حديث مع عشماوي الرجل الذي تؤجره الحكومة لإزهاق الأرواح!
عامر بدر حسون/
أول مرة يتحدث (عشماوي) إلى أحد الصحافين، وإن في حديثه لطلاوة. ورهبة! اقرأ وتأمل هذه الشخصية الفذة التي لا ترحم المحكوم عليهم بالإعدام لأنهم لم يرحموا قتلاهم.
كنا جلوساً في ردهة سجن الاستئناف بالقاهرة حينما دق جرس باب السجن وفتح حارسه “الكوة” الصغيرة ليرى وجه الطارق، ويسأله، كما سألنا، عن جواز المرور..
ولكنها كانت نظرة واحدة ألقاها حارس الباب على وجه الطارق ثم أقفل الكوة دون أن يسأل عن جواز المرور..
وأسرع ففتح الباب ودخل رجلان في يد أحدهما حقيبة صغيرة من النوع الذي يحمله التلاميذ.
وقال الحارس:
ـ محمد بدوي!…
وأسرع بعض الضباط والجنود يستقبلون محمد بدوي ويصحبونه إلى غرفة قريبة من باب السجن، ولم أدر حينئذ لماذا خف هؤلاء لاستقبال هذا الرجل الذي يرتدي “جلابية” سوداء من فوقها “بالطو”، ولا لماذا بادروا بإدخاله غرفة الباش سجان وأغلقوا عليه بابها؟..
وعلمت بعد قليل أن “عشماوي” قد حضر.. وإننا “مدعوون” إلى الذهاب إلى الغرفة السوداء حيث نشهد تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في أحد القاتلين.
واتضح لي أن محمد بدوي الذي أعلن حارس باب السجن حضوره لم يكن سوى الرجل الذي اصطلح الناس على تسميته “عشماوي”، والذي تؤجره الحكومة، وتجزل له الأجرة، ليقوم بإزهاق أرواح رعاياها الذين يقتلون!..
بعد الشغل
وتمت عملية الشنق في دقائق معدودات ووقف عشماوي ومساعده يعدان حقيبتهما ويعيدان إليها “عدة الشغل” وهي الحبل الذي شنق به المحكوم عليه بالإعدام، والطاقية السوداء التي ألبساها له قبل أن يزهقا روحه، وسير من الجلد هو الذي ربطا به يدي المشنوق.
ودنوت من “القاتل” المأجور ألقي عليه سؤالاً وإذا بجمع من الزملاء يدنون ويسألون ويستفسرون. وراح بدوي يجيب عن أسئلة الموت في هدوء عجيب. فيغفل السؤال الذي لا يريد الجواب عليه. ويجيب بقدر ما تبيح لائحة السجون الإجابة عنه!..
وضاقت “الغرفة السوداء” عن حديث طويل.. وتشاغل عشماوي عن سائليه بهز الحبل الذي تعلقت به رقبة المشنوق كأنه يريد الاستيثاق من أن “الشغل” قد تم على ما يرام. وأقبل أحد الضباط يقول إن سعادة “البيه المفتش” ، مفتش مصلحة السجون، يرجو أن ينصرف الصحافيون فقد مات المشنوق!..
كل شيء والدنيا 29 – 5 – 1935