرة فعملت على البدء بمشروعها الكبير لتغيير المناهج ولجميع المواد الدراسية وعلى مراحل مختلفة.

ويضيف: بالتأكيد فأن أي تجربة جديدة ربما تواجه بعض الصعوبات لدى الطلبة والتلاميذ وهذا منطقي جداً، إلا إن تفاعلهم مع معطيات التغيير لابد وأن يكون إيجابياً مستقبلاً.

مناهج الثانوية

التغيير الحاصل مؤخراً في المناهج الدراسية شمل مرحلتي الدراسة المتوسطة والإعدادية أكثر من المرحلة الابتدائية, فالمرحلة المتوسطة شهدت الكثير من المناهج التي تم تغييرها, وقد أشار الأخوة المدرسون إلى بعض القضايا المهمة التي تتعلق بهذا التغيير, فكتاب (قواعد اللغة العربية) للصف الأول المتوسط كان التغيير فيه إيجابياً من وجهة نظر بعض الأخوة المدرسين, إذ أنهم رأوا فيه مادةً مختصرةً تجمع قواعد اللغة العربية والنصوص الشعرية في كتاب واحد, كما أنها واضحة ومترابطة من حيث المفاهيم.

أما في ما يخص إضافة مادة الاقتصاد للصف السادس العلمي, فقد رأى فيها البعض خطوة إيجابية, لأن علم الاقتصاد يبقى من العلوم التطبيقية التي يجب أن تدرس في الفرعين العلمي والأدبي على حدٍ سواء.

أزمة وصول الكتب

مدرس مادة الرياضيات ومعاون احدى المدارس الثانوية (ع.أ) كانت له ملاحظات مهمة حول المناهج، قال: رصدنا بعض سلبيات التغيير ومنها وجود حلقة فارغة في سلسلة المناهج بمعنى عدم تدرج المعلومة بما يتناسب مع المنهج الذي تمت دراسته في مرحلة سابقة مثالا على ذلك كتاب الرياضيات للصف الأول المتوسط الفصل الأول الاعداد الصحيحة يبدأ الفصل بمعلومات جديدة لم يدرسها الطالب في دراسته الابتدائية، ما أدى الى صعوبة بالغة في تدريس المنهج. لا يخفى على كثيرين موضوع نقص طبعة الكتاب الجديد في المدارس. أنا شخصيا مدرس المادة لم أحصل على الكتاب لأقوم بتدرسه للطلبة فضلا عن أن بعض الكتب تكون على جزئين، فإذا بالتربية ترسل الجزء الثاني بأعداد قليلة جدا وهو جزء يدرس في النصف الثاني من السنة! إذن ما الحل لا نستطيع تدريسه لأنه في النصف الثاني يدرس ولا نحن حصلنا على الجزء الأول الذي يفترض!! وبعض المدارس فيه نقص ملاكات وبالتالي تعتمد على مدرسي الحاسوب في سد الشواغر الحاصلة. والمشكلة في قلة خبرة مدرسي الحاسوب في تدريس مادة الرياضيات وهذه مشكلة أيضا. كما لم نلحظ وجود أي دورات تدريبية مركزية لتخطي هذه المشكلة.

الأحيائي والتطبيقي

وكان من التغييرات المشمولة بالمنهج تقسيم المواد العلمية الى أحيائي وتطبيقي يقول (هيثم وادي) وهو والد لطالبين: لا أعرف لماذا هذا التقسيم الذي يعده غير موفق، فالجميع يذهبون الى الأحيائي ولايريدون التطبيقي هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك مواد تدرس في الأحيائي مثل الفيزياء ولا أفهم لماذا؟؟

وكذلك مهزلة عدم وجود ووصول كتب المناهج الجديدة دفعتنا الى الاستنساخ ثم الاستنساخ ضمن حلقة تغيير دفعنا ثمنها باهظا.

تغيير الكتاب دون المعلومات

تشيد مدرسة الفيزياء عينة حمزة بمشروع تطوير الرياضيات والعلوم الطبيعية الذي تم اقراره في العام الماضي وتعده من العلامات الفارقة في تطوير العملية التعليمية والسعي بها نحو آفاق أرحب وعوالم أوسع من الرقي والتغيير.

وتوضح انه ينقلنا من القوالب النمطية التقليدية الى انماط حديثة في الفكر التربوي، تتركز على التفاعل الايجابي والتعلم النشط القائم على تبادل الأدوار واكتساب المعرفة من خلال الممارسة والوصول الى الأهداف عن طريق المحاولة والتفكير المنطقي المتدرج.

وتضيف حمزة: أوضحنا منذ البداية أن التغيير جيد ونحن نطمح للتغيير ولكن الذي تغير هو الكتاب فقط والمعلومات المضافة، خصوصا للرياضيات والكيمياء والأحياء في منهج الأول المتوسط كثيرة على الطالب في هذه المرحلة والعلوم الطبيعية في الاول وكل المراحل تحتاج الى اماكن للطلبة يعملون ويسجلون استنتاجاتهم بطريقة مشوقة بدل طريقتي الحفظ والتلقين اللتين استمر عليهما الطلبة منذ سنين واصبحتا لا تواكبان عملية التطور والتقدم التي وصلها العالم اليوم.

ضد التغيير

أما مدرسة الأحياء هيفاء محسن فقد كانت بالضد من عملية التغيير بقولها: أنا ضد هذه الخطوة في تغيير المناهج، إذ أن هذا التغيير سببه الفساد الاداري، فالغاية منه المنفعة المادية وليس العلمية. والدليل ما حصل من مشاكل في وصول كتب المنهج وعدم تمكن المعلم والمدرس من اخذ الوقت الكافي والمناسب لكي يسيطر على المنهج الجديد وغيرها من المشاكل، فضلا عن أن بعض المناهج فوق مستوى فهم الطالب.

تشكيل لجان

دكتور فلاح القيسي مدير تربية الرصافة الأولى كانت له متابعته ورأيه حيث قال: تغيير المناهج الدراسية هو مواكبة مع المنظمات العالمية لكن في ظروفنا الحالية يحتاج الى الكثير من الدقة والتخطيط المدروس والشامل، حيث لاحظنا مادة العلوم مثلا في الصف الخامس الابتدائي فيها صعوبة في تلقيها وموادها للطالب.

نحن شكلنا لجنة من الإشراف التربوي لكي نقيم ما تم من تغيير في المناهج ليعطونا رأيهم وبلغنا كذلك المشرفين حول تغيير وتوحيد كتب الفيزياء والكيمياء والاحياء في كتاب واحد، طالبين منهم تقييم تلك التجربة.

مضيفا بالعموم هناك تدريب واعداد ودورات أجريناها ولكن الاعداد كبيرة وهي تجربة لها ما لها وعليها ما عليها ونحن في طور تقييمها ومن ثم رفعها لمديرية الاشراف ومن ثم ترفع الى مديرية المناهج ونتمنى أن تكون ضمن الاستعداد لأنها كتجربة لا يجوز تعميمها على المحافظات كافة دون مراعاة الظروف. ونتمنى أن نتجاوز السلبيات والأخطاء إن حدثت لنكون أكثر جدية ومسؤولية ونجاحا في مواكبة التغيير الذي يخدم العملية التربوية.

مواكبة ومتابعة

مدير عام المناهج الدراسية في وزارة التربية الدكتور (مجيد صادق العلاق) تحدث للشبكة عن تجربة تغيير المناهج بقوله: وزارة التربية اعتمدت سياسة جديدة تقوم على تحديث المناهج الدراسية في مختلف المراحل وهذا التحديث يستند الى معايير دولية معتمدة لدى منظمات تربوية عالمية كمنظمة اليونسكو ومنظمة اليونسيف كذلك استند الى تحليل واقع هذه المناهج واحتياجاتها وهذه الجهود متواصلة منذ 2003 ولكن وصلت مداها وذروتها في السنتين الأخيرتين، والجميع يعلم أن العراق كان منقطعا عن العالم في مواكبة تطور المناهج وطرق تدريسها بسبب السياسة التي كانت سابقا، وهذا التغيير شمل أغلب المراحل الدراسية.

فادخال مادة اللغة الانجليزية ضمن مناهج الصف الأول الابتدائي لم يكن سابقا وهو اتجاه جديد، ومنهج اللغة الانجليزية يبنى وفق اعلى المعايير حيث اتفقت وزارة التربية مع شركة (كارنيت) البريطانية وهي شركة عالمية وفيها خبراء اكفاء للعمل بصورة مشتركة مع خبراء وزارة التربية وهذا المنهج يتدرب عليه المعلمون والمدرسون سنويا في بيروت على ايدي مدربين أجانب مع خبراء عراقيين وهذا المشروع ينتهي 2019

وهذا المنهج شمل المراحل الابتدائية الى الرابع اي لم يبق سوى المرحلتين الخامسة والسادسة، أما المراحل الثانوية فقد شملها جميعا من الأول المتوسط الى السادس الأعدادي وبهذا نكون اعتمدنا منهجا متطورا لمسنا ايجابياته من تقارير المشرفين والمتابعة الميدانية ومن الطالب وأولياء الأمور والاستجابة جيدة.

وعند سؤالنا له عن تذمر وشكوى من صعوبة المادة الاسلامية في المراحل الابتدائية اجاب بقوله: نحن سنويا نعتمد مبدأ المراجعة في المناهج ونعتمد على الملاحظات التي تأتينا من المشرفين التربويين والمعلمين والطالب وولي أمره وبالتالي وفي ضوء ذلك نعيد النظر في المواد التي تكون غير موفقة فنعيد من حجم الكتاب والمواد التي فيه وطريقة عرضه.

أما عن تجربة مزج ( الكيمياء والفيزياء والعلوم) في كتاب واحد هو كتاب العلوم واستفسارنا عن جاهزيته وعمن يدرسه بالضبط مدرس الفيزياء أم مدرس الكيمياء أم مدرس العلوم؟ اجاب بقوله: اتجاه توحيد هذه المواد في كتاب واحد هو اتجاه حديث وموجود في أغلب الأنظمة التربوية في العالم. مؤكدا أن اتجاه التربية يقوم على أساس تزويد الطالب بالمهارات والخبرات والمفاهيم وليس المعلومات لاسيما أن المعلومات الآن وسط التطور الهائل لا يمكن حصرها في كتاب او منهج لذلك ركزنا على عدم الحفظ فقط وانما التحليل والتفكير والاستنتاج وتطوير المهارات العقلية
وكذلك مزجنا في العربي (القواعد والمطالعة والنصوص) في كتاب واحد لان اللغة علم يقوم بذاته ويقوم بالتحليل وليس الحفظ فقط نحن نعطي للطالب نصا كأن يكون نصا قرآنيا او قصيدة او قصة ونطلب منه أن يحلل هذا النص ويستنتج منه الصورة البلاغية وأسلوب النقد وتذوق أساليب التعبير وبالتالي تتطور مهاراته في اللغة العربية لأن الاسلوب القديم بأن نعطيه 20 بيتا من الشعر وحفظها مع حفظ القاعدة لا يجعله يستطيع أن يكتب جملة او ينشئ مادة للانشاء التي عانى من تكوينها الطالب وهذا خلل كبير في المنهج وضعف كبير.