ساحة معركة الــطف الأكثر استقبالاً للزائرين في العالم

1٬350

عبد الجبار العتابي _ عدسة: صفاء علوان /

حين تقف هناك.. وتتأمل المشهد، وأنت جزء منه، وتدور حول نفسك فيه، ستشعر أنك خارج الزمن الذي تعيشه، لا تشم سوى روائح زكية، أطيب من المسك، ولا ترى الا فضاءات من صحو وأجواء مشرقة، يتهادى فيها النسيم، وبالرغم منك تجد روحك تتنفس الصعداء، حيث لا همّ ولا تعب، وحينها ستذهب ذاكرتك الى أعماق التاريخ لتتحسس أحداثه وحوادثه التي وقعت في هذه البقعة من الأرض وخاصة في تلك الأيام من شهري محرم وصفر من عام 61 هجرية الذي يوافق عام (685) ميلادية، سترى وتعرف كيف أن تلك الأرض التي كانت يباباً بلقعاً صارت الساحة التي تحتضن الزوار الأكثر في العالم!!.

المسافة بين ضريحين

حين خطوت نحو منطقة ما بين العتبتين (الحسينية والعباسية) المقدستين، داهمني شعور غريب، أنني سأدخل أرضاً لا تشبه أرضاً أخرى، وأتطلع الى سماء تظللها لا تشبه سماء ثانية، بل أنني سأعيش في زمن غير زمني، وما أن وصلت ووضعت أولى خطواتي حتى أقشعر جسدي وارتعدت، أحسست أن هناك دموعاً تنزّ من مسامات جسمي وأن الغدد الدمعية تتفجر بقوة، خطوت عدة خطوات وئيدة وأنا أرتجف، قلت يا الهي.. أين أقف أنا؟، نظرت على يميني وشمالي، قرأت على مسافة وباللون الأخضر (السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين) وتحته قماشة سوداء كبيرة مكتوب عليها باللون الأحمر (السلام عليك يا ساقي عطاشى كربلاء) وقرأت على مسافة أخرى وباللون الأخضر أيضاً (السلام عليك يا أبا الشهداء)، أية مشاعر تجيش هذه اللحظة وأنا أقف بين الإمامين العظيمين الحسين والعباس (ع)، أراني بحركة عفوية وقد مددت ذراعيّ الى الجانبين، أردت أن تطول ذراعاي لألامس الجهتين وأحلق في فضائهما، نظرت المسافة القصيرة هذه تخيلتها كيف كانت بين (الاخوين) في تلك المعركة الظالمة، استشهد الإمام العباس (ع) أولاً ثم استشهد، بعد بعض الوقت، الإمام الحسين (ع)، كانت المسافة بينهما (378 متراً)، هي الآن المسافة بين مركزي القبتين، أي بين مركزي الشباكين المقدسين لسيد الشهداء الإمام الحسين وأبي الفضل العباس، وإلى الشرق منها يقع نهر العلقمي المندرس عام (697هـ) المتفرع من الفرات، فما أقصرها وما أطولها في الوقت ذاته، كنت أنظر في الاتجاهين، أحسب المسافة بالدقائق والثواني تارة وتارة أخرى بالدموع والمشاعر وبأعداد الأعداء الذين وقفوا بين الإمامين بسيوفهم ورماحهم وسهامهم وغدرهم وكفرهم وبشمرهم وحرملتهم وبعمرهم بن سعد.

مسافة الصفا والمروة

واذ أنا أمدّ كفيّ لأمسح عينيّ الذابلتين، سمعت من يقول لي (عليك أن تعلم أن المسافة بين ضريحي الإمامين الحسين والعباس (ع) هي ذات المسافة بين الصفا والمروة، حيث (لأول مرة في التاريخ: ينبه المحقق الكرباسي الى حقيقة غابت عن الناس لأربعة عشر قرناً، وهي أن المسافة بين الصفا والمروة في مكة المكرمة (378 متراً)هي عين المسافة بين روضة الإمام الحسين (عليه السلام) وأخيه العباس (عليه السلام) في كربلاء المقدسة)، أحاول أن أتساءل عن السر في الشبه؟، فيقول لي (يرى المؤلف أن السيدة هاجر زوج النبي إبراهيم الخليل (ع) قامت بالسعي بين الصفا والمروة لطلب الماء لإرواء رضيعها النبي إسماعيل (ع)، وفي طف كربلاء سعى أبو الفضل العباس بن علي (ع) الى النهر المتفرع من الفرات لطلب الماء ليروي به عطش أطفال بني هاشم وعلى رأسهم الرضيع عبد الله بن الإمام الحسين (ع)!!.

موقع منطقة الحرمين

تقع منطقة بين الحرمين او العتبتين او الروضتين في وسط مدينة كربلاء المقدسة، حيث تعتبران مركز المدينة الذي تحيط به المدينة القديمة والمركز التجاري والسياحي والاقتصادي ومن ثم السكني، والمدينة القديمة المجاورة للمرقدين نشأت خلال حقب تاريخية مختلفة الى بداية القرن العشرين وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى (1914 -1918) حيث انشئت المباني العصرية والشوارع العريضة وجففت أراضيها وذلك بإنشاء مبزل لسحب المياه المحيطة بها، اما حدودها فهي ما بين شوارع ميثم التمار، الجمهورية، المخيم وشارع المحيط وتنتهي بشارع المقام، فالعتبة العباسية المقدسة، مثلا، تقع باتجاه عمودي على الجهات الجغرافية الأربع بحيث تكون واجهتها الجنوبية من الأمام والشمالية إلى الخلف، وتقع إلى الشمال الشرقي من العتبة الحسينية المقدسة، بمعنى أن الزائر القادم من بغداد سيكون طريقه أولاً الى ضريح الإمام العباس (ع) ثم يمر في منطقة الحرمين وصولاً الى ضريح الإمام الحسين (ع)، وقد تحول كل ما حول المنطقة الى عوالم من ازدهار في كل شيء.

مكان معركة الطف

وهذه المنطقة.. هي ساحة معركة (الطف) في (الحرب) الغاشمة التي شنها جيش يزيد بن معاوية الأموي ضد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في شهر محرم عام 61 هجرية، وعليك، وأنت تقف هناك، أن تتطلع فيما حولك لترى ما كانت عليه تلك الأرض التي لا يسكنها أحد، القاحلة، مترامية الأطراف، التي جيء بالإمام الحسين وأهل بيته (ع) قسراً إليها لتكون المحطة الأخيرة في رحلة الاصلاح وهي المكان الذي كان الإمام علي بن أبي طالب (ع) قد مرَّ به عند مسيره إلى صفّين، فوقف فسأل عنه، فأُخبر باسمه، فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وها هنا مهراق دمائهم! فَسُئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمّد ينزلون هاهنا!.

وان تأملت قليلاً تلك الساعات، ستسمع صهيل خيول وصليل سيوف ونداءات بلهجات مختلفة، ما بين عربية وأعجمية، واذا ما اغمضت عينيك وتأملت قليلاً ستشاهد الاف الجنود المدججين بأنواع الأسلحة، وألواناً من الملابس الغريبة يصطفون في أفواج فيما على الجهة الأخرى لا ترى الا 78 شخصاً وخياماً بسيطة، ثم بعد لحظات سترى دماءً تتناثر وأجساداً تتمزق وخياماً تحترق ورؤوساً تعلق على أسنة الرماح وسبايا في مأساة لم يشهد لها العالم مثيلاً.

أرض خالية

بالرغم من أن تاريخ المنطقة يعود الى العهد البابلي، إلا أن ما شهدته في 12 محرم عام 61 هـ، يمكن اعتباره بداية تاريخ عمران مدينة كربلاء ، أي بعد واقعة الطف بيومين، حيث دفن بنو أسد الجسد الطاهر للإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) وصحبه الميامين (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين)، بأمر من الإمام زين العابدين (ع)، ومنذ أن التقى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في كربلاء بالصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري أصبحت كربلاء قبلة للزوار في يوم العشرين من صفر (أربعين الإمام الحسين (عليه السّلام) ـ, يؤمّها الملايين من المسلمين من الكثير من البلدان العربيّة والإسلاميّة فضلاً عن العراق، ومنه كانت المنطقة محط اهتمام لابد منها، ويذكر الكاتب والمحقق جسام محمد السعيدي لـ (الشبكة) أن (منطقة بين الحرمين في العهد السومري وربما البابلي كانت أرضاً خالية تجاور معبداً لله في موضع العتبة الحسينية المقدسة، وهو معبد وفقاً للديانة الابراهيمية الحنيفية)، ويوضح (وهي عبارة عن أرض برية ليست صحراوية، تجاورها بساتين النخيل وشط الفرات من الغرب، غير مسكونة عام 61هـ، ويبدو أن فيها (تلّين اثنين) بحسب القراءات الطوبوغرافية لأحد الأجهزة التي استقدمتها العتبة العباسية المقدسة).

كما أنه أجاب عن سؤالنا اذا ما دُفن فيها شخص من مجرمي واقعة الطف، فقال: لا.. لأن قادتهم حملوهم خارج كربلاء المقدسة، باعتبارهم يعودون الى عشائرهم، موضحاً: أن (نسبة الشاميين بينهم نحو 83.3% والفرس 13.3% والكوفيين 3.4%) وربما كان ذلك لحكمة من الله أن لا تتلوث هذه البقعة الطاهرة بهم.

الساحة الأكثر زواراً في العالم

يمكن القول أن منطقة بين الحرمين هي الأكثر استقبالاً للزائرين خلال سنة واحدة، وبحسب الإحصائيات التي نشرها موقع (ويكبيديا) العربي عن أكثر البلدان والمواقع والمدن دخولاً للسُياح، أن (عام ٢٠٠٩ زار كربلاء أكثر من 55 مليون مسلم بينهم أكثر من ربع مليون من أكثر من 50 بلداً عربياً وأجنبياً)، ويبدو أن الموقع أخذ عدد الزائرين من أحصاءات (شبكة الكفيل العالمية) أومما نقلناه لوسائل إعلام كثيرة – منها بعض الوكالات الأجنبية – عما قمنا به من تقديرات علمية من خلال الشبكة، إذ أن معلومات الشبكة كانت تكتب من قبلنا في تلك الفترة، ويبدو أن موقع ويكبيديا ضمن هذه المعلومة في طيات صفحاته، مع تحوير بسيط، إذ أننا لم نذكر حينها بأن الـ (55 مليوناً) هم مسلمون، بل إن بهم من غير المسلمين أيضاً، ولم نقل أن (بينهم أكثر من ربع مليون من أكثر من 50 بلداً عربياً وأجنبياً) لأن هذه الاحصائية خاصة بزيارة الأربعينية في العام 2009م فقط، وليس بزوار العام كله، إذ أنهم يتجاوزون هذا الرقم بكثير.

تطورات مهمة

شهدت منطقة بين الحرمين اهتماماً ورعاية كبيرين أديا الى أن تظهر بالشكل الجميل التي هي عليه الآن خدمة للزائرين، ساحة مستطيلة الشكل، نظيفة وبهيجة وفسيحة، ساحة ولا أروع في كل ما تحتويه، وقد جرى تطوير وإعادة تأهيل المنطقة عام 2012 ومن ثم افتتاحها أول أيام عيد الفطر عام 2013 ، وشملت الأعمال نصب مسقفات جديدة وبمواصفات عالية الجودة، وتم أكساء الأرضية بالمرمر نوع (كراره) الإيطالي وبمساحة 24 ألفاً و270 متراً مربعاً وهو من نفس المرمر المستخدم في الحرم المكي الشريف ويبلغ سمكه 5 سنتمتر وله خاصية الامتصاص والبرودة إضافة الى كون المرمر ناصع البياض وذي متانة عالية، كما تم استبدال الأسيجة الحديدية القديمة وبناء مسقفات جديدة عدد2 وتأهيل القديمة منها بطول 161 متراً وعرض يتراوح بين 9 متر و5 متر أحدهما خصص للرجال والآخر للنساء.