دعوني انتقم لطفلي
رجاء خضير /
حينما تتلبّد سماؤنا بالغيوم, وقتها تمطر أرواحنا معاناة لا حصر لها… نقول إنها كسف من السماء, وقد تكون دموعاً حقيقية لما نحن فيه… ولكن شئنا أم أبينا فإن الشمس ستشرق من جديد على أحبتنا لتنير لهم الطريق الذين كادوا أن يضلّوه…
ليس المهم أن ندفع نحن الثمن لأن البراعم حينما تموت تزهر أخرى بديلاً عنها… وهكذا الحال… بل وفي قضيتنا هذه…
أصبحتُ أرملة وأنا في عزّ شبابي, إذ توفي زوجي في ظروف غامضة، حتى أننا لم نرَ جثته, قد يحسب على المفقودين او على الشهداء. ولأنني انتظرته في بيت أهله ستّ سنوات، جاء أهلي واعتذروا من أهله وأخذوني معهم الى محافظتنا بعد أن فقدنا الأمل في العثور عليه. وحسب تقاليد وأعراف القرية التي نعيش فيها أن لا أبقى بلا زواج, بكيتُ وتوسلت بوالدي: وما مصير ابني ذي الخمس سنوات؟ أخشى عليه فيما لو تزوجت. أجابني والدي وبلغة حاسمة: ستأخذينه معكِ الى بيت زوجك الجديد, وهو وافق على شرطي هذا!!
يا والدي افرض أن زوجي (والده) عاد فماذا سيكون موقفنا!!
قال: لا تفكري به, فلو كان حياً لأتى او سمعنا خبراً عنه!!
وهكذا تزوجت, ليتنفس أبي وإخوتي الصُّعداء, وكأنني ثقل عليهم تخلصوا منه.
كان زوجي الثاني لطيفاً في بداية الأمر, لا سيما مع ابني اليتيم, وما أن استقرت أموره ومضت فترة على زواجنا حتى بدأ يتغير معي ومع ولدي الذي كثيراً ما كنت أجده يبكي في سريره, واذا ما سألته يتوسل بي أن أعيده الى بيت جدّه (أهل والده) لأن هذا الرجل (يقصد زوجي) لا يحبني, بل وفي كثير من الأوقات كان يسمع ويرى كلماته النابية لي وله…
فاتحتُ والدي بالأمر وطلبت منه أن يحدّث زوجي ليغيّر أسلوبه مع طفلي أو أتركه, فما كان من والدي إلا أن يضحك بصوت عالِ ويقول: وأين تذهبين؟ عودي الى بيتك وحافظي على زوجك, فهو الوحيد الذي قبل الزواج منكِ, صرختُ وبشده: ومن قال لك أني أردت الزواج!!
أنت الذي أجبرتني على هذه الزيجة لتتخلص مني ومن طفلي اليتيم!
دفعني الى الخارج وأغلق الباب وسط دموعي ودموع طفلي, الذي حدثته في الطريق أن يحسن علاقته بزوجي وأن لا يثير أية مشاكل.
أجابني بلغة الطفوله وبراءتها: أنا أحبه يا أمي, وسأمكث في الغرفة ولا أخرج منها حينما يكون هو في البيت كي لا أسبب المشاكل بينكما. لكني في الآونة الأخيرة لاحظتُ آثار ضرب على ابني وحينما كنت أسأله يتعلل بأنه تشاجر في الشارع او وقع أرضاً, وهذه الحالة كنت أشاهدها كلما خرجت لأمر ما، وبدأت الشكوك تنال مني فصممت على مراقبة الأمر لأعرف الحقيقة.
وفي يوم أخبرتهم بأنني سأزور والدتي لأنها مريضة وقد أتاخر عندها قليلاً, خرجت وأغلقت الباب خلفي، وبعد دقائق سمعت صراخ وعويل ابني يتوسل زوجي الوغد ألا يضربه وأنه سيلبي له مايريد.
سرحتُ بأفكاري, ماذا يريد منه هذا السكّير المدمن!!
فتحت الباب خلسةٍ وشاهدتهُ (زوجي) يعرّي ابني من ملابسه ويربطه الى جذع النخلة ويبدأ بضربه ويلقنه كلمات لا يليق بي أن أقولها هنا, دقائق وجلب زجاجة الخمر وفتح علبة حبوب, يضربه ويأمره أن يشرب, وابني يرفض وبشدة. خرجت من الدار وطرقت الباب، تأخر بفتحه, لحين ارتداء ابني ملابسه، والزوج القذر جمع عدّته ودخل بها وأخفاها، سألني لماذا عدتِ, أجبته وكراهية الدنيا أصبّها بنظراتي عليه: لم أجد أمي, فقد ذهبت الى الطبيب لذا عدتُ.
في الصباح استفسرتُ من ابني عن الآثار التي على جسده, بكى ورمى بنفسهِ في أحضاني، ثم عرفت منه كل شيء, توسل بي أن لا أقول لزوجي أي شيء لأنه هدده بالقتل.
فكرتُ في الأمر وقررتُ أن أفاتح والديّ بالأمر الذين وضعوا لي خطة لإيقاعهِ بالجرم المشهود بالاتفاق مع أحد كبار عشيرتنا. وهكذا دبّرتُ للأمر دون أن يعرف ابني بذلك خشية عليه او أن يفتضح الأمر. ونفذتُ الخطة في اليوم التالي إذ خرجت من البيت, ليبدأ صراخ ابني ومعه قلبي يتألم ويتقطع ولكن عليّ أن أصبر قليلاً, فتحت الباب عليهما، أما والدي والذين معه فقد كانوا يقفون بعيداً عنا بانتظار إشارتي, فقدتُ أعصابي حينما رأيتُ زوجي يشعل النار ويحمي فيها قطعة حديد كبيرة، اقتربت خلسة من ورائه دون أن يشعر لأن نشوة السُكر دارت برأسهِ، وبإحساس الأم عرفت ما سيفعله، أكيد أنه سيحرق بها جسد طفلي ليتلذذ بهذا المنظر فهو فاقد للإنسانية ووحش، بل حتى وحوش الغابة ترحم فريستها وتتركها أحياناً.
فقدت أعصابي، ودون أن يشعر أخذتُ جمرات من النار ورميتها على عينيه ثم دفعته بقوة باتجاه جمرات النار القريبة منه, صرخ ابني أن أكف عنه لأنه سيقتلنا، هو لم يتحرك, سمع والدي الصراخ ودخل هو وجماعته ليروا بأعينهم المشهد كله.
ألبست طفلي ملابسه, وحضرت الشرطة واجتمع الناس حولنا وعرفوا بالذي حدث.
أخذتني الشرطة معهم وأيضاً طفلي، وهناك أدلينا بالتفاصيل كاملة، وأخضعوا ابني لفحوصات عدة وضّحت الضرر الذي لحق به جرّاء التعذيب، وتنادت العشائر حول هذا الحدث، وأهل ابني يريدون القصاص من هذا الظالم كذلك أهلي الذين خدعهم بأكاذيبه يريدون الانتقام لي ولطفلي…
انتظر المحكمة.. ماذا ستقول بحقي!! وحق طفلٍ فقد طفولته وبراءته وسط أساليب التعذيب التي تفنّن بها فاقد الأنسانية (المُدمن).