جعفر.. قصة كفاح من أجل مستقبل أفضل

1٬335

آية منصور – تصوير: صفاء علوان /

من أرصفة العاصمة وأزقتها المغبرة بالحزن، تخرج لنا مكنسة، لتطرد هذا التراب العالق في أرواحنا، يمسكها شاب، احب ان يعيل ذاته، عائلته، ومستقبله. انه جعفر، جعفر الذي يجابه الألم اليوم لإكمال دراسة الماجستير رغم جميع الظروف التي تقف بوجهه، مثل اعصار قوي.

دراسة وعمل

يجلس جعفر (٢٦عاماً)، عند الساعة الثانية عشرة ظهرا، في شاحنة نقل النفايات، لرفع النفايات المتجمعة ووضعها في مكانها المناسب، يستقبلك -رغم الحر- بابتسامته الصافية مثل الشمس، مكتفياً بقبعته المبللة مراراً وتكراراً بالمياه، اكمل عمله، ثم انضم لنا بسلامه الحار.

يعيش جعفر بين عائلة مكونة من ١٤ فرداً، داخل منزل صغير، لا يتحمل هذا العدد الكبير، يدرس كثيرا دونما انتظار من الآخرين، مكتفيا بالنظر الى مستقبله من اجل عيش كريم، يقول فيما يمسح قطرة عرق ساقطة على جبينه:

-في الرابع والخامس الإعدادي، حصلت على الإعفاء العام، بحثت في كل مكان تتخيلينه عن عمل ولم اجد، ثم اخبرني احدهم بوجود فرصة عمل كعامل نظافة، فصرت اعمل في فترات العطلة، واقوم بجمع المال خلالها من اجل الدروس الخصوصية، كما واساهم بمصروف المنزل، ثم تخطيت السادس بمعدل ٧٠ %.

بعد نجاحه في السادس، اتم جعفر عمله، كعامل للنظافة في منطقة الشعلة، وذلك بكنس كيلو متر تقريبا في النهار الواحد، في ايام العطل، من اجل اكمال دراسته ومساعدة عائلته واخيه:

-درست علم الاجتماع، الانثروبايولوجي، كنت املك ثلاثة آلاف دينار في جيبي فقط خلال سنوات الدراسة هذه، اذهب واعود خلالها، اعمل بصورة متقطعة اثناء الدراسة، لكن العمل الحقيقي يكون في العطلة من اجل توفير المال للدراسة ومتطلباتها من الملازم والكتب والنقل.

شهادة غير معترف بها

حصل جعفرعلى المركز الاول في مراحل الكلية الثلاث، ثم على تقدير جيد جدا/عالٍ، في المرحلة الرابعة. وحلم الماجستير كان يراوده من اجل الدراسة والعمل:

-اختصاصي هو الثاني في العالم، لكنه غير معترف به وغير معروف في العراق، ومهمل، لو كنت خارج العراق لتمكنت من الحصول على العمل بعد تخرجي مباشرة، لكن حالة اخي الصحية بدأت بالتدهور فكان الواجب ان اعتني به.

كنس الأحلام

بعد حصول جعفر على تقدير جيد جدا، قام بالتقديم لدراسة الماجستير، ثم سحب تقديمه بعد فترة قليلة جدا وكان السبب؟

-فكرت كثيرا وانا اسحب قراري هذا ولو بصورة مؤقتة، بعائلتي التي تحتاج لمساعدتي، والدي مريض للغاية وسيترك عمله قريبا بسبب المرض، لي اخ يعمل سائق أجرة، وأخ آخر سائق “لستوتة” وانا اقود ذلك “الشفل”.

يقول ذلك ويضحك فيما يعدل قبعته بخجل ثم يضيف:

-لا امانع من العمل كمنظف، اشعر بالفخر وانا أجلب تلكم اللقمة النظيفة والحلال لعائلتي، وان احتجت إكمال دراستي، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
يؤكد جعفر محاولات اساتذته لمساعدته في اكمال دراسته ووقوفهم الى جانبه طوال فترة تواجده في الجامعة لكن قراره “المؤسف” حصل عنوة عنه بعد كمّ الطموح الذي يحمله بين ذراعي عقله:

-لم استطع فعل ذلك، ذلك اني اريد العناية بأخي وعائلتي، اريد اي شيء يجعلني مثبتا في العمل، راتبي لا يكفي لإعالة عائلتي فكيف اتمكن من الدراسة وعائلتي تحتاجني! كيف استطيع اكمال الماجستير في وقت كل دينار محسوب علينا؟!

ما هو الفيسبوك؟!

يذكر ان مواقع التواصل الاجتماعي، ضجت بخبر جعفر الذي يريد اكمال دراسة الماجستير وتكريمه من قبل امانة بغداد، لكنه لا يعلم ذلك، ولا يدري ما عالم الفيسبوك.

-في الحقيقة، انا لا املك فيسبوك، اخبروني ان صوري انتشرت وان الجميع كان فخورا وسعيدا بي حتى اساتذتي.

من جهة اخرى، اخبرني جعفر، ان امانة العاصمة وعدته بزيادة مرتبه وتوظيفه ضمن الكادر، كما وعدوه بزيادة مرتبه الذي لا يصل لربع الحد من حاجته، إلا أن هذه الآمال كانت وما زالت مجرد وعود شفوية، حصل عليها شكليا ولم تُتحقق له حتى يومنا هذا!