ثورة فن شعارها السلام في نفق التحرير

657

صفا هشام – تصوير: صباح الامارة /

“كثَّر الله من أمثالكم”، “عاشت أيديكم”.. هذا ماتردد على أسماع المبدعين في نفق التحرير، تلك الكلمات كانت بمثابة أوسمة فرح على صدر الإبداع رغم الحزن الذي يلبد أجواء بغداد، شباب لم يتجاوزوا العشرين من أعمارهم تمكنوا من نشر التفاؤل والسلام والمحبة، عبر الألوان والرموز المؤثرة في الناس وسط التظاهرات.

“عتمتي!”
“كلما ضاقت بي الحال أمسكت فرشاتي الحبيبة، وغطستها بحبر أسود كـسواد عتمتي لأعلقها على الجدران، لكن السؤال: كيف للعتمة أن تصنع كل هذا الجمال؟”، هذا ما قاله يوسف محمد، طالب تقنيات إحيائية (٢٢ عاماً)، مضيفا “كان هدفنا الأساس أن نترك لنا بصمة في ‘نفق’ ساحة التحرير، تركنا قوة الألوان، الشيء البسيط الذي يزرع الابتسامة على وجوه المارّين بهذا الطريق، كذلك وجود الفتيات ومساعدتهن كان إثباتاً لأهمية مشاركة المرأة العراقية في كل مكان.”
وأكد يوسف أيضاً على كمية الدعم المعنوي الذي تلقوه من الناس إذ قال “رغم التعب لكن عندما نسمع (عاشت ايدكم)، (فدوة لأيدكم)، (كثر الله من امثالكم)، لا نشعر بشيء سوى الشعور بالفخر والسعادة، فقد كان دعم ومساعدة الناس وتشجيعهم بمثابة الجائزة التي يتلقاها المبدع بعد إتمامه لمنجزه.
ترك ابتسامة
المبدع رائد مضاء (٢١ عاماً) ، طالب في جامعة بغداد، حدثنا قائلاً: “تركت بصمة من خلال لوحة فنية في أحد مداخل النفق ليراها جميع الزائرين، اللوحة عبارة عن حروف عربية مكتوبة بخط حر على شكل دوائر متحدة المركز وباستخدام تدرجات اللون الازرق..، كذلك وجود خدعة بصرية بشكل ثلاثي الأبعاد بين دائرة ودائرة كما هو واضح بالصورة وهذا مامنح اللوحة تميزا واضحا”.
وذكر رائد أنه كان لا يملك أية فكرة ولا يعرف ماذا سيرسم، لكن عندما ذهب الى “النفق” استلهم من الفنانين والشباب الموجودين هناك، وتبادلوا الأفكار والآراء وعلى هذا الأساس نفذ لوحته الجذابة.
إصرار
آيه نمير، طالبة محاسبة (٢٢ عاماً): “لم أكن فنانة ولم أدرس في أكاديمية الفنون الجميلة، وكانت الموهبة سلاحي الوحيد في دخولي لعالم الفن، ومع مرور الأيام قمت بتطويرها، وعندما جاء الوقت المناسب أخرجت هذه الموهبة أمام الجميع وقمت بعملي هذا ورسمت وسط هذا المكان المميز، ولم يكن ذلك عبثاً فقد شجعني ابن خالي رائد واختي نور، وقمت بمايشبه التحدي، وكانت رسومي خليطاً بين الخط العربي وزخرفة المانديلا الحديثة، والتجأت للألوان المريحة للنظر والباعثة للطاقة الإيجابية، التي تمنح الناظرين إليها الحب والسلام بعيداً عن أية فكرة، والهدف الرئيس هو زيادة جمالية المكان.”
مضيفة : إن “الإصرار” هو ما جعلني أتحدى جميع الصعوبات والمخاطر، على الرغم من معارضة الأهل وخشيتهم على حياتي، إلا أن الإصرار والعزيمة في داخلي جعلاني أرسم هدفي وأسعى لتحقيقه، وبمدة 9 ساعات تم تحقيق الهدف وقمنا برسم اللوحة وهاهي أمامكم.
3D””
أما فهد رعد، طالب كليه علوم جامعه بغداد، فيقول:” الرسمة هي عباره عن مجموعه حروف عربية ولاتينية تتحول بالتشابك إلى صورة، و الفكرة منها هي،”3D” بمعنى سطر متداخل بالسطر الذي يليه، واكتمل العمل بجهدي وبمساعدة الزميلة إمامة رضا، التي رسمت طاووساً يعبر عن فخر العراقيين ببلدهم.”
إمامة رضا (٢١عاماً) طالبة في جامعة بغداد، تقول : “وددنا أن نشارك بشيء بسيط للتظاهرات، فقمنا بتوفير مواد الرسم، والفكرة كانت رسمي للطاووس، لكون هذا الكائن الجميل يتباهى بشكله وألوانه الربانية الرائعة لأؤكد من خلاله عن مدى فخرنا بعراقيتنا وبشعبي الذي أكد من خلال التظاهرات بأنه الشعب الذي لا يفرقه شيء في وطن التحدي والشموخ.
حب وسلام
“عندما كنت في منتصف ساحة التحرير ويحيطني الكثير من النساء والرجال والأطفال مجتمعين لهدف واحد، استعنت بمخيلتي لكي أصف هذا المنظر بكلمة واحدة فلم أجد غير كلمة (حب)، حب للوطن وحب للإخوة وحب للسلام”، هذا ما تحدث عنه أسامة صادق، صاحب أجمل لوحتين: “حب” و “سلام”.
أكد أسامة أن “اختيار لوحة حب هو وصف لكل ما رأيته هناك من مشاعر، والجميع يدرك ما تحتويه هذا الكلمة من معان كثيرة وعميقة، فقد حاولت بها أن أعبر عن السعادة والشجاعة والتضحية والحياة، وأيضاً اختياري للون الأحمر الذي بطبيعته يرمز للحب، ولم يكن هدفها جمالياً بقدر ما هو هدف إيصال رساله بأن في داخلنا حب، واكتملت هذه اللوحة بما يقارب الـ 6 ساعات، المدة التي بينت خلالها ما في اعماقنا من مشاعر.”
أضاف أسامة: “بالرغم من الإعجاب الكبير والمدح الذي تلقيته من الناس على لوحة (حب)، لكنني لم أكتف بذلك فكانت تدور في مخيلتي كلمة (سلام)!”
“كلمة لوحة (سلام) في بغداد اليوم ، تمت بفترة زمنية قياسية، لكوني وفرت ما أحتاجه لأكمل هذه اللوحة بأسرع وقت، ومثل هذا العمل قد يستغرق أسبوعاً أو اكثر ، لكن المساعدة والدعم المعنوي لهما الدور الكبير في إنجازها بسبع ساعات فقط.”
إثبات وجود
“فكرة وجودي في ساحة التحرير كانت فكرة جديدة وقوية وفيها نوع من الجرأة، لكن عندما سنحت الفرصة لي ومن غير تفكير مسبق قررت أن أبرهن على وجودي وقيمتي كإنسانة فقمت بتلوين المكان القديم، والألوان ولادة شيء يشعرك بالسعادة.” هذا ما فعلته نور نمير في ربيعها الـ 19، طالبة في جامعة بغداد، حدثتنا قائلة: “على الرغم من تجربتي كمبتدئة في عالم الفن، لكني استطعت أن أترك بصمة متواضعة وسهلة، كانت فكرتها تزيين جمالي لنفق التحرير، والبرهنة على وجودي كـرسّامة، وشغل ذهني موضوع الحرية وضرورة ترجمتها إلى لوحة، ووقع اختياري على “الفراشة” وهي تحلق بجناحي الحرية وكذلك استخدامي للألوان المفرحة التي تشعر الناظر بالسعادة والأمل وهذا ماشعرت به من خلال إعجاب الآخرين بمنجزي البسيط”.