رنيم ضاهر.. المرأة التي تستطيع سماع أصوات الملائكة

615

أحمد هاتف /

الشعر إعادة خلق لجينات الكون.. ربما إعادة تدوير الكائن والأفق.. وربما هو فن صناعة المعجزة.. هنا تحديدا لابد من التفكير بجرأة.. بتأن تام.. لأن الشعر ليس سطحاً متاحاً دائماً.. إنما هو الحفر الحي في جرف نهر المخيلة لاستيلاد الصورة الأخرى للخلق.. ولأن التصوير السطحي لاينتج الشعر..
آثرت ” رنيم ضاهر” الذهاب إلى كسر الصقيع والنزول إلى مافوق المخيلة، بحثا عن صورة العالم الأخرى… انه البحث خارج المسميات
” المسميات جزء من بلادة العالم”.. لذا تريد رنيم قلب الشجرة والنهر والليل والزكام والأرق لتصل إلى روح الصورة.. فيما وقف العديد من الشعراء حول هالة الصورة.. تمددها الأفقي.. نأت رنيم عن هذا المتداول.. لتقرأ في فعل لم يصنف بعد.. فهو خارج المضارع وأعمق كثيرا من الماضي وادق من موصوف.. هي في نصها تريد أن تعيد الأبعاد الثلاثية للنص الشعري..، تحاول أن ترث المنقطعين من شعراء الرؤى العميقة هؤلاء الذين أدركوا السحر والميتافيزيقا وحللوا دي أن أي الوهم.. إنها لاتكتب.. بل تفتح ممرات للسباحة في كون آخر..
” لأن الحياة لم تعد تجريدية، سعل الأموات في أحلامنا”.. هذا الخليط المرير من الذهان والمعرفة والطفولة والجرأة.. يخلق نسيجا جديدا.. نمطا من التصالح مع الغرائبية الكونية.. لايستند إلى الخيال بل يستند إلى التأمل.. محاولة التواصل مع المغيب لا الغيبي.. لذا ليس مستغربا أن تقول
” اعوي بمئات الأحلام “.. أو” انا باختصار خيال ترك نصفه للفراغ”…لذا فهي شديدة الالتصاق بالمعنى حين تصرح ” الكل تدور حوله الأرض وانا مقترنة بدائرة.. بوجودي المتعدد”..
وتؤكد هذا المعنى حين تقول
” رغم صغر سني.. استطيع سماع أصوات الملائكة.. وهي تجر أرواحا إلى الآخرة “… انه الإنصات إلى مايحدث في الرواق الخلفي للحياة.. محاولة تشخيص مستويات اللحظة غير المكتشفة.. بحث مبهر في الانعكاس الخفي لصيرورة اللحظة.. وهنا تذهب رنيم بعيدا في البحث عن الشعر.. الشعر الذي يقع في الضفة الأخرى من وجهة نظرها.. ضفة غير مرئية لذا لم تك متاحة دائما الا لرؤيويين نادرين مثل رنيم ضاهر… رنيم التي أعادت تشكيل اللغة بما يتناسب مع شعاع الصخور الكونية والكوابيس والتأمل.. لغة لاتمت إلى هرج المترجمين ولا إلى تذاكي الشعراء.. بل هي لغة تتجاوب مع معطيات النص.. تحمله من فقهه الصوري العالي الى بساطة موحية تحتمي بصياغات غير مسبوقة على صعيد المعنى… ” انفخ كيسا هائلا من الذكريات”.. ” أطفال منحرفون يجرون الليل إلى حفرة ضخمة” وهكذا فهي لغة تنتمي لما يتسع لصياغة فكرة ثابتة وعميقة بالوقت نفسه.. قد اعترف بأن النص الحديث لم يشهد هذا النمط من البحث الدؤوب.. وربما لا اذهب بعيدا إذا قلت ان هذا النمط من التفجر والحفر والبحث الطويل قد زاول النص العربي منذ أدونيس وربما قد شهد نوبات ارتدادية عابرة تجسدت ببعض المحاولات المتناثرة لكنها لم تستطع أن تشكل نسيجا متراكما كما تشكلت مع رنيم ضاهر.. وربما يمكننا الإشارة إلى تجربة وحيدة في هذا الشأن تشكلت في محاولة يتيمة للشاعر بول شاؤول…
أزعم أن رنيم ضاهر صورة طاهرة جدا لرنيم ضاهر.. وهي رغم هذا الصمت المجحف المحيط بها فهي علامة تستحق الوقوف عندها طويلا….لأنها وجه الشعر الآخر.. الصورة الغائبة في النص الشعري العربي.. وربما لم تجد طيلة هذه المسافة من يقرأ بعمق هذا الصدى العفيف للفرادة
………. *
لرنيم ضاهر…
استدرت لألمس خيالي
اتثاءب في مخيلة قطة