حيدر الحسني.. معلّمٌ في النهار وضابطٌ في الليل!

1٬142

آية منصور /

نشعر بالدفء والأمان بوجودهم، نحن الذين اعتدنا المرور قرب وجودهم في كل زقاق وتقاطع وطريق حتى باتوا جزءاً كبيراً منا. لكن ما يدهش في حكايتنا أن يصبح الشرطي معلّماً لإحدى المدارس ينير طريقنا بالعلم والمعرفة بعد أن جاد هو وإخوته بالروح ليبقى هذا الوطن منارة للعلم والحضارة.
مدرسة بلا مدرّسين
ملازم “حيدر الحسني” الذي تحقق حلمه في أن يكون ضابطاً في سلك الشرطة، على الرغم من معرفته منذ طفولته بمعاناة الرجل العسكري وما يقاسيه، لكنه كان مصراً على تحقيق حلمه الذي أصبح حقيقة.
الحسني، الذي أمضى خدمته في مدن عدة منها “البصرة، وبغداد، وكركوك، وصلاح الدين والموصل”، وبعد استقراره، كمعاون آمر سرية ضمن قاطع عمليات كركوك، لم يكن يتخيل أن يجد يوماً وعن طريق الصدفة مدرسة كاملة، دون أي كادر تدريسي!
يقول الحسني: “من خلال تأديتي لواجباتي كانت هناك مدرسة تقع ضمن قاطع مسؤوليتي وهي (ابتدائية العبيدية المختلطة)، دخلت تلك المدرسة فوجدتُ الطلبة يجلسون في الصفوف، لكن من دون وجود كادر تدريسي! وحينما توجهت نحو الإدارة والتقيت المدير الأستاذ (نزار) سألته عن المعلمين، فكانت الصدمة بعدم وجود أي معلم سواه!
تدريس جميع المناهج
الحسني، أب لطفلين أحدهما في السادسة من عمره، أكد لنا أنه تخيّل ذلك المشهد يحصل مع أطفاله الذين يتمنى لهم مستقبلاً أفضل، وهذا الأمر دفعه الى أن يقترح على مدير المدرسة المساعدة في تدريس الطلبة في أوقات الدوام، فوافق المدير ورحّب بالفكرة.
يقول الحسني: “بدأتُ بإعطاء الدروس للصفوف الثالث والرابع والخامس والسادس، درّستهم جميع المواد وقُمت بالتركيز على الصف السادس لكونهم في مرحلة منتهية ومهمةً.”
تخيلوا معي أن مدرسة بأكملها، في كركوك/ قضاء الحويجة، لا تحوي أي معلم سوى مديرها فقط، بعدد من الطلبة يبلغ خمسين طالباً موزعين على المراحل الدراسية، كان خلالها ملازم حيدر يسعى جاهداً لإيصال جميع المناهج للطلبة.
يروي حسن قائلاً: “في بادئ الأمر شعر الطلبة بالاستغراب من صورة المعلم الذي يرتدي الزي العسكري، لم أتمكن من تغيير زيي العسكري، لكنهم تأقلموا على الوضع مع مرور الوقت، واليوم هم مسرورون بوجودي بينهم وقدرتهم على إكمال مناهجهم دون خوف من المجهول، وكانوا ينادونني بـ
“الأستاذ.”

مغادرة الطلبة
الأمر الذي شجّع حيدر على الاستمرار كان استيعاب الطلبة للدروس التي يقدمها ومواظبتهم على الدراسة وانتظارهم له كل يوم للتحضير والمراجعة.
قال حسن موضحا: “ما يحزنني أن عدد الطلبة في المدرسة كان قد تناقص الى الخمسين طالباً بسبب نقل بعض الطلبة من قبل ذويهم لمدارس أخرى بسبب نقص الكادر.”
ويوجه الملازم حيدر تساؤلاته للكادر التدريسي الذي تمكن –وعن طريق المحسوبية – من النقل وترك المدرسة خاوية؟ دون النظر بضمير الى رسالة المعلم الحقيقية.
كان الحسيني يقوم بتدريسهم وفق جدول وضعته الإدارة ولم تكن هناك صعوبة كبيرة لأنه يذكر لنا: “أن مستوى الطلبة كان جيداً وهذا ماشجعه على الاستمرار معهم لحين تعويضهم بالكادر التدريسي.”
مضيفاً “أنه يحاول جاهداً إيصال المعلومة لهم على قدرالمستطاع، وما أسعدني جداً هو مباركة الأهالي ودعمهم لنجاح المبادرة.”

أين وزارة التربية؟
حيدر الحسني، الذي أصبح صديقاً لهؤلاء الطلاب وأحبهم كما يحب طفليه حسن وشمس، يخبرنا، أنه استطاع التعلم من هؤلاء الطلبة الكثير من الأمور، وأهمها المثابرة من أجل المستقبل الجيد.
الحسني يتحدث بفرح قائلاً: “لم أر في حياتي أطفالاً مصرين على العلم والدراسة مثل هؤلاء الطلبة، الذين تنوعت أمانيهم بين من يتمنى أن يكون طبيباً، وآخر يفضل أن يكون مثلي (ضابطاً) ليتمكن من مواجهة الأعداء، كما أخبرني.”
يقوم حيدر بتدريس الطلبة الرياضيات والعربي والإنكليزي كمعلم وحيد في مدرسة كاملة ويأمل، من خلال مجلتنا، توفير كادر تدريسي للمدرسة ولجميع المدارس التي تقع في الأقضية والنواحي لضمان مستقبل اطفالنا. نحن بدورنا نشكر الملازم حيدر الحسيني ونأمل من وزارة التربية الالتفات لمدرسة “العبيدية المختلطة” وإنقاذ اطفالنا من الضياع.