دول تحظر التدخين على شواطئها

619

ترجمة: آلاء فائق /

يقصد الكثير منا شواطئ البحار والبحيرات صيفاً للتمتع بهواء البحر النقي والشمس الذهبية والرمال الساخنة، لنخلق أجواءً بعيدة عن ضغوطات الدراسة والعمل الروتيني نحو الشغف والسرور والراحة النفسية.
فشواطئ البحر تمدنا بالراحة النفسية بعيداً عن ضغوط الحياة، وتحسن حالتنا المزاجية وتخلصنا من التفكير السلبي، كما تسهم بوقايتنا من الإصابة بالاكتئاب، لكن هل فكرنا يوماً أن هذه المزايا الجميلة يمكن أن تبددها رائحة دخان سكائر بعض السياح على الشاطئ؟
نعم، تصاعد دخان السكائر في بعض الشواطئ العالمية بات ينذر بعواقب صحية وخيمة على السياح، ولهذا قرر منتجع (بيبيوني) الشاطئي في ايطاليا البدء بسريان حظر التدخين في نهاية أيار المقبل بعد سنوات من التجارب والأبحاث التي أجرتها الفرق الصحية في مجال تلوث الهواء في هذا المنتجع.
سيكون منتجع بيبيوني الشاطئي الفينيسي أول شاطئ إيطالي سيصبح متحرراً بالكامل من الدخان، وذلك في مهمة لحماية البيئة من مخاطر السكائر الضارة وحماية الزوار من الدخان السلبي.
يأتي القرار بعد ثماني سنوات من التجارب والبحوث المستفيضة، التي جاءت كجزء من مشروع “تمتع بتنفس جو البحر النقي” ، الذي شهد حظراً مبدئياً على التدخين بين الصف الأول من المظلات إلى حافة مياه البحر، كما ستشمل الإجراءات الجديدة التي سيتم فرضها بحلول نهاية أيار المقبل تخصيص مناطق معينة للتدخين تبعد مسافة 300-400 متر عن البحر، على حافة الشاطئ. سيتم كذلك في هذا الشهر تحديداً فرض غرامات على المخالفين وسيتقرر لاحقاً ما إذا كان مسموحاً استخدام السجائر الإلكترونية أم لا.
كان الهدف من مشروع “تنفس هواء البحر” هو حماية صحة الناس والبيئة من مخاطر التدخين، وبيبيوني هو منتجع شاطئي قرب البندقية تقصده سنوياً أعداد غفيرة من الزوار الذين يأتونه من شتى بقاع الأرض.
مخطط ناجح
في بداية الأمر وتحديداً في العام 2018 تم حظر السجائر من حافة الماء إلى الصف الأول من المظلات على طول الشاطئ البالغ طوله 8 كيلومترات، في اشارة لاستمرار مخطط ناجح تم تقديمه لأول مرة وبشكل تجريبي قبل سبع سنوات وهو الآن معترف به قانونياً.
بعدها اتخذ المسؤولون عن حماية البيئة قراراً بحظر التدخين تحت المظلات، وشرع منتجع بيبيوني في “تجربة” جديدة، وهو أن لا يكون هناك حظر لهذه الحالة، بل بدلاً من ذلك سيكون التركيز على تشجيع السياح على عدم التدخين، احتراماً لمن حولهم من الناس واحتراماً للمناظر الطبيعية المحيطة بمنتجع بيبيوني الشاطئي. اتخاذ قرار كهذا سيكون بمثابة تحدّ كبير، لكن ما سيسهل مهمته هو اعتماده على دعم حملة إعلانية في المنتجع وجهود لرفع مستوى الوعي في وسائل الإعلام الدولية، ناهيك عن النظرة المتفائلة لمجلس المدينة والشركات المحلية. بعد كل شيء، لقد رأوا بالفعل أن السياح يميلون لرغبة كبيرة بالتعاون، مع وضع احتمالات لخيبة بعض توقعاتهم أحياناً.
المشروع الاصلي
“تنفس هواء البحر” هو اسم المشروع الأصلي، الذي اطلقه مجلس ايطاليا البلدي بالشراكة مع كل الهيئات والشركات المحلية ذات الصلة. على امتدادات رماله العريضة، سيكون منتجع بيبيوني أول شاطئ خالٍ من التدخين في إيطاليا، وأصبح المنتجع الآن متعاوناً مع ضيوفه للترويج للثقافة القائمة على مبدأ الاحترام.
منتجع بيبيوني هو جزء من بلدية سان ميشيل آلتاليامنتو، وبيّن القائمون على حمايته انهم أول من حظر التدخين على شواطئه والجميع دعم جهودهم بمن في ذلك المدخنون أنفسهم. لذلك، يبدو من المنطقي توسيع نطاق التجربة الإيجابية بطريقة طبيعية غير إلزامية، وبعيدا عن أية ضوابط أو قواعد صارمة لا يحبها أحد. ويعتبر منتجع بيبيوني من منتجعات التراث الطبيعي الاستثنائي وهو يفخر بثقافة احترام البيئة، وباتخاذ خطوة كهذه سيستفيد الجميع من شاطئ خالٍ من التدخين.
تستغرق فلاتر السكائر، التي يرميها المدخنون على الشاطئ والتي تحتوي على أسيتات السليولوز البلاستيكية بطيئة التحلل، لما يصل لـ 10 سنوات كي تتحلل، ويتم بيع ما يقرب من 5.5 تريليون سيكارة في جميع أنحاء العالم سنوياً، فتصور الكم الهائل من عدد الأعقاب الكبير التي يطرحها المدخنون في البيئة المحيطة، وكجزء من التجارب التي أجريت بين عامي 2014-2018 ، تم جمع ما يقارب من 550 ألف عقب سيكارة من على شاطئ بيبيوني، والتي كان من الممكن أن ينتهي بها الحال لو تركت أما الطمر في رمال الشاطئ أو تطرح في مياه البحر.
استقبل الشاطئ الممتد لمسافة 8 كيلومترات ما يربو على خمسة ملايين زائر في العام 2017، ما يجعله رابع أكثر الشواطئ زيارة في إيطاليا، بعد ريميني وكافالينو تريبورتي وجيسولو، ومن بين الذين شملهم الاستطلاع ، فإن غالبية زائري الشاطئ كانوا مؤيدين للحظر، حيث أيد 50 بالمئة اجراء حظر تام على التدخين، بينما وافق 26 بالمئة على الاستمرار بالتدخين، طالما تم توفير مناطق مخصصة لذلك. ودعمت منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية في جميع أنحاء إيطاليا المشروع أيضاً.
هواء نظيف
مسؤولو السياحة في بيبيوني مهتمون بتوفير أجواء صحية لمن يختارون قضاء عطلاتهم في هذا الشاطئ وفرصة لتنفس هواء بحر نظيف دون الحاجة لتحمل المواد الملوثة التي تضر بالصحة، كما يحرص المسؤولون على العمل يداً بيد مع ضيوف الشاطئ للترويج لثقافة قائمة على الاحترام، وهم على ثقة أن غير المدخنين والمدخنين سيغتنمون سوية مزايا هذه الفرصة. كما تحظى المبادرة بدعم جميع أعضاء صناعة السياحة المحلية.
وشملت الأبحاث العلمية المستخدمة لدعم هذه الخطوة تقريراً من مركز Stop Smoking في معهد الأورام الوطني الإيطالي في ميلانو، والذي قام بقياس تلوث الهواء على شاطئ بيبيوني وما حوله. وقد وجدت مستويات عالية من التلوث جراء دخان السكائر امتدت حتى مسافة 10 أمتار من المدخنين، وعلى الرغم من أن هذه المستويات لم تستمر سوى بضع ثوان، كانت المستويات أعلى منها في الدوار المزدحم عند مدخل المنتجع.
كان متوسط قياس الكاربون الأسود (جسيمات التلوث الصغيرة السامة) لحظة قدح السيجارة حتى إخمادها 7.4 متر مكعب، مقارنة بـ 2.1 عند مدخل الدوار و 1.8 على الشاطئ بشكل عام.
الطب النفسي
وقال د. روبرتو بوفي، رئيس قسم طب الجهاز التنفسي في المعهد، الذي قاد التقرير: “إن مشروع شاطئ بيبيوني يظهر أنه لا توجد أعذار عندما يتعلق الأمر بالصحة”. على سبيل المثال ، خذ قانون Sirchia الذي حظر التدخين في الأماكن العامة. كان الناس في البداية قلقين بشأن تأثيره “على الاقتصاد والسياحة” ، لكنه لاحقاً أرسى معايير جديدة على نطاق عالمي. لقد عملت أنا وفريقي في المنتجع لإظهار مدى مضار التدخين السلبي على الشواطئ. ونحن بمشروعنا هذا نرسي آفاقاً جديدة لمكافحة التدخين وكلنا أمل في أن تحذو الشواطئ الأخرى حذونا قريبًا .”
من بين الأماكن الأخرى التي فرضت حظراً فعلياً على التدخين هي ولاية كوينزلاند الواقعة شمال شرق أستراليا، حيث نظمت دوريات لمراقبة حظر التدخين المفروض على جميع شواطئها؛ كما فرض حظر التدخين على أكثر من 300 شاطئ في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وابتداءً من العام 2018 فرض حظر على 24 شاطئاً في تايلاند، بما في ذلك شاطئ باتونج في جزيرة فوكيت وشاطئ بوت بجزيرة كوه ساموي. كما قرر اثنان من الشواطئ الويلزية وهما شاطئا ليتل هافن في بيمبروكشاير وخليج كاسويل في سوانسي حظراً طوعياً للتدخين على السياح.
يذكر أن إيطاليا قد فرضت حظراً على التدخين في الأماكن العامة المغلقة في العام 2005 ، حيث حظرت التدخين في الحانات والمطاعم والنوادي والمكاتب. ودعت المفوضية الأوروبية عدة مرات لحظر التدخين في الأماكن العامة، بما في ذلك حث الدول الأعضاء في العام 2017 لوضع سياسات لازمة لجعل الأماكن العامة، بما في ذلك الشواطئ، مناطق خالية من التدخين.

عن/صحيفة الغارديان البريطانية، أنطونيا ويلسون