تقنيات الجيل الخامس5G بين آثارها السيبرانية والاقتصادية
رفاه حسن /
مازال في جعبة العلماء والمخترعين في عالم التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات المزيد من المفاجآت التي سيبهرون بها العالم. واحدة منها هي تقنيات الجيل الخامس، أو كما يسميها الكثيرون بالثورة التقنية المقبلة في عالم الاتصالات، التي دفعت المفوضية الأوروبية للتصريح بأنها واحدة من أهم لبنات بناء المجتمع والاقتصاد الرقمي في العقد المقبل.
تعد تقنيات الجيل الخامس 5G هي الجيل المقبل من شبكات الاتصال بالإنترنت، التي استطاعت التفوق على تقنيات الجيل الرابع بمراحل كثيرة لم يكن الإنسان ليحلم بها في المستقبل القريب، لكنها اليوم أصبحت واقعاً محققاً، إذ أن 5G أسرع بمقدار 100 مرة عن سرعة 4G الجيل الرابع، كما أنها ستوفر نطاقاً ترددياً عالياً، بالإضافة إلى اتصال أكثر موثوقية للأجهزة الذكية. ويمكن أن يلاحظ المستخدم مدى سرعة هذا الاتصال عند تنزيل فيلم عالي الدقة، الذي لن يستغرق إلا ثوانيَ قليلة.
وبذكر أجيال شبكات الاتصال يمكن أن نستذكرها بشكل سريع، فقد تمثلت تقنيات الجيل الأول الذي ظهر سنة 1979 على نقل المكالمات الصوتية فقط، أما الجيل الثاني فظهر سنة 1990 وقدم تطوراً ملحوظاً في الخدمات عند مقارنته بالجيل الأول، وقد كان سبباً في انتشار الهواتف التي لم تعد بحاجة لأن تكون كبيرة الحجم كما عهدناها في الجيل الأول. اعتمد الجيل الثاني على GSM وتحول من العمل بطريقة Analog Signals إلى طريقة Digita Signals، كما دعم الرسائل النصية ثم الرسائل التي تحتوي على وسائط متعددة. وقد وصلت سرعة نقل البيانات إلى 64 كيلو بايت في الثانية، لكن بعد توفر GPRS & EDGE لاحقاً، وصلت سرعة نقل البيانات إلى 144 كيلوبايت في الثانية، وتمكن من دعم الاتصال بالإنترنت لأول مرة في العالم.
شكَّل الجيل الثالث نقلة نوعية في مجال شبكات الاتصال اللاسلكية، إذ ظهر سنة 2003، وأبرز مميزاته القفزة التي حققها في نقل البيانات، التي وصلت إلى 2 ميجابت في الثانية في بداية انطلاقه، ووصلت إلى 14 مجابت في الثانية لاحقاً، ما ساعد المستخدمين في الاستفادة من الخدمات التي تقدمها شبكة الإنترنت بشكل أفضل، مثل تحميل الملفات الكبيرة، اللعب مباشرة مع الأصدقاء من كل أنحاء العالم باستخدام الهاتف، وغيرها الكثير من الخدمات التي قدمها هذا الجيل الذي مايزال واسع الانتشار حول العالم على الرغم من ظهور الجيلين الرابع والخامس، إذ كان بداية التغيير لتحويل العالم إلى قرية صغيرة من خلال توفير الاتصال السهل والسريع للجميع، بالإضافة إلى التغيير الذي طرأ على الهدف العام لهذه التكنولوجيا، الذي تحول من مجرد توفير اتصال سهل وسريع للمستخدمين، إلى توفير سرعات أعلى وخدمات أفضل من خلال الأجيال اللاحقة.
ظهر الجيل الرابع سنة 2009، وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي حققه هذا الجيل في مجال سرعة انتقال البيانات التي وصلت إلى100 ميجابت في الثانية، إلا أنه لم يشكل فارقاً كبيراً عن الجيل السابق كما حدث مع الجيلين الأول والثاني، دعم هذا الجيل Wi-Max كما قدم قدرة تشغيل أكثر أماناً وسهولة المحتوى عالي الجودة.
وها نحن اليوم نتحدث عن آخر هذه الأجيال وأكثرها تطوراً وولوجاً في الحياة اليومية للمستخدم. تمتاز هذه التقنية بسرعة خيالية في نقل البيانات، بالإضافة الى الموثوقية العالية. لتقنية الجيل الخامس نطاق ترددي واسع وكُمون منخفض، الذي يمثل الوقت الذي تحتاجه الأجهزة للتواصل مع الشبكة، وهذا ما يجعل هذه التقنية ثورة وطفرة تقنية على كل الأصعدة: الاقتصادية، الصحية، العسكرية، والتعليمية، وغيرها الكثير من القطاعات، إن لم تكن كلها قابلة للتأثر بهذه التقنية التي ستساعد أصحاب القرار على اتخاذ القرارات المناسبة بالاعتماد على آخر التحديثات اللحظية التي تجري على مدار الساعة. نذكر واحداً من القطاعات المهمة التي ستتأثر بهذه التقنية، ألا وهو قطاع النقل، فالكثير من المدن حول العالم تعاني من الاختناقات المرورية بشكل مستمر، بالإضافة إلى الحوادث المرورية وغيرها من المشاكل التي يعاني منها المستخدم أثناء القيادة، التي سيتم حلها باستخدام نظام القيادة الذاتي، أو الآلي الذي يحتاج إلى السرعة الفائقة التي تقدمها خدمات الجيل الخامس لمتابعة الطريق وتحديد المسار الأسرع والأفضل والأقل ازدحاماً للوصول إلى الهدف. ولبلوغ هذه الدقة من المعلومات يجب ربط السيارات بعضها بالبعض الآخر وكأنها تتحدث مع بعضها لتحديث البيانات بشكل مستمر عن الطريق والمسافات الآمنة التي تفصل بينها.
لا يمكن أن ننكر حجم الخدمات المذهلة التي ستقدمها هذه التقنية للمستخدم، لكن مقابل هذه الكفاءة والجودة العالية سترافقك هذه التقنية في كل مكان في هاتفك، ساعة يدك الذكية، ثلاجتك وغسالة الملابس، بالإضافة إلى سيارتك بالتأكيد، فأنت لن تخطو خطوة دون أن تتم ملاحظتها وتسجيلها، ابتداءً من حالتك الصحية ونشاطك اليومي، إذ ستتمكن ساعتك الذكية من متابعة نشاطك الحيوي لتنبيهك في حال حدوث أي اختلال أو مشاكل صحية لمعالجتها بسرعة، وغيرها الكثير من الخدمات التي ستقدمها هذه التقنية.
لكن نعود للتذكير بأنها ستكون على شكل شبكة عملاقة ترتبط فيها كل الأجهزة الذكية القريبة في سلسلة عملاقة يتم تناقل البيانات من خلالها لتوفير اتصال عالي السرعة والجودة. من هنا أدخلت هذه التقنية الصين في حرب جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب المخاوف والاتهامات التي توجهها الولايات المتحدة إلى هذه التقنية التي تعد الصين وشركاتها الرائدة فيها، إذ يقول الخبراء في الأمن (السيبراني أمريكان) إن هذه التقنية يمكن أن تهدد الأمن المعلوماتي للدول التي ستعتمدها لصالح الدول المصنِّعة والمقصود بها هنا هي الصين.
في الختام لا ننسى أن تكنولوجيا الجيل الخامس هي ليست أول ولا آخر تقنية تهدد الأمن المعلوماتي حول العالم، لكن يبقى الأمر مرتبطاً بمدى وعي المستخدمين وكيفية استخدامهم لهذه التقنية، بالإضافة إلى دور الدول والحكومات في سنِّ القوانين والأنظمة الصارمة لحماية البيانات والمستخدمين على حد سواء.