ساوة.. بحيرة الأسرار
عامر جليل إبراهيم/
حين يستدر نهر الفرات في محافظة المثنى متجهاً نحو الجنوب الشرقي وعلى بُعد ثلاثين كيلو متراً من هذه الاستدارة نجد بحيرة ساوة الملحية.
التكوين الجولوجي القديم الذي يمثل حلقة وصل بين الصحراء والداخل، المسطح المائي هذا المعروف باسم ساوة يضم الكثير من التفاصيل في تضاريسه وموقعه مايجعله متفرداً بغرابته المهمة فالملح والماء يجعلانه نسخة مصغرة من البحر الميت..
تقع البحيرة في مكان مرتفع عن الأرض وتصنف البحيرة على أنها من أغرب البحيرات في العالم بحيث أن الآتي إليها أو السائح لايراها عن بعد حتى يصل إليها وهي من الأشياء المثيرة للعجب والمثيرة للجدل أيضاً.
وكلمة ساوة تعني العجوز، واللفظ مأخوذ من الكلمة الآرامية سورث، ولا تحظى البحيرة في الوقت الحاضر بما تستحقه من زيارات، برغم أنها تعد من أقدم البحيرات المذكور في كتب التاريخ .
قباب ملحية
بحيرة ساوة من البحيرات الفريدة لما تتصف به من ارتفاع نسبة الملوحة فيها مقارنة بباقي البحيرات والأنهار في العراق حيث تبلغ هذه النسبة 1500 بالمليون وهي نسبة عالية جداً حيث إنها أعلى ملوحة من مياه الخليج العربي بمرة ونصف، ويتباين لون الماء بين الأخضر الداكن (قرب الضفاف) إلى اللون الأزرق في العمق.
منطقة بحيرة ساوة جزء من السهل الجبسي وتتصف الأرض بالاستواء والانبساط تزداد درجة الميل بصورة عامة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي بمعدل إرتفاع 2,7 متر بالكيلومتر الواحد وتكثر في المنطقة الظواهر الطبيعية مثل السبخة و الكثبان الرملية.
ترتفع البحيرة بين واحد إلى أربع أمتار عن الأراضي المجاورة، وتعلو عن نهر الفرات القريب منها مابين خمسة إلى سبعة أمتار كما ترتفع عن شط العرب والخليج العربي مابين 17-20 م.
تمتلك البحيرة القدرة على بناء جدران ملحية (تتشكل أساساً من الجبس) تَحيط بالبحيرة من جميع الجهات، هذه الجدران الملحية تشكل حاجزاً يمنع مياه البحيرة من غمر الأراضي المجاورة، وتُبنى الجدران بتبخر المياه المشبعة بالأملاح في الحافات الضحلة للبحيرة وتنمو إلى أعلى بمرور الوقت حتى تصبح أعلى من مستوى البحيرة وقد يصل إرتفاع الجدران الملحية حتى 6 أمتار مٌشكلة أشكال غريبة تشبه القرنابيط.
تنتشر الترسبات الملحية على طول الشاطئ مُشكّلة معرضاً للمنحوتات الفنية الطبيعية، البحيرة ذات موقع مهم جغرافيا، حيث تقع على أطراف البادية وهي موقع ملائم لتلطيف الجو وتحسين البيئة، وأيضاً مكان محطة لهجرة الطيور العابرة من قارات مختلفة، لتستريح في هذه البحيرة.
شكل البحيرة
شكل البحيرة الكلوي أو الكمثري يضيق في مكان، وفي مكان آخر تتسع والطريق المؤدي إلى البحيرة معبد منذ فترة قديمة إلا أنه لايحتوي على معالم الراحة والتواصل مع الخدمات والاحتياجات. منظر البحيرة الظاهر الأملاح تبعث انعكاساً أزرق بلون السماء على سطح الماء يتدفق الماء من داخلها إلى الأعلى وهي محاطة بسياج كلسي فيه أخاديد وتجاويف بفعل الظواهر البيئة وتأثير الحرارة.
مياه البحيرة شديدة الملوحة وتصل إلى ضعفي ملوحة مياه الخليج وستة أضعاف ملوحة الفرات وهو أقرب مجرى مائي لها، وللبحيرة فوائد كثيرة فيما لو استثمرت بشكل صحيح الاستثمار العلمي والاستثمار الاقتصادي ويمكن أن نصل إلى نتائج مفيدة فيما لو حللت المياه ففي سبيل المثال يمكن ان نجعل من أجزاء من البحيرة منتجعات طيبة كما في البحر الميت.
ابعاد البحيرة وعمقها
يبلغ طول البحيرة 5 كيلو مترات اما عرضها فهو 7 كيلو مترات ويتراوح عمق المياه في البحيرة بين أربعة إلى خمسة أمتار، وهذه الأبعاد تزداد مع مواسم الأمطار، الأمر الذي يدفع بالوهلة الأولى إلى الظن بان البحيرة تتكون من مياه الامطار لكن درجات الحرارة التي ترتفع بالصيف إلى 60 درجة مئوية كانت ستعمل على تجفيفها لو لم يكن لها مصدر خاص للمياه وهذا هو السر العلمي خلف استمرارها بالبقاء.
الحياة البرية والنباتية
يعيش في بحيرة ساوة نوع واحد من الأسماك فقط لا يتعدى طوله 10 سنتيمتر، وهي أسماك عمياء وشفافة من فصيلة الأفانيوس، ويمكنك أن ترى الهيكل العظمي لهذه السمكة، ونسبة الشحوم بها عالية جداً، لذا فإن صيدها وطبخها لن يكون سهلاً وممكناً لأنها ستذوب على النار بالكامل، ولا يعيش أي أسماك أخرى في البحيرة وهذا بسبب الملوحة العالية فيها، والتي تجعلها أقرب لمياه المحيطات عنه من مياه الأنهار والبحيرات.
كما أن في قاع البحيرة يعيش نوع من الحلزون يعيش في المياه المالحة، ولا يوجد أي نباتات حول البحيرة أو داخلها، بسبب ملوحتها العالية، غير الصالحة لحياة النباتات، أما بالنسبة للطيور المائية فيوجد عدة طيور يقدر أنواعها بحوالي 25 نوعاً، أشهرها : الغطاس الصغير، الهدد العراقي، البط، الغر أوراسي الذي ينتمي إلى الطيور المرعة، الخناق الرمادي.
ولكون البحيرة ممتدة في الصحراء نجد أنه تحيط بها بعض الحيوانات مثل : الثعالب، الضباع، جربوع الخوال أو الضرنبول.
ساوة الجميلة
يسميها أهل الجيولوجيا ساوة الغريبة نسبة إلى غرائبها وساوة العجيبة تعبيراً عن عجائبها ويطلقون عليها ساوة الجميلة فيشبهونها بامرأة فائقة الجمال اودعها الخالق سر الخلود، ساوة باتت اليوم تبحث عمن يعالجها من جراحات الاهمال البشع الذي ذبحها بغير سكين ليجعلها اليوم تبدو مهجورة تماماً فلا زائر لها وليس فيها او قربها اي حياة ولا أماكن للاسترخاء او المشاهدة ولا محال او مطاعم او فنادق قربها بل أن من يذهب إليها يموت عطشاً وقربه الماء.