دمشق مدينة تفوح برائحة التاريخ
خضير الزيدي /
إنها دمشق…. المكان المليء بالحياة، تفتح أبوابها للقادمين من شتى ربوع الأرض، تأخذ سواحها لأدق تفاصيل الذاكرة القديمة ثم تستلقي معهم حيث الحياة المدنية الجميلة المفعمة بالمحبة والهدوء فيلتقي ماضيها العريق مع حاضرها البهي، برغم أسى الحرب الذي تلاقيه. انه الكبرياء والصراع من أجل انتصارها في الحياة
مدينة تحاصرها سلاسل جبال القلمون ولبنان الشرقية من جهة الشمال والغرب ومرتفعات حوران والجولان من الجنوب والشرق كانت ذات يوم عاصمة لمقاطعة آرامية شيد فيها أكبر المعابد الرومانية وهو معبد جوبيتير وكنيسة يوحنا المعمدان ومع سقوط الإمبراطورية الرومانية وفي أواخر القرن الرابع الميلادي أصبحت مقاطعة بيزنطينية حملت تاريخا مشرقا من الإبداع ويذكر لنا سجلها من وقائع كثيرة منذ أن مر بها الأمويون والعباسيون ومنذ تلك السنوات الطويلة وهي تزخر بحياة لا يتكلم من يراها إلا وهو يحن للعودة إليها والعيش بين مساكنها هكذا تفتح أبوابها للقادمين من شتى أماكن العالم.
البيوت القديمة وطابعها التراثي
كل من يدخل لدمشق من بواباتها المتعددة تثيره رؤية بيوتاتها القديمة وتكوينها وكأنه يجلس أمام تاريخ قديم يفتح صفحاته ليشاهد تلك الكنوز والأطر البنائية الرصينة وعوالمها الجميلة، فهي غالبا ما تحتوي على باحة تراثية يقال عنها اليوم أنها تقليدية لأنها تتوزع على نظام معين فرضته متطلبات الحياة يوم كان سكان هذه المدينة يميلون إلى أكساء بيوتهم بزخارف نباتية وقضبان خشبية لتصبح أجواء يوميات أهلها أكثر حميمية، حيث الأطفال بمرحهم وألعابهم في الأزقة الضيقة والكبار حاملين أطباقا من طعام لذيذ وفره صاحب مطعم قريب تعجن يداه ما لذ وطاب من الطعام وحيث المقاهي التي لا تخلو منها النساء الرشيقات وهن ينصتن لغزل الرجال وهمسات العشق، تلك المساكن التي زينت باحاتها أوراد الياسمين والرازقي وشجيرات الظل شكلتها عقلية معمارية جعلتها مكيفة حيث المناخ وتقلباته وحيث الحفر على الخشب وجمال تكوينه وإثارة إبداعه.
بيوت من الألفة
أخذتني الدهشة مع أحد الأصدقاء من أهلها لأتساءل عن البحرات الفوارة أو ما يسمى الفسقيات فيقول لي صاحبي أن بيوتنا لا تخلو إلا قليلا منها لأنها كانت حاجة ماسة للجميع تستخدم في باحة البيت أو داخله يزينها الرخام المزركش وتحيطها زراعة الورود والأشجار الموسمية، أما أبواب تلك البيوت فاحتلت طابعا زخرفيا وطرازا من التصميم الذي يجعلنا نراقب كيفية تكوينها فهي تميل للبساطة، وعادة ما تكون من الخشب الثخين والمتماسك، قسم منها مطرز بزخارف ورسومات والأخرى تبدو البساطة عليها قائمة لتوحي بان سكانها من طبقات متوسطة أو من إحياء فقيرة، أيضا تذكر لنا المصادر التاريخية أن هناك العديد من البيوتات المشهورة مثل بيت البارودي وبيت احمد عزة باشا العبد وبيت اليوسف وهو من القصور الموجودة في دمشق ويوسف باشا يعد من أعيان دمشق في مراحل تاريخية سالفة وبيت العجلاني والنابلسي وبيت القباني الذي انحدر منه الشاعر نزار القباني.
الحميدية
الأسواق التجارية الواسعة في دمشق تلهب حماس الزائرين للتبضع منها من شتى أنواع المحال ولكن المميز هنا في جوانب الحياة اليومية ما يحمله سوق الحميدية من طابع تجاري . عرف عن هذا السوق قدمه فقد نشأ قبل أكثر من 300 عام ومنهم من يذهب إلى أكثر من هذا العمر.. أرسى دعائم تشيده السلطان عبد الحميد الأول عام ألف وسبعمائة وثمانين وهو سوق شعبي تجاري يحتوي على محال مختلفة يغلب عليها بيع الملابس والتوابل والأقمشة والحلي والعطور مكتسبا أهميته التجارية لوقوعه في قلب العاصمة ولأنه يجاور قلعة دمشق التاريخية مصطفة على جانبيه المحال المتنوعة التي تتفرع منه أسواق تلتصق به مثل سوق البزورية والصاغة وسوق المناخلية وسوق السروجية والعطارين ولكن سرعان ما ينتهي سوق الحميدية عند بوابة معبد جوبيتر الدمشقي والذي شيد في زمن الرومان بأعمدته الضخمة الرخامية ليجد المرء انه واقف حيث الجامع الأموي في قلب مدينة دمشق القديمة .الأمر الملفت في هذا السوق كثرة العراقيين القادمين لزيارة السيدة زينب والسيدة رقية عليهما السلام لهذا تتحسس حميمية المكان وألفته وكأنك وسط محال الشورجة في بغداد.