ريا العاني: أحلم ببناء أجمل صرح في بغداد

2٬368

ريا عاصي – تصوير : صفاء علوان/

مبدعة عراقية حجّمت أحلامها حين دخلت البلاد الحروب المتتالية بعد تخرجها في كلية الهندسة المعمارية جامعة بغداد بتفوق، حتى تخرج من القيود لتكمل الطيران بجناحي فراشة داخل عالم المعرفة والتطور والحداثة في علوم المعمار والتصاميم.

خوف والدتها الفنانة (ولاء السنوي) عليها واعتقادها بأن ريا تمر بحالة كآبة، جعلها تساعدها في السفر الى المانيا لزيارة اقاربها هناك كنوع من التغيير، إلا أنها لم تعلم بانها حولت مشوار حياة ابنتها، فبعد عام من العمل في المانيا والعمل سافرت الى الولايات المتحدة الأميركية لإتمام مشوارها الدراسي والحصول على الماجستير في الدراسات المعمارية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

أعمالها

وانطلقت بعدها للانغماس في العمل وتطوير قدراتها في التصميم لتكون بعد ذلك رائدة في هذا العلم وقامت بتدريس استوديوهات التصميم العمراني والمعماري، وشغلت منصب الناقد الضيف في عدد من المدارس المعمارية الرائدة في نيويورك وبوسطن.

ترأست “ريا” فريق التصميم لمشاريع متعددة رفيعة المستوى، بما في ذلك أول مدرسة (خضراء)عامة في مدينة نيويورك، ويقصد بالخضراء انها صديقة للبيئة بالاضافة لأول برجين تجاريين احدهما سكني(خضر* اصدقاء للبيئة ) في نيويورك. 250 East 57th Street ، “ريا” عضو في المعهد الأمريكي للمهندسين المعماريين، ومهندس معماري مرخص في ولاية نيويورك وموظف معتمد من مجلس المباني الخضراء الأميركية.

انشأت استوديو معمارياً متعدد التخصصات (تصميم العمارة، التخطيط العمراني، التصميم الداخلي، الهندسة والبناء، الاستدامة) في مدينة نيويورك (RAW-NYC ) ومن ثم تم افتتاح مكتب لها في مدينة دبي وهي تترأس فريق التصاميم لمشاريع عدة بما في ذلك برج سكني قيد الإنشاء حالياً في أبوظبي، ومبانٍ سكنية متعددة الاستخدامات، وشقق مخدومة، وفنادق وأبراج مكتبية، وخطط رئيسة وفيلات فاخرة في الإمارات العربية المتحدة.

جوائز

حصلت “ريا” على العديد من الجوائز منها “منحة روث للسفر”، وجائزة مينوس الدولية لمدرسة الفنون الجميلة بجامعة تسينغهوا، وجائزة شرف لمركز العلوم والتكنولوجيا بجامعة سيتون هول وجائزة AIA للتصميم من مكاتب BF Goodrich في شارلوت بولاية نورث كارولينا. في عام 2011 تم ترشيح”ريا” لجائزة الشرق الأوسط للمهندس المعماري، وفي عام 2010 نالت جائزة لندن للابداع عن تصميم زي نسائي استخدمت فيه أشكالاً هندسية وكانت قد شاركت في اكثر من مجال في هذه المسابقة.

محلة وزقاق

في العالم الافتراضي –الفيسبوك- أنشأت صفحة تحت عنوان (زقاق ومحلة) تهدف لإيصال فكرة للعالم مغايرة عن بغداد اليوم التي تتصدر صفحات العالم في العنف والتراجع المعماري، كانت “ريا” تريد ان تثبت ان الروح النقية داخل ازقتنا قادرة ان تعيد الحميمية لهذه الأزقة التي شوهتها الحروب وألغت طابعها المعماري والحضري.

التقيت “ريا” في أحد شوارع بغداد حين قدمت وهي تحلم بإقامة صرح فني جديد في قلب بغداد، اول لحظة التقيتها طالبتني بجولة داخل اروقة جامعة بغداد

–الجادرية- كلية الهندسة المعمارية، كانت الكلمات والحروف تتصادم في فمها وهي تستعيد ذكرياتها في هذه الكلية، التقت برئيسة القسم المعماري التي كانت في حينها زميلتها في الدراسة وحدثتها عن حبها للتعرف على طلبة اليوم وطلبت ترشيح الطلبة المجدين لتتمكن من التواصل معهم كعضو في المعهد الأميركي للمهندسين المعماريين وترفدهم باحدث البحوث والدراسات والتجارب العالمية.

تنقلت “ريا” خلال فترة اقامتها القصيرة ببغداد في اغلب احيائها، كانت مشاعرها تتضارب بين الحزن والفرح، كانت تنظر لكل ركن داخل المدرسة المستنصرية وتشير لي الى منابع الضوء داخل اركان المدرسة وتقول إن المصمم حينها ابدع وخلق لنا تحفة معمارية جميلة جدا ومتكاملة، لذا انا دائما اقول ان العمل الفني المعماري لا يمكن تطويره لكن يمكن ادامته لأنه خلق بأحدث رؤية حينها، لذا على المعماري اليوم ان يجد احدث تصميم برؤيته اليوم، لا بأس ان استوحينا شيئا من عمل الماضي لكن علينا ان نفتح الباب للمستقبل .

حلمها لبغداد

كانت “ريا” تتنقل بين شارع وآخر وهي تنظر للحواجز الكونكريتيه بتمعن وتقول “الحلم دوماً اقوى من الواقع، يوما سأثبت انني سأحدث شرخاً كبيراً لكسر هذا الكونكريت وتحويله من حاجز الى معلَم فني لا يجرح أرواحنا ويقطع محلاتنا البغدادية الى أشلاء، انا قادرة وقوية وسأثبت ان جناحي الفراشة أقوى وأجمل من هذا الكونكريت الصلد.”

“ريا” مستاءة لأن العديد من المقاولين والتجار واصحاب رؤس الأموال الضخمة يقدمونها على انها “زها حديد اليوم”، وهي تقول “زها حديد هي احدى الشخصيات التي تابعت عملها بشغف وحظيت بلقائها، لكنني لست نسخة عنها، فلي حلمي ورؤيتي الخاصة وهي لها اعمالها ورؤيتها الباهرة، انا اشبهها بأن لي شخصيتي القوية وعفويتي التي يراها البعض سذاجة ويحاول كسر حلمي باساليب رخيصة، الربح المادي شيء ضروري لكن حلمي أن أوفر مساحة من الجمال والفن لا تؤذي الطبيعة واجعل من الطبيعة حضناً كبيراً لأعمالي، لذا انا أصطدم كثيرا مع مقاولي اليوم الذين همهم الربح المادي فقط على حساب البيئة وعلى حساب انني أنثى، فالأنثى داخلي ناعمة لكنها قوية.”

واضافت “لست ممن يقدمون الربح في المقام الأول فانا دوماً اطلب من زبوني معرفة امكانياته المادية لنعمل على تحقيق العدل للطرفين، فالعمل الفني يحتاج الحلم والإرادة اولا وممكن ان يكون بسيطا لكنه مختلف وجميل.”

ودعت “ريا”، وهي عين تضحك وعين تبكي، فهي في الجادرية تجد بيتها الذي ترعرت فيه وكليتها التي رسمت احلامها داخلها لكن عليها مغادرتهما لتكمل مشوارها للتحليق في عالم التصميم والفن والعمارة.

هذه “ريا العاني” ببساطة.